الصهيونية الاقتصادية
الصهيونية الاقتصادية
دور الاقتصاد
في الصراع العربي الإسرائيلي
أحمد علي هدال/دمشق
ماهية " الصهيونية الاقتصادية " وكيف تعمل آلياتها ؟ هو ما يحاول المؤلف فضل النقيب في كتابه هذا أن يقف عنده إذ أن الصهيونية ومنذ نشأت كيانها المجتزأ على أرض فلسطين سعت إلى وضع ركائز لتنفيذ مشروعها الإحتلالي وحماية هذا المشروع وكان من بين أهم هذه الركائز دأب قادة الاحتلال على تطوير الوضع الاقتصادي وتأمين الرفاه الاجتماعي لكي تحقق بذلك عامل جذب للمهاجرين اليهود الجدد وبناء على ذلك تم تطويع الاقتصاد في خدمة المشروعات الصهيونية والمصلحة العليا للكيان الإسرائيلي ..
ومن البداية يكشف المؤلف عن أن نتائج المظاهرة الدولية الكبرى في انابوليس في العام 2007 لن تختلف من حيث الجوهر عن نتائج المظاهرة الكبرى لعام 1993 في واشنطن وإن اختلفت الظروف والتفاصيل .. ويرى المؤلف أن منطقه هذا مبني على أساس قراءة موضوعية للأحداث وقد لخصها بالقول : (( بعد حرب 1967 لم تقم إسرائيل بضم الضفة الغربية فورا إلى إسرائيل كما فعلت بالقدس وذلك بسبب الوضع السكاني , فضم الأراضي بسكانها الفلسطينيين في ذلك الوقت كان سيقود إسرائيل إلى فقدان طابعها اليهودي ولذلك بدأت على الفور في تفعيل ( الصهيونية لاقصادية ) بهدف إحداث تغيير في الوضع الاقصادي في الأراضي الفلسطينية المحتلة يقود بشكل تدريجي إلى إحداث تغيير ديمغرافي لصالح اليهود لقد تسارعت عملية تهويد الأراضي الفلسطينية مع توقف المقاومة العربية أولا مع توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل وثانيا مع توقيع اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير وإسرائيل )) ..
ومنذ البداية يدحض المؤلف النظرية القائلة بأن تطبيع العلاقات الاقتصادية بين البلدان العربية وإسرائيل سيعود بفوائد اقتصادية على الطرفين ، على افتراض ضمني مفاده أن الأضرار الاقتصادية الهائلة التي أصابت الاقتصاد الفلسطيني منذ بداية المشروع الصهيوني في الربع الأخير من القرن الماضي وحتى الآن كانت بسبب أوضاع الصراع بين الفلسطينيين واليهود في البداية ثم بين العرب وإسرائيل بعد ذلك ، وأنه متى توقف هذا الصراع فإن الأضرار الاقتصادية ستتوقف ليحل محلها وبشكل تدريجي فوائد كبيرة للطرفين ، وهنا يقول المؤلف إن خطأ هذه النظرية الفادح هو أنها تقرأ التاريخ بشكل معكوس ، فليس صحيحا أن الأضرار الاقتصادية التي لحقت بالشعب الفلسطيني طوال القرن الماضي كانت نتيجة الصراع بينه وبين الحركة الصهيونية في البداية ، ثم بينه وبين وإسرائيل بعد ذلك ، فما حصل في الواقع كان على العكس من ذلك ، إذ أن الصراع نشأ وتطور نتيجة حتمية للأضرار الاقتصادية التي ألحقها المشروع الصهيوني بالاقتصاد الفلسطيني .. ومن خلال استعراض المؤلف لتاريخ الاستيطان الصهيوني يدل بوضوح وجلاء على أن الأضرار الاقتصادية التي ألحقتها عملية الاستيطان الصهيوني قادت للمقاومة العربية وللصراع .. وهنا يبين أن الموجة الأولى من الهجرة اليهودية إلى فلسطين المحتلة والتي تمت بين العامين 1845 ــ 1934 والتي أشرف عليها البارون اليهودي الفرنسي ادموند روتشيلد