وردي أنت مبدع إبداع النيل في بلادي
وردي أنت مبدع إبداع النيل في بلادي
مبدع من الزمن الجميل
توثيقي للفن السوداني
سليمان عبد الله حمد
احتفل وردي عام 2010 بيوبيله الذهبي في الغناء، الذي أتحف خلاله المستمع بروائعه التي عشقها معجبوه وألحانه التي خلدت في وجدان المجتمع السوداني إلى جانب غنائه الوطني، وغنى للعديد من الشعراء السودانيين، وكانت له ثنائية شهيرة مع الشاعر إسماعيل حسن نتجت عنها أكثر من 23 أغنية.
تميز الفنان الراحل بإدخاله القالب النوبي والأدوات الموسيقية النوبية في الفن السوداني مثل الطمبور، كما عرف عنه أداؤه الأغاني باللغتين النوبية والعربية، ويعتبره الكثير من الناس مطرب أفريقيا الأول لشعبيته غير المسبوقة بمنطقة القرن الأفريقى وإثيوبيا وغرب أفريقيا.
مسيرة زاخرة
وقد ولد وردي عام 1932 في بلدة صواردة ، إحدى قرى شمال السودان، وعاش يتيما بعد وفاة والديه وهو لم يتجاوز العاشرة من عمره.
عمل الراحل معلما بالمدارس الإبتدائية ببعض المناطق شمالي البلاد، قبل أن ينتقل إلى العاصمة الخرطوم عام 1958 محترفا للغناء والموسيقى.
كما قدّم وردي، الذي ينتمي لقبيلة الحلفاويين النوبية، الكثير من الأعمال الغنائية والأناشيد الوطنية التي واجه بسببها الكثير من المتاعب، من اعتقال وملاحقة في جميع العهود العسكرية بالسودان ...
وقد منح الفنان الراحل الدكتوراه الفخرية من جامعة الخرطوم عام 2005 تقديرا لمسيرته الفنية، التي امتدت لأكثر من ستين عاما ولأدائه ما يزيد على ثلاثمائة أغنية. ويعتبر من أكثر السودانيين الذين قدموا أعمالا غنائية خاصة باستقلال السودان، والانتفاضة الشعبية ضد الدكتاتورية عامي 1964 و 1985 م ...
كما اشتهر وردي بمواقفه السياسية ونشاطه بالحزب الشيوعي السوداني، حيث اعتقلته حكومة جعفر النميري في سبعينات القرن الماضي. وعقب تولي عمر البشير يوم 30 يونيو/حزيران 1989، جاهر وردي بمعارضة الحكومة وغادر البلاد ولم يعد إلا عام 2005.
أناشد كل المتخصصين بحقول الفكر والأدب والتراث والفن و الثقافة إضافة أي معلومة عن سيرة هذا العملاق و الرمز الوطني والتاريخي العبقري للأمة السودانية...
الفنان محمد عثمان حسن وردي ولد في (صواردة)، إحدى قرى شمال السودان وهي من أكبر عموديّات منطقة السّكوت التي تكوّن مع منطقة المحس ووادي حلفا (محافظة حلفا) التابعة لولاية دنقلا. ذاق مرارة اليتم منذ نعومة أظافره، ونشأ مشبّعاً بالانتماء للآخرين، وتحمّل المسؤولية منذ بواكير الصبا ، من منطقة (تكم) الساقية إلى مهاجر العلم في (شندي)، ومن شندي ركب قطر السودان عائداً إلى حلفا معلّماً في (كتاتيب) السكّوت والمحس ينشر في ربوعها المعرفة والحكمة. ولمّا كان الرجل ينتمي إلى من وصفهم د. مكي سيد أحمد بالتميز وامتلاك عقلية موسيقية جبارة بالفطرة في كتاب (موضوعان) لمكي سيد أحمد، فقد أكّد في أولى تجاربه في الغناء أنّه مشروع فنّان متميز، صوتاً وأداء وابتكاراً وخلقاً لكل جديد. برز نجمه في السّكوت وذاع صيته في وادي حلفا وحمل من أهل (دبيره) آلة العود وسافر إلى ام درمان ليقدم الغناء النوبي في الإذاعة السودانية حوالى 1957م ، وكما فعلها الخليل الشاعر من قبل، فقد استبقوه في الخرطوم بإصرار ليغني بالعربية لكل السودان.
قدّم وردي في مجال الغناء السوداني ما تضيق عنه هذه الأسطر. وللرجل جوانب عدة في مسيرته الإبداعية، التي يحصرها الكثير في كونه مطرباً، فنّاناً، موسيقياً، وطنياً منافحاً، بيد أنّ شخصية وردي الشاعر، في رأيي، لم تجد حقها في التناول. وأترك الفرصة لمن يريد الكتابة عن وردي الشاعر باللغة العربية، ودعوني أفتح ديوان الشاعر وردي باللغة النوبية، تلك النصوص التي غلّفها بألحان وإيقاعات أهله النوبة النيليين والتي ذكر عنها، في جملة إفادات، أنّ انتماءه النوبي هو الذي مهر عطاءه بذلك التميّز الواضح.
