"لماذا ينبهر الغرب بالإسلام؟" للسنوسى محمد السنوسى
يتعرض الإسلام اليوم لحملة شرسة من أعدائه، الذين يلعبون على المكشوف، ويظهرون على الملأ مكرهم بالإسلام والمسلمين فى ظل وضع مرزى تعيشه الأمة الإسلامية وهى مكبلة بمشكلات تحاصرها من كل الجوانب إضف إلى ذلك حكام الدول العربية والإسلامية الذين يتعاونون مع الأعداء جهرةً بعدما كانوا فى الماضى يحافظون على سرية هذا التعاون الذى كان يكتشف بعد حين، وإذا وجد من بينهم حاكم رشيد يعتز بتاريخ أمته ويعمل على نهضة أمته حاربوه بكل السبل وعملوا على إسقاطه ونشر الفوضى والتخريب فى بلاده حتى يظهر بمظهر العاجز الذى لا يقوى على السيطرة على الأمور، وهذه الحرب الأخيرة هى طور من أطوار الصراع بين الإسلام والغرب، الذى لم ينته بعد، وهو صراع اتخذ أشكال من أكثرها الصراع الدموى الذى استخدم فيه الغرب الصليبى كل أشكال الإجرام فى التنكيل بالمسلمين، ومازالوا يفعلون وأهلكوا الملايين من الأنفس البريئة التى ذنبها أن قالت ربنا الله الواحد الأحد وهم يحقدون على الإسلام لأنه دين الفطرة والذى يخرج منتصرا فى كل مراحل الصراع على مدار خمسة عشر قرناً ...
وقد صدر مؤخراً كتاب "لماذا ينبهر الغرب بالإسلام" للمفكر الإسلامى السنوسى محمد السنوسى، عن المكتب المصرى الحديث، بتقديم العالم الجليل الأستاذ الدكتور عبدالستار فتح الله سعيد، أستاذ التفسير وعلوم القرآن فى جامعة الأزهر، والكتاب سياحة إيمانية وعقلية للوقوف على أسباب إسلام أعلام غربيين اختاروا الإسلام دين الفطرة والعقل بعد طول بحث، وهذه هى الفطرة التى وهبها الله لنا محاجة بيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك يتيه فى فلاة ليس لها قرار. إن هؤلاء الذين فتحوا نوافذ عقولهم وقلوبهم على اتساعها للإسلام، قد أدركوا كنهه، وخبروا حقيقته، وعرفوا فيه عوامل الصمود وأسباب الامتياز..
لقد وجدوا في الإسلام ضالتهم التي ظلوا ينشدونها لسنوات، ورأوا فيه طوق نجاة للإنسان المعاصر ينقذه من الدوران في حلقة مفرغة بين الإنتاج والاستهلاك، كما يقول جارودي. وعلموا يقينًا أن الإسلام ليس بديلاً من البدائل بل هو البديل، كما يقول هوفمان.
إن من فضل الله سبحانه على هذه الأمة أن الإسلام ينتشر بقوته الذاتية, وأنه يملك أسباب البقاء والتحدي, دون اعتبار لكثرة الأعداء وقوتهم, ولا لتخاذل المسلمين وضعفهم؛ ومن هنا رأينا كبار مفكري الغرب وفلاسفته ينبهرون بالإسلام، ويلحقون بركب قافلته؛ رغم ما وصلت إليه حضارتهم من اغترار بالتقدم العلمي, وما وصل إليه حال المسلمين من فرقة وتشتت وتخلف حضاري.
بل كان من عجيب قدر الله، أن تكون الحملات الغربية التي تستهدف تشويه صورة الإسلام، دافعًا لكثير من الغربيين ليعيدوا اختبار الصورة التي شُكِّلت في وعيهم عن الإسلام لعقود؛ ومن ثم، يُفاجَؤون بزيف تلك الصورة وخدعتها.. مثلما رأينا المنتصرين من قبل, من التتار وغيرهم, يدخلون في الإسلامِ- دينِ المنهزمين- في ظاهرةٍ تفرَّد بها تاريخُ المسلمين من دون الناس جميعًا.