تختلف عن موجة الهجرة الثانية التي بدأت منذ العام 1903 وبخاصة بعد أن أقر المؤتمر الصهيوني الخامس في العام 1901 تأليف الصندوق القومي اليهودي لتمويل شراء الأراضي في فلسطين دون أي اعتبار للوضع الاقتصادي في فلسطين وقدرته الاستيعابية .. واختلاف الموجة الثانية أن معظم المهاجرين كان من الشباب الذين لا يملكون أي رأس مال ويعتبرون أنفسهم من الطبقة العاملة ويحملون المعتقدات السياسية التي كانت مزيجا من الأفكار القومية والاشتراكية التي كانت شائعة تلك الأيام وكان همهم الأول ايجاد عمل لكسب الرزق ولذلك سارعت مجموعات منهم لتأسيس الأحزاب السياسية التي تعبر عن مصالحهم .. وهنا كانت نقطة التحول الخطيرة ولقد تأسس أول حزب عمالي يهودي في فلسطين عام 1905 رافعا الشعار الذي رفعته بعد ذلك كل الأحزاب العمالية وهو ( احتلال العمل ) والذي كان يركز على أهداف ثلاثة : الأول نفسي يهدف إلى تكييف اليهودي على العمل الزراعي على أساس الاعتقاد القائل بأن حل المشكلة اليهودية التي عانى منها اليهود في أوروبا تتطلب أن يعمل اليهودي للتخلص من وضعه الشاذ الذي تمثل في مهن معينة ، ويأخذ الوضع " الطبيعي " فيعمل في الأرض التي سقيم عليها وطنه القومي ، والثاني : طبقي يهدف إلى حماية المصالح العمالية من استغلال أصحاب المزارع والمشآت اليهودية ، والثالث : قومي ويهدف على " أخذ الشغل في الاقتصاد اليهودي من العمال العرب وتحويله إلى أيدي العمال اليهود " .. وكان الهدف الثالث هو الهدف الحقيقي وراء شعار ( احتلال العمل ) ، وقد حققت الأحزاب العمالية أهدافها من خلال تحالفها مع المنظمة الصهيونية التي كانت تملك رأس المال ( الصندوق القومي اليهودي ) ولم يقتصر هذا التحالف على شق سوق العمل إلى سوقين بل تعدى ذلك ، إذ أن التحالف بين الاثنين تمكن في النهاية من استنباط النموذج الصهيوني للاستيطان الاستعماري وذلك باعتماد أسلوب المستوطنات التعاونية والتي بدأ العمل بها عام 1909 ..وكان أسلوب المستوطنات التعاونية يتم عبر قيام المنظمة الصهيونية بشراء الأراضي ، وعلى قيام الأحزاب العمالية باستيطانها ، وفي هذه العملية كان الاستيطان يتم عبر تشويه الأسواق الثلاث ، سوق رأس المال ،سوق الأرض ، وسوق العمل .. وكل ذلك كان يصب في مصلحة اليهودي على حساب الشعب الفلسطيني وبدعم واضح من الاستعمار البريطاني التي كانت تمثل انحيازا كاملا لصالح الحركة الصهيونية التي تجلى على المستوى الاقتصادي في مساعدة وتشجيع النشاط الصهيوني في انتهاج الوسائل والأساليب التي كان قد تبناها قبل بدء الانتداب بعد قيام التحالف بين المنظمة الصهيونية وأحزاب العمال اليهودية في فلسطين .. وهكذا فإن آليات الحركة الصهيونية التي كانت تعمل وفق شعارات احتلال الأرض واحتلال العمل لاقت دعما وتشجيعا من حكومة الانتداب وكان أهم مساعدة قدمتها قدمتها حكومة الانتداب للآليات الصهيونية هي بالنسبة لسوق رأي المال والذي ألحق ضررا خطيرا بالاقتصاد العربي الفلسطيني ... ولم تكتف حكومة الانتداب بذلك بل كانت تشجع الصناعات اليهودية وتمنع قيام صناعات عربية بحيث يصبح الفلسطيني مجرد تابع ومستهلك للبضاعة اليهودية ...
