اليهود والسينما في مصر والعالم العربي
بدر محمد بدر
يتناول هذا الكتاب تاريخ ودور اليهود في صناعة السينما في مصر وعدد من الدول العربية، منذ ظهور هذا الفن أوائل القرن الماضي وحتى الآن، وهو دراسة علمية رصينة، صدرت مؤخرا ضمن سلسة "آفاق السينما"، عن هيئة قصور الثقافة بالقاهرة.
ومؤلف الكتاب هو المخرج والناقد السينمائي أحمد رأفت بهجت، الذي قدم للمكتبة السينمائية أكثر من عشرة كتب ومئات المقالات واللقاءات التليفزيونية، وقد نجح في رصد دور الجالية اليهودية في هذا المجال، عبر خمسة عشر فصلا و500 صفحة.
سيطرة كاملة
ويؤكد المؤلف أن اليهود، رغم قلة عددهم إلى مجموع السكان، استطاعوا السيطرة على البنية الأساسية لصناعة السينما في مصر منذ بدايتها، سواء من خلال بناء وتملك وإدارة دور العرض، أو باحتكار توكيلات استيراد المعدات السينمائية، أو السيطرة على استيراد وتوزيع الأفلام الأجنبية، أو بتملك شركات الدعاية والإعلان الخاصة بهذا الفن.
وكيف حافظوا على هذه السيطرة في جميع أنحاء مصر حتى نهاية الخمسينيات من القرن العشرين، حتى لجأ الكثير منهم إلى تصفية ممتلكاتهم والهجرة خارج البلاد.
ويقول المؤلف إن "توجو مزراحي" هو المبعوث اليهودي الرئيس للسينما المصرية، حيث بدأ نشاطه بالإسكندرية عام 1928 بإنشاء "استوديو توجو"، وحتى عام 1946 كان نصيبه من الإنتاج والإخراج السينمائي ضعف نصيب أي سينمائي آخر، ومثلت أفلامه 7.3% من مجموع الإنتاج السينمائي المصري، وكلها من إنتاج شركته "الأفلام المصرية".
وحتى عام 61 لم يتجاوز عدد الأفلام التي تم إنتاجها بأموال يهودية المائة فيلم، أي ما يقرب من 9% فقط من إجمالي الأفلام التي تم إنتاجها حتى ذلك التاريخ، ولم يكن الوجود اليهودي في الاستديوهات المملوكة للمصريين أو للمتمصرين من غير اليهود بأقل منهم في مجال الانتاج، أي أنهم كانوا يشاركون في جميع مراحل العملية الإنتاجية.
وفي مجال التوزيع كان معظم الموزعين للأفلام المصرية من غير المصريين، وكان نصيب اليهود منها نحو 10% من جملة الأفلام المنتجة في مصر حتى منتصف الخمسينيات.
ممثلون يهود
ويتحدث المؤلف عن مجموعة من الممثلين اليهود الذين كان لهم دور بارز في صناعة السينما، ومن أبرزهم: راقية إبراهيم ونجمة إبراهيم ونجوى سالم وكاميليا وسلامة إلياس وشالوم وعباس رحمي وزكي الفيومي والراقصة كيتي وغيرهم، مفصلا في دور كل منهم في تاريخ السينما.
وبعد حرب فلسطين عام 48 كانت السينما تتحس طريقها، وتحاول يائسة أن تخلق توازنا بين معتقدات بعض صانعيها وحتميات سوقها المحلي، في ظل هيمنة الرأسمالية اليهودية ومتطلبات سوقها العربي، خصوصاً بعد رحيل نحو 34 ألف يهودي من مصر منذ عام 56، وبقي منهم فقط نحو ثمانية آلاف.
ثم بدأت مرحلة الخفوت بالنسبة للسينما اليهودية عقب نكسة 67، وبعد حرب 73 حاولوا إنتاج أفلام تدعو إلي التطبيع مع الاحتلال، كما انتشرت أيضا أفلام الجاسوسية لتؤكد أن الصراع لم ينته.
المغرب العربي
وفي الفصول الثلاثة الأخيرة يتحدث المؤلف عن التجربة المغاربية مع السينما اليهودية، وهي تجربة حافلة بالتنوع والتناقض في آن، غير أن التجربة الجزائرية تحظى بخصوصية، حيث أن اليهود فيها كانوا يؤيدون فرنسا ضد استقلال الجزائر، وعندما استقلت هاجروا إلى فرنسا.
وكان الحديث عن التطبيع في السينما المغربية أكثر وضوحا، خصوصا بعد اتفاقية السلام مع مصر في نهاية السبعينيات.
ويختتم المؤلف كتابه بالحديث باختصار عن سينما اليهود في كل من فلسطين والعراق، وهى أقرب إلى طبيعة الدور الذي قاموا به في مصر، من حيث التملك والتأثير والسيطرة.