الحضارة عند مالك بن نبي
معمر حبار
الحلقة الأولى
مقدمة القارىء لمالك بن نبي.. كتاب.. "في الحضارة وفي الإيديولوجيا، نصوص غير معروفة".. لمالك بن نبي.. ترجمة وتقديم وتعليق الأستاذ محمّد بغدادي، عالم الأفكار، المحدمدية، الجزائر 2014، من 136 صفحة.
ضم الكتاب، محاضرتين ورسالتين، وفي هذه الحلقة سيتم التطرق للمحاضرة الأولى بعنوان "في الحضارة"، الممتدة من صفحة 23 إلى صفحة 63.
صاحب الأسطر ، يتطرق لبعض ماميز بن نبي في هذه المحاضرة، وستطرق لمضمون محاضرة مالك بن نبي مع النقد في الحلقة القادمة، بإذنه تعالى.
على هامش المحاضرة.. أهمية المحاضرة، تكمن في كونها المحاضرة الأولى التي ألقاها بن نبي سنة 1969، وتعتبر النواة الأساسية لملتقى الفكر الإسلامي، الذي جسّده بن نبي بهذه المحاضرة الأولى، مايدل على أنه رجل يربط القول بالفعل، وملتقى الفكر الإسلامي، يعتبر تجسيدا لأفكار بن نبي.
المحاضرة بسيطة، وبعيدة كل البعد عن المصطلحات الصعبة المعقدة. فبن نبي لايعنيه المصطلح، بقدر مايعنيه تجسيد المصطلح، وتقريبه للأفهام، ليسهل فيما بعد تطبيقه.
الاتحاد الأوربي.. يبدي بن نبي إعجابه الشديد ، بالسوق الأوربية المشتركة، ويتخذها مثالا حسنا في الوحدة والتكامل. كيف ببن نبي لو عاش إلى اليوم، ورأى التطور الكبير الذي يعيشه الاتحاد الأوربي، وعلى جميع الأصعدة، حتى أصبح قوة إقتصادية وإجتماعية وسياسية وعسكرية.
إعادة النظر في أمثلة بن نبي.. الأمثلة التي إعتمد عليها بن نبي في ذكر الدول الكبرى المتقدمة، والدول العربية الغنية، تأخذ في زمان إلقاء المحاضرة سنة 1969، لأن هناك دولا كبرى جديدة ظهرت، ودول غنية برزت.
لماذا تناسى إفريقيا؟.. بن نبي لايتطرق للقارة الإفريقية من حيث سبل التقدم، وتراه يركز كثيرا على قارة آسيا، بل يتحدث عنها بالتفصيل، وعن تجاربها وقادتها ومفكريها، ربما لأن إفريقيا يومها كانت لاتزال تحت الاستدمار والتخلف والتبعية.
ماجعله يتطرق لأسيا بالتفصيل، ويتجاهل أو يتناسى قارة إفريقيا، وهذه من الملاحظات التي يجب أن تسجل، وتعلن.
ويبقى السؤال، هل إتجاه بن نبي، نحو آسيا وإهتمامه بها، وإهماله لإفريقيا كان عن وعي، أم جهل، أم تغاضي، أم نسيان؟.
دول بن نبي.. يرى بن نبي في صفحة 35، أنه "لاتوجد دولة في العالم بإمكانها حل مشاكلها داخل حدودها الجغرافية الضيقة، باستثناء ربما الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي والصيان، ويمكن أن نضيف إلى هذه الدول الثلاث ، دولة الهند".
هذا رأي بن نبي سنة 1969، وهو معذور في ذلك، لكن في عصرنا لايمكن لأي دولة، مهما بلغت من القوة والرفاهية، أن تعالج حدودها بمفرها، وتستغني عن غيرها.
الصناعات المصنعة.. يبدو أن بن نبي في صفحة 40، يهاجم سياسة الصناعات المصنعة، التي إنتهجتها الجزائر، حين يقرر" إنه حينما نعتقد أن الحل يكمن مثلا في إقامة تصنيع، فإننا في الحقيقة نتفوّه بكلمة فقط ولكنا لانلمس واقعا، لأن هذه الكلمة تذوب عندما تواجه العرب".
