قراءة في آلام وآمال الأسرة
د.هاني إسماعيل محمد- تركيا
(الأسرة آلام وآمال) كتاب صدر عن المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمملكة البحرين للدكتور صلاح سلطان، في سلسلة قضايا اجتماعية وإسلامية، لا تتجاوز صفحاته 33 صفحة، ومع ذلك فهو يشخص بشكل دقيق مشكلات الأسرة في العالم الإسلامي، بل على المستوى العالمي، ولا يكتفي بالتشخيص الدقيق فحسب، بل يقدم العلاج الناجع المستمد من كتاب الله وسنة رسوله، والذي يكفل السعادة الأسرية في الدنيا والآخرة.
جاء تقسيم الكتاب موافقا لعنوانه فقسمه الباحث إلى مطلبين رئيسين:
الأول – آلام الأسرة في الواقع المعاصر.
الثاني – آمال إصلاح الأسرة في الواقع المعاصر.
وكعادته يناقش الدكتور صلاح سلطان قضية البحث (الأسرة) مناقشة منهجية علمية بعيدا عن الأسلوب الخطابي، الذي يفتقر إلى الأدلة العلمية والحجج المنطقية، فقد عرض الباحث مشكلة الأسرة في الواقع المعاصر على مستوى العالم الغربي ومستوى العالم الإسلامي بالأرقام والحقائق.
آلام الأسرة في العالم الغربي:
تحت هذه العنوان استعرض الباحث الدعوات الغربية لتفكيك الأسرة وتمييعها، حتى صارت بلا مفهوم – إن جاز التعبير – فتحول مفهوم الأسرة من زوج وزوجة وأولاد تحت سن 18، الزوج يعمل، والزوجة ترعى، إلى المفهوم الحداثي، ناس يعيشون مع بعضهم، ويحب بعضهم بعضا، بغض النظر إن كان هؤلاء الناس أزواج أو أصدقاء، أو رجل وامرأة، أو رجل ورجل، أو امرأة وامرأة، كما جاء في كتاب الحياة الأمريكية American Ways ، وقد تفاخر بول رابين الفرنسي بما وصل إليه المفهوم الغربي للأسرة حتى أصبح ابن الزنا في منزلة الابن الشرعي، ولم يبق – على حد قوله – إلا أن يكون جميع أولادنا من الزنا، بمعنى موت الأسرة، وهذا ما تنبأ به كثير من الباحثين الغربين، وأكدوا على تحققه في المستقبل القريب.
وقد كانت نتائج تغير مفهوم الأسرة فاجعة، فقد بلغت نسبة العزوف عن الزواج لدى الشباب الأمريكي طبقا لصفحة الحكومة الأمريكية إلى 85% بنسبة زيادة 336% للذكور بين سني 1970 و2002 ونسبة 169% للإناث في السنوات نفسها، ومن المتوقع أن تصل نسبة العزوف عن الزواج في أمريكا إلى 92.5%.
بلغت نسبة الأولاد الذين يعيشون مع أم دون أب إلى ثلث الأولاد الأمريكيين، وارتفعت نسبة النساء اللائي يتحملن مسؤولية تربية الأولاد بمفردهن من 3 ملايين إلى 10 ملايين، وزادت نسبة الآباء الذين يرعون أولادهم بمفردهم من 393 ألف إلى مليون وربع.
زادت نسبة أبناء الزنا فبلغت في السويد 54% ، وفي فرنسا40% ، وفي بريطانيا 38%، بينما بلغت فقط 1% في اليابان لأنهم شعب محافظ يرفض العولمة والتغريب.
بينت سجلات نسب الطلاق في المجتمعات الغربية نسبا مرتفعة، ففي بلجيكا وصلت إلى 69% ، وفي السويد 60% ، وفي النمسا 59%، وفي فنلندا 54%، وألمانيا وبريطانيا 51%، وفي أمريكا 48%، وفي فرنسا 39%.
وقد أدت هذه الأرقام المرعبة إلى قيام بعض العقلاء من الباحثين الغربيين إلى الإشارة إلى خطورة تفكيك الأسرة والمساوة بين المرأة والرجل مع عدم مراعاة الفروق الطبيعية؛ فكتب الفيلسوف الفرنسي هنري ماريون كتابه: خلق المرأة والمقابلة بين طبائعها وطبائع الرجل، وكتب جون غري: الرجال من المريخ والنساء من الزهرة. حيث أشارا في كتابيهما إلى أن الخاسر في القوانين الأممية للمرأة هي المرأة أولا وأخيرا، فقد أصبحت سلعة إغراء وصارت تجارة الجنس التجارة الأولى عالميا، وقد زادت نسبة العنف ضد المرأة بشكل ملحوظ نتيجة تفكك الأسرة وإلزامها بالمشاركة في أعباء الأسرة المادية.
