أسواق الجزائر في العهد العثماني
أولا: حول الكتاب والمحقق.. كتاب "قانون أسواق مدينة الجزائر 1107-1705"، لمتولي السّوق عبد الله محمّد الشويهد، تحقيق وتقديم وتعليق الأستاذ ناصر الدّين سعيدوني، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى 1427هـ -2006، من 250 صفحة.
الكتاب عبارة عن وثيقة تركية بقلم تركي كتب عن تلك الأحداث في تلك الفترة، ورسم صورة عن الجزائر من خلال الضرائب التي أضرت بالجزائريين و الأسواق.
ويبدو غلاف الكتاب أنه ردىء في النظرة الأولى، لكن جودة أوراقه فاقت في جودتها وجمالها أوراق المجلدات التي تباع بأثمان باهظة جدا والتي تعتبر أقل بكثير من هذا الكتاب الذي بين أيدينا.
بذل الأستاذ ناصر الدّين سعيدوني مجهودا خارقا في تقديم الوثيقة التاريخية التركية على أحسن وجه وأفضل بكثير من الوثيقة بحد ذاتها. فقد نقل في الأعلى النص حرفيا كما نقله التركي بعامية يصعب فهمها خاصة بعد أن طال عليها الأمد، وفي الوسط أعاد النص إلى لغته العربية الفصحى التي يفهمها الجميع، وفي الأسفل وضع هوامش لبعض الكلمات التركية التي يصعب فهمها الان، فشرحها أحسن شرح، وشرح الأعلام والأماكن والتواريخ، فكان الهامش بحق قاموسا يرجع إليه القارىء والطالب والمهتم. فتحية تقدير للأستاذ على الجهد المبذول والصرامة في العمل، والدقة في المعلومات، وإثراء الكتاب للأجيال الحالية والقادمة وتسهيله للقراءة والنقد والمتابعة. ولفهم ما جاء في الكتاب لابد من قراءة مقدمة الأستاذ سعيدوني فإن فيها شرحا مستفيضا وافيا يعين القارىء وينير له ما صعب عليه. و يعترف المحقق وفي عدة مرات أنه عاجز عن معرفة معنى الإسم الفلاني أو المهنة الفلانية ويصرح كما جاء في صفحة 121: "لم نعثر على تعريف لها والراجح أنها ..."، وهذا من الأمانة والصدق الذي يسجل له.
ثانيا: محتوى الكتاب.. جاء في صفحة 46 أن مادة الأفيون كانت تستورد ويقبل عليها الحشاشون وأغلبهم من البحارة.
ويتضح من خلال صفحة 61 سر سيطرة الخبازين من ولاية جيجل على مهنة صنع الخبز والحلويات عبر كامل التراب الوطني إلى يومنا هذا، والسبب في ذلك يعود لسنوات 1700 كما واضح في الكتاب أو ربما ما قبلها.
ومن الضرائب التي ذكرت في صفحة 63 و65، تلك المفروضة على بائع الفخار "إذا كان منتعلا فيخضع للضريبة" و "يدفع الساكن في الطابق العلوي ضعف ما يدفعه الساكن في الطابق الأرضي".
وأعجبني كثيرا ما جاء في صفحة 92 ، حيث أنه من أراد أن يشتري الحمام فهو مطالب بعدم طرد العمال كالطيابين حتى لا يتعطل العمل بالحمام ويحافظ على سمعته.
وجاء في هامش صفحة 93، أن فرنسا المحتلة هدّت أجمل مسجد في الجزائر سنة 1830 وأتموا عملية الهدم سنة 1830، وأشعلوا النار في دعائم المنارة الخشبية وإزالة حجارتها بالمعاول لتختفي إحدى المعالم العمرانية للجزائر، وهو جامع السيّدة الذي بني سنة 1561.
ويتضح من خلال صفحة 99 وحسب ما جاء في الهامش، أن الأتراك هم الذين أدخلوا الدخان إلى الجزائر وقلّدهم الجزائريون في شرب الدخان.
ومما يفرح أنه جاء في صفحة 103، أن من "يلتحق بمحل ما لتعلم المهنة عن صاحبها لا يغادر المحل إلا وقد أتقن الحرفة".
وجاء في هامش صفحة 104، أن جامع الرابطة الذي بني سنة 1624 تم هدمه من طرف الاستدمار الفرنسي سنة 1832.
ومن مظاهر التمييز التي شرحها المحقق في هامش صفحة 105، أن الأتراك كان لهم سجن خاص بهم.
وتحدث في صفحة 115 عن سطوة المال لشراء المنصب والنفوذ، وكان معمولا به عبر كافة المستويات والشرائح.