لقد كان قيام دولة ( إسرائيل ) عام 1948 نقطة البداية التاريخية لحصول الصهيونية الاقتصادية على " الدولة الاستعمارية " التي كانت تفتقد لها وهي تعمل على توليد الظروف الاستعمارية في ظل دولة استعمارية كبيرة ...
هنا يبين المؤلف أنه لفهم آليات الصهيونية الاقتصادية لا بد لنا من إطار نظري يستند عليه التحليل لماضيها ، ويعتمد عليه التحليل التنبؤي لمستقبلها . ويقول المؤلف إن الهدف من دراسة العلاقة الاقتصادية بين إسرائيل و الدول العربية المجاورة هو فهم هذه العلاقة منذ بدء الاستيطان اليهودي في فلسطين في أواخر القرن التاسع عشر وفهم مستقبل العلاقة في إطار العملية السلمية وفي إطار مستقبل العلاقات الاقتصادية بين العالم العربي وإسرائيل بشكل عام .. ويرى المؤلف أن هناك عاملان أساسيان وجوهريان يؤثران في هذه العلاقة ويحددان ماهيتها وإهمال أي منهما يقود لفهم خاطئ أو ناقص لها .
وبعد دراسة معمقة لماهية العلاقة بين الاقتصاد الاسرائيلي والاقتصاد الفلسطيني ( الضفة والقطاع ) والاقتصاد الأردني يقف المؤلف على حقيقة هامة هي أن الأولويات الإسرائيلية الاقتصادية ليست الأولويات العادية التي يلتزم بها عادة اقتصاد مماثل لحجم الاقتصاد الاسرائيلي وشبيه له من ناحية درجة النمو والتقدم ، وأن لإسرائيل أولويات مميزة لا يشاركها بها أي بلد آخر في العالم ...
العامل الثاني : هو أن إسرائيل ليست بلدا عاديا يخضع اقتصاده للمعايير الاقتصادية العادية ، بلد إنه بلد ملتزم بايديولوجية تعطي أولوية للتوسع البشري الاستيطاني ، إذ يعتبر نفسه بلدا ليس لمواطنيه ولكن لكل يهود العالم ، فلكل يهودي في العالم حق الهجرة إلى إسرائيل ، وهذه الأولوية تفرض على إسرائيل إبقاء المناطق المحيطة بها مناطق صالحة للاستيطان الاستعماري .. وفي هذا الإطار النظري نستطيع أن نحدد ماهية الصهيونية الاقتصادية على أنها مجموعة الأدوات والوسائل التي استخدمتها الحركة الصهيونية طوال تاريخها من أجل ضمان ترجيح قوى الاستقطاب على قوى الانتشار في العلاقات الاقتصادية مع الاقتصاد العربي المجاور .. وهذا يعني أن تطبيع العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل هو القبول بآليات سوق تتحرك وتتفاعل وفق أولويات التوسع الصهيوني ..
ومن المهم أن نلاحظ أيضا التناقض بين ما يحدث في الأمد القصير وما يحصل في الأمد البعيد في الوضع الاقتصادي يعكس نفسه أيضا على مجمل الاقتصاد السياسي للصراع العربي الإسرائيلي ، فهنالك تناقض بين نتائج العملية السلمية في الأمد القصير ونتائجها في الأمد البعيد ، فإذا كان الجنوح للسلام يوقف الصراع في الأمد القصير فإنه يؤسس لصراع أصعب في الأمد البعيد لأنه يرتبط دوما بتسريع وتيرة التوسع الصهيوني ..
مستقبل العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل وبلدان العالم العربي في إطار العملية السلمية :
وفي هذا الفصل يركز المؤلف على مستقبل العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل والاقتصاد الفلسطيني في الضفة والقطاع والاقتصاد الأردني بشكل خاص ، ثم يتحدث بشكل عام عن مستقبل علاقات إسرائيل مع البلدان العربية التي تقوم بعملية تطبيع اقتصادي معها .. وهنا يضع المؤلف تصورا من أن المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية قد نجحت كليا وأنه تم قيام دولة فلسطينية بيدها السيطرة على الأراضي ومصادر المياه والحدود ، وكذلك أن التطبيع الاقتصادي بين إسرائيل والأردن قد استمر على الوتيرة التي سار عليها منذ التوقيع على اتفاقية وادي عربة ، وبعد الـتساؤل عن التأثيرات الايجابية ( الانتشار ) التي سيجنيها الاقتصاد الفلسطيني والأردني من العلاقات مع إسرائيل وعن التأثيرات السلبية ( الاستقطاب ) والتي ستعود بالنفع على الاقتصاد الإسرائيلي على حساب المصالح الاقتصادية الفلسطينية الأردنية ..