ترقبوا الحلقة الثانية، التي سيطرق فيها صاحب الأسطر إلى مضمون المحاضرة، بإذنه تعالى.
إذا كان بن نبي يقول في صفحة 49 "لم يعد هناك وقت للعبث"، وهو في سنة 1969، رغم التخلف الفضيع يومها على جميع الأصعدة، ماذا نقول الآن، ونحن على أبواب القرن الخامس عشر هجري و21 ميلادي.
حضارة بن نبي.. بن نبي، حين يعرف الحضارة، يقول في كل مرة ، هذا رأي، ليميزه عن غيره، وليصر على تعريفه الخاص بالحضارة، لأنه يرى أنه متفرد مميز في التعريف. ولم يذكر تعاريف أخر، وإكتفى بتعريفه وأصر عليه إصرارا، بل رفض تعريف اللغوي والمؤرخ. ويبدو أن جو المحاضرة، جعله ينفعل ويتجاهل غيره.
الأرقام الحضارية لبن نبي.. بن نبي حين يقدم أرقاما عن التقدم والتخلف، فإنه يقرأها من الناحية الحضارية، ولايقف على جمود الرقم، بل يستنطقه، ويقارن الدولة المتخلفة التي تملك رقما مرتفا في مستوى الدخل الوطني، بالدولة المتقدمة المتحضرة، التي تقل عنها بكثير فيما يخص مستوى الدخل الوطني، فتكون بالتالي الدراسة والتحليلة، دراسة حضارية يبنى عليها عمل فاعل دائم.
بن نبي يحلل ماركس.. بن نبي، وفي سنة 1969، يتحدث عن ماركس، ويقول بأعلى صوته في صفحة60، ماركس وشأنه ومصطلحاته، بينما "الذي يهمني ليس مصطلحات وإنما الواقع الاجتماعي الذي تعكسه هذه المصطلحات".
وهذا ما إمتاز به بن نبي، خاصة في تلك الفترة العصيبة من الناحية السياسية، حيث كان ماركس مصدر إلهام، ولا يجرؤ أحد أن يقترب منه، ناهيك عن إنتقاده، وتجاهله، كما فعل بن نبي.
الحلقة الثانية
مقدمة القارئ لمالك بن نبي.. يتعمد صاحب الأسطر، أن لايتطرق إلى الأمثلة التي أشار إليها مالك بن نبي، سواء من ناحية الإعجاب، أو الذم أو المقارنة، ويمكن للقارئ أن يعود إليها عبر صفحات الكتاب، فوجب التركيز على قواعد وأسس دائمة فاعلة، تتعدى الزمان والمكان، ذكرها بن نبي، وكان يهدف إليها، وهناك أمثلة ذكرها بن نبي، لم تعد صالحة، فالفقير الذي تحدث عنه، أمسى غنيا، والقوي الذي تطرق إليه، أصبح بحاجة لمن يعينه.
أولا: الحضارة حسب بن نبي.. ويرى في صفحة 50، أن "الحضارة هي مجموعة الشّروط المادّية والمعنوية التي تتيح لمجتمع ما أن يكفل جميع الضّمانات الاجتماعية لكل فرد يعيش فيه".
ويرى في صفحة 53، أن الحضارة تساوي ، إرادة عمل، زائد إمكان عمل.
وفي صفحة 54، يرى أن الحضارة تعني إرادة، زائد توفر الإمكانات. ويرى أن تخلفنا راجع لكون مجتمعاتنا تفتقر لعنصري الإرادة والإمكان.
ويركز على عنصر الإرادة، ويقول "الإرادة جوهر قيام الحضارة، أما القدرة أو الإمكان، فإنه كنتيجة لهذه الإرادة القوية، ولا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يتقدمها".