ولذا، فإن استعراض حياة المفكرين الغربيين الذين أسلموا، والوقوف على الأسباب المتعددة التي جذبتهم للإسلام؛ يبين لنا بجلاء أنه دين قادر على مخاطبة أرقى العقول البشرية, وأنه يقوم في عقائده وتوجيهاته وآدابه على الإقناع والحجة والبرهان؛ فهو لا يقول لأتباعه: "اعتقد وأنت أعمى"، بل يرفع شعارًا لم يُسبَق إليه: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} (الأنبياء: 24).
كما أن دراسة أسباب إسلامهم تبين لنا أهمية إبراز جوانب الإسلام المتعددة في الدعوة إليه؛ لأنّ من خلال بيان تلك الجوانب- بيانًا شافيًا واضحًا قائمًا على الدليل والبرهان- يتضح لغير المسلمين أنه منهج يخاطب العقل والقلب, ويملأ الفكر والشعور, ويقدم للناس ما ينفعهم في دنياهم وأخراهم.
ولما طالع الباحث السنوسى الكتب والدراسات التي تناولت حياة الغربيين الذين أسلموا- سواء تلك التي كتبوها هم بأنفسهم، أم كُتبت عنهم- وجد أنها تناولت رحلتهم مع الإسلام من خلال الأشخاص لا الأفكار؛ بحيث تُفرِد لكل واحد منهم ترجمة كاملة؛ من مولده، ونشأته، ونشاطه الاجتماعي والفكري، إلى دخوله في رحاب الإسلام.
وهي طريقة في التأليف- على شيوعها- قد لا تكشف بالقدر الكافي عن عمق الأسباب التي دعت هؤلاء للإسلام، ولا تعطي صورة مفصلة عنها؛ لأنها دراسات تتوزع على الأشخاص لا الموضوعات. لذا هرع إلى أفكارهم وجعلها هى التى تتحدث وتسرد وتبين لنا مراحل الهداية والتحول ولذا فكر في تناول أسباب إسلام المفكرين الغربيين من خلال الدوران حول الموضوع والفكرة؛ بحيث أعرض جوانب الإسلام- من العقائد، والعبادات، والأخلاق، والتشريع، والإعجاز العلمي- وأنظر في كل جانب منها لأستوضح كيف كان هذا الجانب دافعًا لاجتذاب وافدين جدد إلى ساحة الإسلام، وكيف كانت إشعاعاته سببًا في إنارة بصيرة أناس ضلوا الطريق، وشقوا في متاهات الأفكار والفلسفات ردحًا من الزمن.
وقدم الباحث كتابه بتمهيد تناول فيه موضوعات تاريخ العلاقة بين الإسلام والغرب، وموقف الإسلام من الغرب، حاجة الغرب إلى الإسلام وبين فى هذا التمهيد أن العلاقة بين الإسلام والغرب مرت بمراحل عديدة، تخللتها حروب كانت سجالاً بينهما، كما شهدت- أي تلك العلاقة- حوارًا وتفاعلاً، وأخذًا وعطاءً، في مجالات الحياة المختلفة وأن هذا الصراع قديم منذ ظهور الإسلام، ونقل عن أحد أساطين الصليبية العالمية القائد البريطانى جلوب باشا (1897-1986م) الذى قال : "إن تاريخ مشكلة الشرق الأوسط، إنما تعود إلى القرن السابع للميلاد". أي إلى ظهور الإسلام!!