يخلص المؤلف ومن خلال المقارنات أن عملية النمو ستكون في خطر لأنه يكرس تخصص الاقتصاد العربي الفلسطيني والأردني بنشاطات اقتصادية ليس لها مستقبل في النمو ، في حين يتخصص الاقتصاد الإسرائيلي بالصناعات ذات إمكانية النمو العالية ..ولذلك وبحسب المؤلف فإن (( مستقبل التبادل التجاري هو أن تستورد فلسطين والأردن السلع الصناعية من إسرائيل وتقوم بتصدير سلع ومواد خام وسلع صناعية بسيطة )) ...
إذ أن الاقتصاد الإسرائيلي الملتزم بالايديولوجية الصهيونية وآلياتها لن تسمح للاقتصاد العربي إلا أن يكون تابعا وبيين المؤلف مدى الضعف الذي يعانيه الاقتصاد العربي مقابل الاقتصاد الإسرائيلي الكبير إذ أن الاقتصاد الإسرائيلي يعادل تسعة أضعاف حجم الاقتصاد الفلسطيني والأردني مجتمعين ، ناهيك عن الصادرات الاسرائيلية التي تعادل أكثر أكثر من عشرة أضعاف ما يصدره الاقتصاد الفلسطيني الاردني معا ..
وبشأن مستقبل العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل والبلدان العربية التي لم توقع على معاهدة سلام معها يقول المؤلف ( إذا استثنينا سورية ولبنان ، فإن هدف إسرائيل الحالي هو الوجود السياسي في بقية البلاد العربية عن طريق إقامة أي نوع من العلاقات يمهد في المستقبل لإقامة علاقات اقتصادية تدعم الوجود السياسي وتعززه ) ويوضح المؤلف أن إسرائيل وبمساعدة الولايات المتحدة استطاعت أن تحقق اختراقات على مستوى المنطقة عبر المسار المتعدد الأطراف للتعاون الاقليمي ..
الفهم الناقص والخاطئ للصهيونية الاقتصادية : وهنا عرض المؤلف للدراسات التي حاولت أن تضع يدها على الأخطار المحدقة لآفاق العلاقات الاقتصادية بين الدول العربية وإسرائيل وقد فرق المؤلف بين هذه الدراسات بعرضه دراستين للباحث المصري محمود عبد الفضيل .. كما عرض في المقابل لتلك الدراسات التي ترى في التطبيع مع إسرائيل بأنه سيصب في المصلحة العربية .. ويثبت المؤلف أن تلك الدراسات ركزت على موضوع الاختلاف الجذري بين بنية اقتصاد دول العالم الثالث ، ولم تأخذ بعين الاعتبار خصوصية إسرائيل وما تفرضه اييولوجيتها الصهيونية من أولويات اقتصادية ..
إن أهمية هذه الدراسة تأتي في سياق بحثها الجديد بأفكار نقدية تواكب كل التطورات المؤسسة للصهيونية الاقتصادية وفهم آلياتها في إطار مشروعها في فلسطين والمنطقة العربية وما يزيد في أهمية الكتاب تلك الجداول الملحقة والتي أوضحت تطور النشاط الاستعماري الصهيوني في فلسطين ، واتجاهات تطور سكان إسرائيل والعلاقات الاقتصادية بين بعض الدول العربية وإسرائيل ..
الكتاب :الصهيونية الاقتصادية دور الاقتصاد في الصراع العربي ـ الإسرائيلي .
المؤلف : فضل النقيب .
الصفحات : 100
الناشر : مركز الغد العربي للدراسات ، دمشق .
الطبعة الأولى / 2008