واضح جدا أن بن نبي يركز على مفهوم الحضارة من ناحية الإرادة باعتبارها الأعم والأهم، لكنه يرى أن التركيز على الحضارة من ناحية الإمكان، يجعلها ضيقة في المكان، وهذا من الأخطاء التي يجب الابتعاد عنها، لذلك تراه يركز على الإرادة ويجعلها جوهر الحضارة، ويجعل في نفس الوقت، الإمكان نتيجة للإرادة.
العامل الإنساني الاجتماعي.. يرى في صفحة 43، أن "العامل الإنساني، بما أوتي هذا الإنسان من إرادة ووضوح في الرؤية أوغيابهما، هو المحدد بالدرجة الأولى أو لفشل مشروع أو مخطط".
يرى في صفحة 44، أن المسألة الخاصة بالتخلف بين الدول المتقدمة والدول المتخلفة "ليست قضية إقتصادية بالأساس، بل قضية إجتماعية ، تاريخية".
المستوى الحضاري.. وحين يقارن بين الدول المتقدمة والدول المتخلفة، في صفحة 46، يرى أن الفرق بينهما، لايكمن في الجانب الاقتصادي، فـ "المشكل الأساسي يكمن في وجود مستويين من الحضارة".
ويرى في صفحة 46، أن المستوى الحضاري هو الذي يفرق بين الدول والقارات، وليس الجانب الاقتصادي.
ثانيا.. الحلول الحضارية كما يراها بن نبي.. ينطلق بن نبي من أن الحضارة شاملة، وهذا بحد ذاته حل للمأزق الحضاري، فلا عجب إذا وضع لها حلولا شاملة، منها..
الحل الشامل.. يرى في صفحة 36 - 40 السياسة لاتحل كل شيء، والاقتصاد وحده لايحل كل شيء، لابد من "حل شامل لمشاكلنا وقضايانا، حل يستبعد تجزئة القضايا ودراستها منفصلة عن بعضها البعض".
ويرى أن الحلول لوضعيتنا تكمن في الخطوات التالية: حل شامل لمشاكلنا. عدم تجزئتها. فهم المشكلة في الأساس. مقارنتها بالدول الأخرىمن خلال الأرقام والإحصاءات. تحديد المعنى المقصود بالبلاد المتخلفة. النتائج المستخلصة.
ويرى في صفحة 53، أن الظروف التي نعيشها لابد لها من ضمانات إجتماعية، ترافق الإنسان منذ أن كان في بطن أمه إلى الموت.
ويرى في صفحة 53، أن الظروف التي نعيشها لابد لها من ضمانات إجتماعية، ترافق الإنسان منذ أن كان في بطن أمه إلى الموت.
الهدف الحضاري.. يرى في صفحة 44، أن السلبية لدى المجتمعات المتخلفة، ليست قدر سماوي.
وفي صفحة 46، يرى أنه لكي لانخدع أنفسنا "فأول خطوة في الحل هي تفهم الوضع والإقرار به كما هو".
ويرى في صفحة 48، أن الأمة تعيش حالة لاحضارة، وهي "حالة مرضية على مستوى المجتمعات".
وفي صفحة 49، يقول " يجب أن يكون هدفنا، حضاريا ضروريا"، و"أن نحدد مانقصده بمفردة حضارة عند تلفظها".
الإكتفاء الذاتي.. يرى في صفحة 55، أن الحل في الاكتفاء الذاتي الذي يعتمد على إرادة التآزر، وهو وجه من أوجه الحضارة. ويرى أن الإكتفاء الذاتي يكون ضمن التكامل البشري والجغرافي، ومن الحماقة حصره داخل مجال أو نطاق.
ويرى في صفحة 57، أن أوربا لم تتقدم بالإنكماش على الوطن الضيق، وهي تحافظ على ما أنجزته.
ويرى في صفحة 56، "أنه من البلاهة بمكان تصور تحقيق برنامج للإكتفاء الذاتي داخل الحدود السياسية للوطن الواحد".
تنبيه للقارئ.. ترقبوا في الحلقة القادمة عرضا حول المحاضرة الثانية التي ألقاها مالك بن نبي، وسنفرد لها حلقتين، بإذنه تعالى، كما تم ذلك مع هذه المحاضرة