ولكن هذه الأصوات العاقلة تواجه بحملات إعلامية مسعورة، وقوانين دولية مدعومة من المنظمات الحكومية وغير الحكومية للعمل على تفكيك الأسرة وتفتيتها وتسهيل الحرام وتعسير الزواج، تحت مظلة العولمة، وباسم حقوق الطفلة الأنثى أقل من 18 سنة.
آلام الأسرة في العالم الإسلامي:
لا يستطيع أي باحث أن ينكر دور التغريب والعولمة وأثرهما على المجتمعات الإسلامية عامة، والأسرة خاصة، فقد وصلت نسبة العنوسة في العراق 85%، وفي السعودية 33% ، وفي مصر 30%، وفي الإمارات 20%، بينما بلغت 1% فقط في فلسطين، وذلك وفقا لأبحاث أجريت بين عامي 2000 و2003م.
كما بلغت نسب الطلاق إلى 42% في الإمارات، و38% في قطر، و 35% في الكويت، و34% في البحرين، و26% في سوريا، و24% في السعودية.
الوسائل العملية لمواجهة خطر العولمة على مستوى النخبة:
يدعو الدكتور صلاح سلطان إلى الجهاد الفكري والثقافي ضد العولمة والتغريب وما يترتب عنهما من آثار مدمرة للأسرة والمجتمع الإسلامي، ولن يتأتى هذا إلا من خلال دراسة نقاط القوة والضعف للأمة داخليا وخارجيا، ودراسة الفرص المتاحة لمواجهة التهديدات الوافدة من الغرب، ومن وضع رؤية إستراتيجية شاملة لقيم الأمة الإسلامية والعربية، ووضع ميثاق قيمي معبرا عن أخلاقيات وقيم الأمة منبثقا من الشريعة والأعراف الحميدة.
وطالب برصد كل ما ينشر ضد الأمة، والرد عليه بطريقة تتسم بالمنهجية العلمية، وترجمة هذه الأبحاث والردود إلى لغات العالم، وإعداد دورات تدريبية تثقيفية في الحوار والإلقاء تعمل في الداخل على تحصين الشباب وتوعيتهم، وفي الخارج في المحاورة والمجادلة بالتي هي أحسن لرد الشبهات وبيان المثالب والسلبيات، كما دعا ألا يقتصر مجهود العلماء والباحثين على الأمة الإسلامية فقط، بل يجب عليهم التعاون مع المؤسسات والأفراد على مستوى العالم الذين يؤمنون بضرورة الحفاظ على الأسرة وقيمها.
ودعا – أيضا – إلى تيسير الزواج، واستصدار التشريعات اللازمة لتأهيل المقبلين على الزواج، وأشار إلى نجاح تجربة ماليزيا في عدم قبول تسجيل أي عقد زواج إلى نجاح الزوجين في دورة تأهيلية لمدة شهر، وقد أدت هذه التجربة إلى انخفاض الطلاق من 25% إلى 7%
الوسائل العملية لإصلاح الأسرة على مستوى الأمة:
تحت هذا العنوان عرض الدكتور صلاح سلطان أكثر من عشرين وسيلة للحفاظ على الأسرة ومواجهة دعوات التفكك والانحلال، ويمكن إيجاز هذه الوسائل العشرين في الالتزام بالتعاليم الشرعية والقيم الإسلامية، وتفعيل العبادات الجماعية، والأنشطة التربوية للأسرة، مثل صيام يوم في الشهر والإفطار معا، هذا على الجانب التعبدي. أما على الجانب الدنيوي فيجب إعلاء قيمة الحوار داخل الأسرة، ومراعاة تقدم سن الأولاد، وتقدير ذواتهم، فضلا عن توفير البيئة الإسلامية المناسبة من صداقات للأسر المسلمة، وتوفير اللهو المباح والمواد الإعلامية المناسبة.
لقد قدم الدكتور صلاح سلطان في هذا الكتيب الوجيز دراسة مستفيضة عن الأسرة مشكلاتها وحلولها، وما أحوجنا في الوقت الراهن إلى قراءته والعمل به، بعد أن تعالت الأصوات الشيطانية التي تطالب بالسماح بممارسة الزنا بين الشباب تحت دعاوي الثقافة الجنسية والحرية الشخصية، أو تحت دعاوي الالتزام بالمواثيق الدولية لحقوق المرأة، فقد جاء هذا الكتاب عارضا المخاطر والآثار المترتبة على الانسياق الأعمى وراء هذه الدعوات المنافية للقيم الإنسانية والإسلامية.