سورية مزرعة الأسد للدكتور عبد الله الدامشة
حاول المؤلف من خلال هذا الكتاب أن ينقل إلى أبناء الجيل صورة عن الفترة السوداء لحكم أسد وحزبه وأبنائه وأسرته، الذي اتخذ من سورية مزرعة، وقد شاهد هو وأمثاله مدى التخريب الذي لحق بها خلال أربعة عقود أو أكثر؟
ففي الفصل الأول (من كتب التاريخ) ابتدأ المؤلف باستعراض تاريخ سورية منذ الحرب العالمية الأولى مروراً بالاستعمار الفرنسي لها ثم العهد الوطني والوحدة مع مصر إلى عهد الانفصال.
وفي الفصل الثاني: النظام الأسدي يحكم سوريا تبدأ من التحرك البعثي الغامض في زمن الوحدة وانقلاب البعثيين على الوحدة وتشكيلهم لمجموعة عسكرية للوثب على الحكم وتمزيق الوحدة التي طالما رفعوا شعارها لينتقل إلى انقلاب الثامن من آذار وانقلاب البعثيين على الوحدويين من ضباط وسياسيين وتسريح الكفاءات العسكرية ثم محاولة جاسم علوان لاسترداد دور الوحدويين وفشل حركته والمذبحة التي أقامها البعثيون جهاراً نهاراً لمن كان شريكاً لهم في الانقلاب.
وينتقل المؤلف في الفصل ذاته إلى بدايات المواجهة بين الإسلاميين وبين الفئة التي تترست بحزب البعث الذي أصبح الحاكم الوحيد للبلاد، فوقف عند حركة مروان حديد في حماة واعتصامه في مسجد السلطان وأحداث الجامع الأموي في دمشق والقسوة التي واجه الحكم بها جموع المحتجين السلميين، ثم استئثارهم بالحكم وظهور فضيحة الجاسوس الإسرائيلي (كوهين) الذي اخترق رجالات الحكم والجيش ونقل المعلومات التي مهدت لنكبة 1967 ثم الاختلاف بين الانقلابيين وإقصاء أمين الحافظ والصراع بين القيادتين القومية والقطرية ووقوع حرب 1967 والموقف المخزي لوزير الدفاع آنذاك (حافظ أسد) وضباط النظام الذين كانت أجسامهم في الجبهة وقلوبهم وعيونهم على الحكم في دمشق ولعل كتاب سقوط الجولان للضابط السوري خليل مصطفى بريز فضح العصابة البعثية بالوثائق والحقائق وقد حشد المؤلف الدهامشة روايات متعددة إضافة إلى كتاب سقوط الجولان، توثيقاً للأحداث وكشفاً للمؤامرة.
وفي الفصل الثالث (ماذا تعرف عن حافظ أسد) استعرض المؤلف حياة هذا الضابط المغامرة وتقلبه في حزب البعث وتحريضه لرفاقه ليصفي بعضهم بعضاً ودوره في انقلاب الثامن من آذار 1963 وانضمامه للطرف الغالب بين المتصارعين ثم تخلصه من منافسه صلاح جديد، واستثماره لأحداث نكبة 1967 ليصل بعدها إلى رئاسة الجمهورية 1970 وعلاقاته المريبة بالدوائر الغربية منذ أن كان ضابطاً في مجموعة تسعى لتسلم الحكم، ويقف المؤلف طويلاً عند دخول حافظ أسد إلى لبنان ودوره المشبوه ضد المقاومة الوطنية والفلسطينية ووقوفه عند الخط الأحمر الذي رسمته أمريكا وإسرائيل، ثم يستعرض الكاتب المواجهة الثانية بين حافظ أسد والإسلاميين ثم الصراع بين الأخوين حافظ ورفعت الذي انتهى بخروج رفعت من البلاد والابتعاد عن المزرعة (سورية) ليستثمر أمواله وجهوده في الخارج ويتوقف المؤلف في الفصل الرابع عند المواجهة بين الإخوان المسلمين ونظام أسد والصراع الدامي وزج النظام بإمكانيات الدولة كلها في التخلص منهم والقضاء عليهم ويستمر الحديث عن هذا الصراع في الفصل الخامس أيضاً.
وأما الفصل السادس فقد خصه المؤلف للحديث عن رفعت أسد (ماذا تعرف عن رفعت أسد) مستعرضاً حياته في أسرته وانتقاله من ضابط صف (عريف) ليصبح ضابطاً عاملاً بعد الثامن من آذار واستهتاره بحياة الناس واستئثاره بالأموال والتهريب، ودوره في ذبح المعارضة الإسلامية (مذبحة تدمر وحماة) ومحاولته للانقلاب على أخيه 1984 ووصوله إلى مرتبة نائب رئيس الجمهورية في المزرعة سورية، ثم إخراجه من البلاد؟!
وكان الفصل السابع أطول فصول الكتاب لأنه يستعرض أهم إنجازات آل الأسد وهي المذابح التي أقاموها للشعب السوري وقد حمل الفصل عنوان (بعض مجازر النظام الأسدي) إذ استقدم الخبراء السوفييت بالعقلية الستالنية، وأنشأ العديد من الأجهزة الإضافية لقمع الشعب السوري إضافة إلى الميليشيات المسلحة وأشباه المرتزقة وركز المؤلف في هذا الفصل على أكبر المذابح (حماة – سجن تدمر – المشارقة – جسر الشغور – قرى وبلدات جبل الزاوية – اللاذقية وريفها موثقة بالوقائع والتواريخ والأرقام، وحق هذه المجازر أن تكون في كتب مستقلة وهذا ما وجدناه في كتاب (حماة مأساة العصر – تدمر المجزرة المستمرة – جرائم النظام السوري في الخارج – تقارير منظمة العفو الدولية).
ويعود المؤلف إلى مجزرة حماة في الفصل الثامن عودة إلى مأساة حماة فيتحدث عن الجو العام قبل المأساة وعن مجرى الأحداث وعن الأساليب التي ابتدعها النظام وخبراء التعذيب الذين استقدمهم وعن بطولات أهل حماة وتضحياتهم.
وفي الفصل التاسع الذي حمل عنوان (التعذيب في سجون أسد) أبرز صوراً للتعذيب مستنداً إلى ما كتبه الذين اكتووا بنار السجون والمعتقلات كما جاء في كتاب في القاع لخالد فاضل وكتاب شاهد ومشهود لمحمد سليم حماد، وتسع سنوات لهبة الدباغ، وأورد فنوناً من التعذيب تفوق بها نظام الأسرة الأسدية على كل ما عرفته البشرية في ليل تخلفها وهمجيتها.
ويختتم الكتاب في الفصل الثامن (بعد محنة 1982م) وكان أبرز ما فيه أن انفرد النظام بمدينة وبفصيل معارض ومن خلال انتفاضات قام بها الشعب السوري في 1965 – 1973 – 1980 – 1982 كانا من الأسباب التي مكنت النظام ووسعت في انتشار مجازره، كما أن الانقسامات والطرفية تزيد في مأساة الشعب السوري ولعله تحذير إلى المعارضة الشعبية في ثورتها الحالية المباركة لأن تتجاوز السلبيات وتتوحد في تحديد الهدف والوسيلة.
صدر الكتاب في طبعته الأولى عن دار النواعير – بيروت 2011 وفي 325 صفحة من القطع الكبير.
وتأتي أهميته في أنه يقدم معاناة الشعب السوري إلى الجيل الجديد من خلال أربعة عقود من القهر والدكتاتورية انصبت على سورية التي جعل منها حافظ أسد مزرعة له ولأسرته.
وسوم: العدد 661