بدأ وردي مسيرته في الغناء النوبي بالتروّي الملحوظ في التناول، لم يغامر بملكاته الشعرية والموسيقية المبكرة في تجاوز الوجدان التقليدي (شأن المغامرين في قبيلة الغناء) ولكنّه تغنّى بها ووضع بصماته الخالدة في الكثير منها مثل (أسمر اللونا - ملاك - الليلة وو بلاّج .. الخ) ومن ثمّ وضع أشعاره ولون أداءه المتميز في خارطة الغناء النوبي جامعاً بين فنون الأداء لأغاني الطار وأغاني الطنبور، وقنّن الموضوعية كسمة ملازمة لمضامين نصوصه المغناة. هذه الموضوعية جاءت بديلاً مقبولاً لشكل المضمون الذي كان ملوّناً بالرمزية والعبارات الساخرة مثل (أغاني ما قبل التهجير - وادي حلفا) وأغاني القيل) بمنطقة السكّوت. (
المعروف عن وردي ،أنه من أساطين المتحدثين باللغة النوبية، والملمّين بشوارد مفرداتها ودقيق مأثوراتها وحكمها وأمثالها. وقد تميّز برهافة الحس ودقة التعبير عن مشاعره، وقد أشار في إفاداته الأخيرة (جريدة الصحافة) إلى هذه الملكة الكبيرة بناصية اللغة أنها ليست نتيجة اجتهاد وبحث فحسب، ولكنها (خاصية لغوية عرفت بها صواردة .
كانت النظرة التقليدية للمغنّي في شتّى أنحاء السودان تتسم بالدونية كنتاج لـ (جدلية تحريم الغناء كأثر عقائدي والطبقية المجتمعية) من المجتمع الاسترقاقي الذي ترك مسألة ممارسة الغناء للرقيق والإماء (مثل الموالي والجواري في المجتمع الأموي والعباسي): كتاب الأغاني لأبي فرج الأصفهاني. وظهرت مسمّيات عدة للمغنين منها، الصعاليك وفي النوبة كانوا يطلقون (عويل، زول هومبيّا) على المغني الذي يحترف الغناء، وفي أحيان كثيرة كانت العائلات تتبرأ من المغني الذي يقضي عمره (جوّاب آفاق) في المنافي البعيدة. ويقال في سير المغنّين أنّهم كانوا منبوذين بحيث لا تقبل منهم الشهادة في المحاكم، وعلى أرضية هذه الحرب المعلنة ضد المغني المبدع، كان احتراف الغناء ضرباً من الجنون والمغامرة، لا يتصدّى لها إلاً المؤمنون بقضية الفن للفن أولاً وبالفن وسيلة لتحقيق الغايات النبيلة أخيراً، ولهذا وبهذا الكيف انبرى الفنان محمد وردي ووضع نفسه أنموذجاً حياً لمحترف الغناء الشجاع حين وقف وأعلن عن نفسه مغنياً في تلك الظروف (وهو المعلّم القدوة) الذي يحاسب أمثاله بمكيالين من التقريع، وغنى للوطن والجمال والحرية والقيم الفاضلة ورسم بجهده وعرقه مدرسةً للغناء السوداني.
في جانب آخر من السيرة يقـول الفنان الكبيـر الـموصـلي، في كتابة عـن وردي: (الـتحق الفنان وردي بالاذاعة عام 1957، وقد استعان في تلك الفترة بعض الـمشاهير الـملحنيـن مثل خليـل احـمد، الذي لحـن له (يـاطيـر ياطائـر)، وبرعـي محمد دفع اللـه، الذي قـام بتلـحين آغنيـة (الـوصـية). وقـد قيـل، إنه وحيـنما قـام وردي بمقـابلة الفنان ابراهـيم عـوض، الذي كان وقتها ابراهـيم ملك السـاحة الغنائـية، وفنان الشباب الاول، عن كيفيـة الوصـول للإذاعـة والغناء فيـها، نصـح ابراهـيم عـوض وردي، بان هذا الطريـق شـاق ووعــر، وعلـية الابتعاد عنه!
هذه وقفات مع مبدع وزمن من ذاك الزمن ا لجميل ، إلى أن يحين اللقاء مع مبدع آخر لكم تحياتي أحبتي ..
التقى وردي بالشـاعر اسماعيـل حسـن، وكانت مرحلة انطلاقة جديدة لوردي لكي يظهر جزءا كبيـرا من عبقريته اللحنية والغنائـية، فكانت الروائـع الآتية:
بعـد إيه، ذات الشـامة، وا اســفاي.
اخـتلف اسماعيـل حسـن مع وردي، وراح اسـماعيل ويقـول انه مثلما صـنع وردي، فانه ســوف يحطـمه ولن تقـوم لة قائمة مـرة أخـرى!!!،
ونشـر إسماعيـل حسـن حديثه في الصـحف اليـومية وقتها، فقـام وردي بالاتجـاة صـوب شــعراء آخرين، امثال: اسـحق الـحلنقي، التيـجاني سعـيد، عمر الطيـب الدوش وغـيرهم، ماخلـق تغيـيراً كبيـراً في ظـاهـرة الاغنيـة لدى وردي وفي مضامينها.
كان محمد وردي شخصية مثيرة للجدل، ويتميـز بذكاء حاد ويعرف متى يخـرج باغنيـة جديدة للناس، ومتى يرتاد مرافئ الصـمت والتأمل، ونجـده وعندما يخرج بعمل فني جديد، تصـحبه عـزة نفس شديـدة ممـزوجة بشـئ من الغرور حيـن يقول: (لا يوجد لي منافس، فأنا انافس نفسي)، وكان هذا الامـر يثـير حفيـظة الكثيرين من زملائه الفنانين، فيحاولون التجديد فـي أغانيهم. وتتواصل السيرة لمشوار وردي، سيرة فنان مجدد.