وقد جاء الكتب بعد هذا التمهيد التاريخى فى بابين، تناول الباحث في الباب الأول: "جوانب الإسلام.. هُدى ونور" الجوانب المتعددة التي كانت وراء إسلام المفكرين الغربيين، وبيّنت خصائصها، وأبرز الأمثلة التي تتصل منها بموضوعنا منها خصائص العقيدة الإسلامية ونماذج من العقائد الإسلامية التى كانت السبب فى إسلام كثير من المفكرين والعلماء، الذين لهم القدرة العقلية على فهم الحضارات، وعوامل نهوضها وسقوطها، واستقراء حقائق التاريخ، واكتشاف نواميس الكون والحياة؛ "فالإسلام بما يمتلك من حقائق خالدة، مجردة عن حدود الزمان والمكان، لا يزال قادرًا على مخاطبة أرقى العقول البشرية"، فهؤلاء الذين أسلموا "فيهم أساتذة جامعات، وفقهاء في القانون، ورجال سياسية، وكُتاب صحافة، وعلماء دين، وغير ذلك؛ ومعنى هذا أنهم لم يؤمنوا إيمان العجائز، ولم يتابعوا متابعة العاجزين، ولم يندفعوا اندفاع الجاهلين، ولم يقعوا فريسة للتغرير والتضليل أو الإكراه، ولم تكن هناك عوامل غير طبيعة الإسلام، كالوقوع- مثلاً- في حبائل الغرام أو الطمع والنافع المادية"، وتحدث المؤلف عن مموضوعات أخرى لفتت نظر هؤلاء منها الإيمان بالرسل السابقين، والإيمان بالقضاء والقدر، والإيمان بعصمة القرآن الكريم من التحريف مقارنة بالكتاب المقدس الذى يعانى من التناقض بين أسفاره وعهديه القديم والجديد، وقد فطن هؤلاء إلى ذلك ومنهم العالم الكبير د. موريس بوكاي فى كتابه "التوراة والإنجيل والقرآن والعلم"، ومن الموضوعات التى جذبتهم إلى الإسلام العبادات وخصائها وفائدتها الروحية والصحية، والأركان وأثرها فى إسلامهم والأخلاق الإسلامية الرفيعة مصداقا لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم الذى قال: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، وكذلك التشريع وخصائه وتفرده ومن الأمور الأخرى والتى تحدث عنها الباحث احترام المرأة والترابط الأسري والأخوة بين المسلمين ومحافظة التشريع على تماسك المجتمع ..كذلك فصل القول عن الإعجاز العلمى وتعريفه وتناولت الشبهات بين مؤيديه ومعارضيه وهى الشبهة الأولى: القرآن كتاب هداية لا علوم طبيعية، والشبهة الثانية: القرآن ثابت ومعطيات العلوم متغيرة ودلل بنماذج من الإعجاز العلمي في القرآن والسنة
وأما في الباب الثاني: "كيف نتعامل مع المسلمين الجدد؟" فبيّن كيفية التعامل مع من أكرمه الله باجتياز العقبات إلى النور، وأوضحت ضرورة توظيف تلك الطاقات وكيفية الاستفادة منها، خاصة في الحوار بين الحضارات، وفي نقد الحضارة الغربية.. إضافة إلى ما يجب علينا من النصح لهم وتصحيح أخطائهم برفق. والاستفادة من جهودهم في الحوار بين الحضارات ودلل بموقف روجيه جارودي.. وتجاوز الوَهْم الغربي، و مراد هوفمان.. الحوار ضرورة أخلاقية..وبين السنوسى كيفية الاستفادة من جهودهم في نقد الحضارة الغربية ويجب أن نصحح لهم الأخطاء برفق دون تشنيع أو تقريع ومثال روجيه جارودى عندما دعا إلى الإبراهيمية ..
وبعد إن هذا الكتاب لهو إضافة إلى المكتبة العربية فى موضوع رئيس من موضوعات الساعة ونختم بما قاله مقدم الكتاب الدكتور عبدالستار فتح الله سعيد عندما قال عن الكتاب " هذا كتاب جليل القدر، من حيث موضوعه عن دين الله في كل العصور، ومن حيث معالجة المؤلف الفاضل لبيان كثير من أسباب إعجازه وامتيازه، التي ينبهر بها كل مُنصِف عاقل في أرض الله عز وجل، خاصةً من الغربيين أصحاب الحضارة المعاصرة التي تشكل فتنة تغشى العقول والأسماع والأبصار"..
وسوم: العدد 686