و جاء في هامش صفحة 130، أن المومسات أو النساء العموميات كن يقمن في منازل خاصة بهن ويتردد عليهن الجند الإنكشاري الذي كان يعيش في حالة عزوبة طيلة الخدمة العسكرية، حيث تجاوز عددهن عند الاحتلال الفرنسي سنة 1830 بثلاثة آلاف مومس. ويمكن للقارئ أن يرجع للصفحة ويقف على فضائع أخرى.
وجاء في هامش صفحة 131، أن الاستدمار الفرنسي هدم العديد من أسواق الجزائر بعد سنة الاحتلال 1830 ومنها حريق 1844.
وجاء في صفحتي 144- 145، إستيلاء الفرنسيين على ميناء جيجل سنة 1655 و 1664. وتعرض مدينة الجزائر لقنبلة الأسطول الفرنسي لثلاث مرات وعبر سنوات 1682 و 1683 و 1686.
جاء في صفحة 149 "وصول أعداد من المهاجرين الأندلسين سنوات 1584 و 1609.
ثالثا: تقرير الإستدمار الفرنسي.. جاء في التقارير الفرنسية الممتدة عبر صفحات 161 -182، أن الجزائر كانت مركزا للقرصنة ولم تعرف التجارة أو الصناعة قبل الاحتلال الفرنسي للجزائر والذي يسميه التقرير بالنظام الفرنسي، وكانت تبدو أزقة الجزائر للمحتل الفرنسي غامضة وغير آمنة.
وجاء في صفحة 162، أن الفرنسيين لم يقيموا أدنى اعتبار لخصوصيات المدينة الشرقية وأخضعوها للقواعد العمرانية التي ألفوها من أوربا.
وكانت المرأة الجزائرية كما جاء في صفحة 165 من التقرير المحتل الفرنسي لم يكن باستطاعتها شراء الحلي الذهبية بسبب المفروض، وكانت تكتفي بشراء الحلي المصنوعة من قرون الثيران ولذلك كانت هذه الصناعة رائجة.
وتحدث في صفحة 166 عن اليهود فقال لم يكن لليهود شارع خاص بهم كما هي العادة في المدن الإسلامية الأخرى وقد كان المسلمون واليهود يعيشون في الجزائر جنبا إلى جنب.
وقال في صفحة 168، أن الانكشاريين اشتهروا بظلم الجزائريين لذلك تعرضوا للانتقام إبان الاحتلال الفرنسي للجزائر من طرف الجزائريين.
وذكر في صفحة 169-176 أن صناعة مدينة الجزائر لم تكن تلقى رواجا بالخارج عكس صناعة تلمسان التي كانت تلقى رواجا بالخارج. ويرى أن الأتراك لم يمارسوا التجارة إنما تركوها لليهود الذين احتكروا وسيطروا عن طريق إستغلال أسماء أوربية لكي يدفعوا أقل الضرائب ويتحصلوا على أقصى ربح. ويعطي التقرير الفرنسي مثالا عن ذلك فيقول.. في سنة 1826 وأثناء الحكم التركي لم يدخل ميناء الجزائر أكثر من 12 سفينة تجارية من كل الجنسيات، بينما وبعد 11 شهر من الاحتلال الفرنسي للجزائر دخلت 295 سفينة لميناء الجزائر لنقل حاجات الجيش الفرنسي المحتل للجزائر. وقال أيضا: "نلاحظ أن الخمور تعتبر من أهم الواردات في انتظار أن يبدأ استهلاكها من طرف العرب". ودعا التقرير إلى الإسراع في احتلال قسنطينة وأراضي جزائرية أخرى قبل أن تستحوذ عليها بريطانية. ويقول التقرير أن الفلاح الجزائري كان يستعمل 700 زوج بقر لحرث أرضه وبعد الضرائب التي فرضها عليه الأتراك أصبح يستعمل 60 زوجا، ودائما حسب التقرير الفرنسي.
ويرى التقرير في صفحات 177 -179 أن عروج كان قرصانا ونقل القرصنة إلى إخوانه الأتراك، مع التنبيه أن هذا هو رأي فرنسا في عروج. و يتأسف الفرنسي لكون العلاقات التي أبرمها مع فرنسا كانت لصالحه ولم تكن لفرنسا. وذكّر بالقصف الهولندي والإنجليزي للجزائر سنوات 1655، و1669، و1670، وكذا القصف الفرنسي للجزائر سنوات 1682، و1683، 1687. وتحدث قبيل الاحتلال الفرنسي للجزائر عن تدهور الصناعة الجزائرية بشكل كبير.
ويرى التقرير عبر صفحتي 181-182، أن أسواق مدينة الجزائر كانت ضعيفة ولا تقارن بأسواق الشام وبغداد، بل لا يمكن مقارنتها بأسواق زمير وقسنطينة. وكان الثراء بالجزائر بمثابة الحكم بالإعدام. وكان الأوربي يأخذ معه الصناعات التقليدية لبلده وهو قادم من زيارة الجزائر، ومنها أشياء من خيوط الصبار.
وسوم: العدد 711