الكتاب المآذن العالية .. رجال من ذهب
المؤلف : أ . د . حلمي محمد القاعود
الناشر : دار المقاصد للنشر والتوزيع
تاريخ النشر: يناير 2017
تقدم صفحات هذا الكتاب مجموعة من الرجال الذين يعتزّ بهم الإسلام في العصر الحديث وفي كل عصر ، لأنهم بعثوا الإسلام من جديد ، وجلوا مفاهيمه وقيمه ، وحركوا الأمة نحو تحقيق مقاصده وغاياته ، وتحملوا في سبيل ذلك مشقات ومكابدات يحتسبونها عند خالقهم جل وعلا .
لقد اهتمت الأجهزة الثقافية في البلاد العربية بتقديم نماذج من الناس ؛ لم يكن الإسلام في حسبانهم ، ولا مقاصده في وجدانهم ، ولا غاياته في تقديراتهم ، بل كان بعضهم حربا عوانا على الإسلام والمسلمين جميعا ، تنفيذا لمخططات شيطانية ، تستهدف ديننا الحنيف وأهله ، ومن وراء ذلك الثروات والأسواق والأرض وما عليها .
وأظن أنه من الضروري أن نقدم المآذن العالية أو الرجال الذهبيين للأجيال الجديدة ، ليعلموا أن آباءهم يملكون قدرات من الوعي والعلم والجهاد تقودهم إلى الطريق السويّ : نهوضا وتقدما وإعزازا للدين الحنيف .
ولعل الله يعين على متابعة هذه الصفحات لتقديم مجموعات أخرى من أعلام النهضة الحديثة والمعاصرة ، وإضاءة جوانب مهمة في مجال الجهاد العلمي والمعرفي والإنساني الذي قاموا به ..
ويشاهد القارئ في المآذن العالية مجموعة فذة من الرجال في العصر الحديث : مصطفى صادق الرافعي ، محمد رشيد رضا ، عبد العزيز جاويش ، على الغاياتي ، محمد فريد وجدي ، خالد محمد خالد ، يوسف القرضاوي، الطاهر أحمد مكي ..
الرافعي إمام البيان العربي في العصر الحديث، تميز بقدرة بلاغية عالية على الصياغة والتعبير ، وفقا لأسلوب متميز يجعله في ذروة الأساليب الحديثة التي تقوم بهندسة الصياغة وتقطير العبارة ، واستخدام اللفظ المشبع بروح القرآن الكريم والحديث الشريف والتراث العربي العظيم ، في إطار تصوير حي ومتفرد يجعل من يطالعه – دون أن يُذكر اسمه - يتأكد أن هذا أسلوب الرافعي ..
إلى جانب هذا التميز البياني فإن الرافعي كان مدفعية ثقيلة دكت حصون خصوم الإسلام وأعدائه ، بتقديم قيم الإسلام المضيئة والدفاع عنها ضد الهجمة التغريبية الشرسة .
محمد رشيد رضا من أولي العزم من الرجال ، قام بدور مهم في مطالع القرن العشرين ، وأثر في الأمة شرقا وغربا بمواقفه وكتاباته وإصداراته ، ويمكن القول إنه واحد من القلائل الذين أسهموا في بعث الأمة وهيأوا لها سبل العمل من أجل الاستقلال والبناء ، وضحي بماله وجهده ووقته من أجل الخدمة العامة التي يقررها الإسلام في مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فأعطي خلاصة علمه وكل عمله لخدمة هذا المفهوم ، وهو ما جعل كبار الكتاب والمفكرين في زمانه وبعد زمانه يكتبون عنه ، ويتناولون جوانب حياته المختلفة بالدراسة والبحث والتقدير والإشادة .
الشيخ عبد العزيز جاويش نموذج فريد من نماذج الوطنية والدعوة إلى الإسلام ، أدى دوره في زمنه بهمة واقتدار ، ورفض أن يهادن أعداء الدين والحرية ، أو يقبل بالاستبداد أو الاحتلال .
ظهر الشيخ عبد العزيز جاويش عضوا بارزا في سياق المقاومة والجهاد ضد الاستعمار والاستبداد ، عبر الكلمة المخلصة القوية ، فإذا تحدثت عن أدب ذلك العصر وجدته في مقدمة أدبائه، وإذا تحدثت عن العلم والعلماء رأيته في الذروة ، وإذا تحدثت عن المضطهدين في أوطانهم كان أوضح عنوان لهذا الاضطهاد.
على الغاياتي شاعر الإسلام والوطنية واحد من الشعراء العظام ، عبر عن رؤيته بمنتهى القوة والجرأة ، ودفع ثمن ذلك تعرضا للمحاكمة ، والحكم عليه بالسجن ، والهروب من البلاد ، والغربة عن الوطن سنوات طوالا ، وارتبط اسمه في هذا الجهاد باثنين من أكبر رواد الإصلاح في مصر وهما الزعيم محمد فريد والشيخ عبد العزيز جاويش ، وكأن إرادة الله سبحانه أن يتغرب عن مصر الغالية ليذهب إلى بلاد أخري ؛ يتعلم لغتها ويؤسس فيها صحيفة تعرّف بالإسلام وتنشر أخبار الشرق إلى أهل الغرب والمقيمين فيه من أهل الإسلام ،ويخدم قضايا مصر والبلاد الإسلامية .
محمد فريد وجدي : فريد عصره غير مدافع! تفرغ الرجل في كثير من كتاباته للرد علي الماديين والملحدين ونسف ادعاءاتهم بالحكمة والأسلوب العف ، والحوار الهادئ .
لقد وهب الرجل حياته للدفاع عن الإسلام انطلاقا من إيمانه أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان ، وقد أهله لذلك تربيته ونشأته وتكوينه العلمي والثقافي .
خالد محمد خالد : مفكر مسلم شجاع تجلت شجاعته في تراجعه عن بعض أفكاره التي أثارت الرأي العام في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي ، واعترافه أن ما قاله كان نتيجة لظروف ما ..
الشيخ القرضاوي .. حجة في الفتوى ، وموجه للحركة الإسلامية ، وصاحب رأي فيما يجري من أحداث عامة تخص الإسلام والمسلمين ، مع عدم ارتباطه بنظام سياسي أو سلطة حكومية .
خاطب الجمهور بمستوياته المتعددة ، وصار المرجعية شبه الوحيدة المعاصرة للمسلمين ؛ خاصة بعد رحيل عدد من العلماء المرموقين أمثال الشيخ سيد سابق والشيخ الغزالي ، والشيخ الشعراوي والشيخ عطية صقر وأمثالهم ..
الطاهر مكي الرجل الذي تكلم في الشأن العام بجرأة غير معهودة في عصر كان شعاره " الحيطة لها ودان !" . كان يتكلم عن الحرية وحق المواطن في التعبير عن رأيه .
لم يكن مثل الآخرين الذين ينكفئون على موادهم وكتبهم العلمية لا يخرجون عنها ولو بكلمة ، ويحترسون في كل لفظ يفوهون به ، أو يضعون بينهم وبين طلابهم متاريس من الفوقية والجهامة كي لا يقترب منهم أحد .
المآذن العالية تنادي على الأمة : حي على الصلاة .. حي على الفلاح .. حي على انتزاع الحرية والكرامة والاستقلال وبناء المستقبل .
وسوم: العدد 702