أوسكار «لا أرض أخرى»: جائزة الصحوة والصفعة
حقق الفيلم الوثائقي «لا أرض أخرى» إنجازاً فنياً كبيراً حين فاز بجائزة الأوسكار عن أفضل فيلم وثائقي طويل، خلال المهرجان السينمائي الأشهر الذي تشهده مدينة لوس أنجليس الأمريكية كل سنة، وإليه تتجه أنظار صناعة الفن السابع. وهذه النتيجة ليست بعيدة عن تحقيق مفاجأة من العيار الثقيل، ولعلها سجلت أيضاً نقلة نوعية في تقاليد هذا المهرجان تحديداً، لاعتبارات عديدة لا تقتصر على حيثيات الفنون السينمائية.
فالفيلم من جانب أول يتصل مباشرة بالسياسة في واحدة من أعقد ملفاتها الراهنة، أي الصراع العربي ــ الإسرائيلي عموماً، والحقوق الوطنية والإنسانية والتاريخية للشعب الفلسطيني خصوصاً، ثم بصفة أكثر تخصيصاً طرائق دولة الاحتلال في توسيع الاستيطان عن طريق اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم وطردهم منها، وتهديم البيوت، وردم الآبار بالأسمنت، وتجريف الأراضي، في القرية الفلسطينية مسافر يطا جنوب الضفة الغربية المحتلة.
الجانب الثاني الذي يُكسب الفيلم أهمية نوعية خاصة يتمثل في أنّ مخرجي الفيلم هم الفلسطينيان باسل عدرا وحمدان بلال والإسرائيليان يوفال إبراهام وراشيل سزور، وبالتالي فإن رسالة الشريط تصدر عن ائتلاف مشترك يناهض سياسات الاستيطان التي تعتمدها دولة الاحتلال من جهة أولى، كما يدين قوانين التمييز العنصرية عموماً وممارسات حكومة بنيامين نتنياهو الأكثر يمينية وفاشية في تاريخ الكيان الصهيوني من جهة ثانية.
ولقد حرص المخرج الإسرائيلي يوفال أبراهام على إبراز هذا الجانب وإدانته، فقال في كلمة استلام الأوسكار عن زميله الفلسطيني: «حين أنظر إلى باسل، أرى أخي. ولكننا غير متساويين. نحن نعيش في نظام يجعلني حراً تحت قانون مدني، وباسل تحت قوانين عسكرية». كما ذهب أبعد حين انتقد السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وأنها تساعد على إغلاق الطريق أمام حل سياسي خالٍ من التفوّق العرقي، يوفّر الحقوق الوطنية للشعبين.
لكن الجانب الثالث الذي أسهم في تكريم «لا أرض أخرى» لم يكن يقلّ عن هذه الاعتبارات أهمية ودلالة، لأنه يتصل بالخصائص الفنية العالية لشريط يقترح أسلوبية انفرادية تخرج عن كثير من تقاليد صناعة السينما التسجيلية، بمعان إبداعية رفيعة اللغة وشديدة الوفاء لمفهوم التوثيق العياني المباشر. ذلك لأن مشاهد الفيلم ترصد سلسلة الفظائع التي اقترنت بتدمير القرية وطرد سكانها، ليس عبر التوثيق غير المباشر أو اقتباس شهادات لاحقة أو توظيف موادّ مرئية أو محكية ذات صلة، بل اعتماداً على حضور الكاميرا الحيّ واللصيق والمتابع والمراقب. ولعلّ هذا الجانب تحديداً كان بصمة المصداقية الكبرى للفيلم، وتفسر أيضاً الترحاب الذي قوبل بها والجوائز التي حصدها في مهرجانات دولية عديدة سبقت الأوسكار.
وإذ كان نجاح الفيلم بمثابة صحوة ضمير في ظلمات المناخات المكارثية المناصرة لدولة الاحتلال، أو المتواطئة علانية وضمناً مع حرب الإبادة الإسرائيلية ضدّ قطاع غزة، التي هيمنت على أمريكا ومعظم أوروبا، فإنه أيضاً لا يقل عن صفعة جديدة بليغة للسياسات الاستيطانية والعنصرية الإسرائيلية. ولا عجب أن يعلن ساسة الاحتلال أن فوزه بالأوسكار «لحظة حزينة لعالم السينما».
وسوم: العدد 1118