دعوة لأهل الفن

بدر محمد بدر

[email protected]

الفن الراقي هو أساس نهضة أي أمة، وهو غذاء الوجدان ولمسة الجمال ورافعة الارتقاء بالذوق والسلوك الإنساني العام، ولا توجد أمة من الأمم بلا فن هادف، ولا توجد نهضة في أي وطن لا يساندها ويدعمها الفن الجميل، وأعتقد أن الفن الراقي لا يخاصم الدين أبدا، بل يتكامل معه ليصنع الإنسان الصالح. 

لقد ساند الفن عموما، والغناء والسينما والمسرح خصوصا، حركة الضباط الحرار في خمسينيات القرن الماضي، ولازلنا إلى الآن نستمع إلى الأغاني التي قدمها مشاهير المطربين، وعلى رأسهم عبد الحليم حافظ وأم كلثوم وعبد الوهاب ومحمد قنديل عن الثورة، ولازلنا نشاهد كذلك الأفلام التي كشفت ظلم الإقطاع والفساد السياسي قبل 52، وهي الأعمال التي قدمت الحركة للناس ليلتفوا حولها، وساعدت في زيادة القبول والتفاعل الشعبي مع رجالها وأهدافها، والقضايا التي تصدت لها.

كانت وسائل الإعلام، وبخاصة الصحافة والإذاعة، مجندة بشكل كبير للحديث عن الثورة والنظام الجديد، والإلحاح المستمر على الجمهور في طرح أفكار الثوار، والدفاع الدائم عن قراراتهم، وتقديم شخصية القائد والزعيم الملهم، ونشط إلى جانب ذلك مئات من الكتاب والشعراء والملحنون والمغنون، وأيضا من رجال السينما والمسرح في دعم هذه المرحلة، وتسويق ما يفعله العسكر للناس حتى يقبلوا به، ونجح النظام في فرض رؤية واحدة أمام الجميع حتى وقعت هزيمة 67.  

وبعد منتصف السبعينيات ظهرت موجة من الفن التجاري الهابط، مع بداية مرحلة الانفتاح الاستهلاكي عقب حرب أكتوبر، وسادت موجة من أفلام المقاولات التي انحدرت إلى الفساد الأخلاقي والسلوكي والقيمي، واستمرت للأسف هذه الموجة الفاسدة مع استمرار النظام الاستبدادي البائد، وأصبحت معظم أفلام السينما تحديدا صورة قبيحة للمجتمع المصري، وكأنه أصبح مجتمعا من السفلة والشياطين واللصوص، وتوجهت هذه الأفلام إلى شريحة جديدة بدأت تنمو مع عصر الفساد.

ومصر الآن بعد ثورة الحرية والكرامة والعدالة .. ثورة 25 يناير الرائعة، في حاجة إلى دور جديد يقدمه أهل الفن الراقي .. فن جديد يهذب النفوس والضمائر، ويقوي الهمم والعزائم، ويقدم النماذج الشريفة الموجودة في المجتمع وهي كثيرة جدا، ويطرح الجوانب العملية المفيدة أمام الناس، ويزيد من روح حب العمل والإيجابية والاجتهاد والصبر، ويحارب الغش والتسلق والأنانية والفساد، ويدعو إلى الالتفاف حول المشروع الوطني لنهضة مصر، ويقود المجتمع كله إلى الأمام.

هذا الدور الراقي للفن سوف يسعد عشرات الملايين من أبناء الشعب المصري، بل والعربي والمسلم، الذين يبحثون عن الفن الهادف، ويتمنون لو أتيح لهم أن يستمتعوا بمشاهدة والاستماع إلى فن يحترم عقلية وقيم الإنسان، ويقدم له في نفس الوقت الفن الجميل، الذي يخلو من الكلمات المسفة، والحركات الخادشة للحياء، والنكات الهابطة البذيئة، ويقدم في الوقت ذاته فكرا ورؤية، في إطار فني جميل ومشوق، نحن بحاجة إلى فن يمنح مشاهديه المتعة (السمعية والبصرية والذوقية).

ولا شك في أن هذه الملايين سوف تدعم هذا النوع من الفن المحترم ماديا ومعنويا، وسوف تنتعش الحركة الفنية بشكل كبير، وتنجح في تعويض أي خسائر يمكن أن تواجه العاملين فيها في المرحلة الأولى، وفي نفس الوقت سوف تختفي هذه الأفلام والأغاني والمسرحيات الهابطة، التي آلمت شرفاء الوطن كثيرا.

هذه إذن دعوة صادقة ورجاء حار من مواطن مصري للمبدعين من الكتاب والشعراء والأدباء وكتاب الدراما التليفزيونية والملحنين والمطربين وصناع السينما والمسرح وأهل الفن عموما في مصر إلى الإبداع الإيجابي الراقي، والمشاركة بقوة في دفع الوطن إلى الأمام، والمساهمة في صنع النهضة التي نحلم بها.

               

ض