الثورات, تخطفُ جمهور الدراما العربية
بلقيس حميد حسن
في استطلاع ميداني عرضته احدى شاشات الفضائيات العربية, صرح أغلب المشاهدين بأن الدراما العربية في رمضان الماضي أفضل منها هذا العام.
الحقيقة هو أن الثورات العربية هي التي سحبت البساط من الدراما وأولها الدراما السورية التي كانت الأشهر, والتي ساهمت بشكل كبير بفضح الفساد في المجتمع السوري وشيوع الرشوة والولاء لرجالات الحكومة السورية, بل انها في الحقيقة أسست أرضية للثورة منذ سنين, حيث كشفت افعال المخابرات السورية ورجالاتها وأساليب المسؤولين باستغلال الناس وشراء الذمم, كما انها اعطت اشكالا من اشكال النضال مثلما رأينا, فالرجل البخاخ الذي كان يكتب الشعارات المضادة للنظام في مسلسل"نقطة ضوء" مثلا, صار حقيقة فعلها اكثر من شاب سوري وقام بكتابة شعارات تطالب باسقاط النظام بطريقة بخ الصباغ, وقد استشهد شاب نعته الثورة باسم الرجل البخاخ.
الدراما السورية كثيرا ماعرضت علينا التعذيب داخل السجون, وصورت درجة الهلع التي تطغى على المعارضين وغير الراضين عن اداء الحكومة حتى في سرهم, مثلما عرضت الكثير من أساليب المعارضة للنظام القمعي.
و الان, وبعد الثورات التي قادها شباب جاء غالبيتهم من المناطق الفقيرة والمحرومة والمهمشة, وبعد كل الإثارة والجرأة التي طرحها الواقع العربي, لم يعد الإيماء والكلام غير المباشر أوالغمز في الأعمال الفنية يثير اهتمام الناس, لقد بهتَ بريق الدراما التي مهما بلغت جرأتها نرى ان الثورات قد تجاوزتها وصار الانسان العربي يطلب المزيد الذي لا يمكن ان يتألق اكثر من دماء الشهداء والأطفال واختطافهم قلوب وابصار وتعاطف الجميع.
ان الثورات العربية التي تنتظر موقفا من فنان أو اديب أو اي انسان اينما كان في العالم, تحتاج اليوم لدراما تدخل الى عمقها وتستشرف مستقبلها وتتعاون معها على فضح إعلام الطغاة الذي يكذب دماء الشعوب .
على الدراما ان تطرح اليوم كيفية انقاذ طفل تحت وابل الرصاص, وشاب يجرح في الشارع دونما انقاذ, وشهيد تبقى جثته بلا دفن لهول الخوف المنتشر بالمدن والقصبات, وعليها الكشف عما يجري بداخل السجون, واجهزة الأمن, وانشقاقات العسكر, عليها توضيح الصراع النفسي للقتلة, وقلقهم والتصاق صور الضحايا في اذهانهم.
على الدراما ان تعرض المحبة والاحساس بالتوحد مع الآخر حيث تثور المدن دفاعا عن بعضها, وعليها ان تدخل البيوت وتطرح معاناة الأطفال والثكالى وتسليط الضوء على دور المرأة التي غرست في الابناء حب الوطن والحرية, وأدخلت فكرة الثورة على الظلم.
على الدراما العربية ان تطرح اصرار الثوار على تلبية مطالبهم المشروعة وحقوقهم المسحوقة تحت اقدام الجبابرة.
كل ما جرى في ثورة تونس الخضراء, وثورة مصر العظيمة, والثورة الليبية التي حولها الطاغية الى إتون تلتهم ارواح الآلاف, وثورة الشعب اليمني التي كبرت بدماء الشباب حتى طال الصبر في الشوارع والساحات رغم التضحيات الجسيمة, وماجرى في ثورة سوريا التي اذهلت الناس بالبطولات وهي الثورة المحجوبة عن أعين العالم إلا ما استطاعت أعين الثوار بأساليبهم البسيطة التقاطها وتسجيلها, كل هذه الثورات تعطي مادة دسمة للمبدعين ليصوغوا منها قلائد فن تأريخي لا يمحى مهما طال الزمن حيث تكتبه الشعوب العربية بالأرواح والمعاناة.
عدا ذلك فالدراما العربية سوف لن تجد من الشعوب العربية جمهورا كبيرا مهما كانت راقية, فالثورات تحرق وتتعجل المراحل, وهي كالسيل الذي لا يعود الى الوراء, تتجاوز المهتريء لتبني عالما جديدا, أبيضا, حرا ,ً لا يشبه العتيق في الكثير من الملامح.