أوبرا الوسيط الروحاني 00
أوبرا الوسيط الروحاني 00
روعة الأداء 00وإرادة النجاح
د. كمال يونس
عرضت دار الأوبرا المصرية على مسرح الجمهورية بوسط القاهرة أوبرا الوسيط الروحانى إخراج هشام الطلى ، تأليف موسيقى جيان كارلو مينوتى ، وهو واحد من أشهر مؤلفى الأوبرات الحديثة ( المودرن ) ، أوكما اصطلح على تسميتها أوبرا القرن العشرين ، وقداتجه الأمريكيين والأوربيين إلى هذا النوع من الأوبرات بعد الحروب العالمية بمعاناتها النفسية التى ترسخت فى نفوس المبدعين ، وهو نوع من الأوبرات التى تتناول الحياة اليومية للإنسان العادى ، مثل أوبرا التليفون ، والصوت البشرى ، ومن أبرز سيماتها استخدام إيماءات ، ليست بالغناء أو الكلام المغنى ( الريستايف )،بل ويمكن التكلم بشكل عادى على إيقاع ، ومؤثرات صوتية مثل الصرخات أو التهدج ، والضحكات ، التى تعبر عن موقف معين ، وتبرز المشاعر الداخلية والمعاناة النفسية للبشر، وهى ليست معتادة فى الأوبرات العادية ، وذلك باستخدام آلات موسيقية فى إصدار تلك الأصوات ، إضافة إلى الرقى بالأداء التمثيلى وصولا إلى أعلى درجات الحرفية مما يساهم فى توصيل مضامين النص الأوبرالى للمشاهد ، ، مع وضوح الإتجاهات التجريدية البسيطة فى الملابي والإضاءة أو التوزيع الأوركسترالى ، وعدم التقيد بعدد العازفين المتعارف عليه ، قد يزيد ، أو يقل كثيرا جدا ، حتى أنه يمكن استخدام أوركسترا الحجرة ، أو أوركسترا كبير العدد0
مخرج العرض هشام الطلى يعمل كخبير فى علوم التمثيل ، ومخرج للأوبرا بكونسرفتوار القاهرة ، واحد من المخرجين الواعدين للأوبرا ، تخرج فى المعهد العالى للموسيقى ( الكونسيرفتوار بالقاهرة ، وحصل على دبلومة موتسارتيوم النمسا 1993 ، وشارك بالغناء فى العديد من الأوبرات منها عايدة ، والحفل التنكرى ، السيد بروسينيكو ، وتورانداوت ، ولابوهيم ، وبعد الانتهاء من دراساته العليا فى الإخراج بالمعهد العالى للفنون المسرحية بالقاهرة قام بإخراج عدو أوبرات منها ريجوليتو ، وصائو اللؤلؤ بمسرح أكاديمية الفنون ، وشارك بعدها فى إخراج أوبرا عايدة ، ، لابوهيم ، قصة الحى الغربى ، كمبيالة زواج ، الظروف تصنع لصا ، السيد بروسينيكو ، والناى السحرى ، الإمبرازريو ، والتليفون ، آمال وزوار الليل بطريقة العرائس0
تدورأحداث أوبرا الوسيط الروحانى من فصلين ، وتحكى عن مدام فلورا التى تعمل بتحضير الأرواح فى بيتها ، بمساعدة ابنتها مونيكا ، الشابة الرقيقة الحالمة ، وتوبى الشاب الغجرى الأبكم ولكنه ليس أصما ، وهما يجهزان ويدبران مع الأم لكل الخدع التى يقنعون بها الزبائن من مقدرة الأم على تحضير الأرواح ،وأثناء إحدى جلسات تحضير الأراواح والتى انتحلت مونيكا فيها شخصية ابنة شابة توفت فى حضور أمها السيدة نولان ، وأخرى شخصية طفل رضيع للسيد والسيدة جوبينو ، ويقوم توبى بتشغيل الخدع من إضاءة ، فجأة توقف فلورا الجلسة، وتطرد حضور الجلسة حين شعرت بيد خفية وقد أمسكت برقبتها أثناء الجلسة ، شكا منها أنه توبى ، فتحاول مونيكا تهدئتها ، ولكنهم يسمعون صوتا يقلد مونيكا أثناء تحضير الجلسة ، وفى الفصل الثانى بينما تشاهد مونيكا عرضا للعرائس يؤديه توبى ، ترقص ، مدركة أنه يحاول أن يخبرها بحبه إياها ، مقلدة صوته لتخبره بما يكنه لها من مشاعر نيابة عنه ، ولدى عودة الأم من الخارج تحاول فلورا أن تجبر توبى بأنه هو الذى لمس رقبتها أثناء الجلسة ، وأن يقر بما حدث ، يرفض الاعتراف فتضربه ، وتوقفت عند سماع جرس الباب فتجد ضيوف الجلسة السابقة فترد لهم نقودهم ، وتخبرهم أن الأمر محض خداع ، وتكشف عن الأسلاك والميكروفونات ، ولكنهم لايصدقونها ، فتطردهم ، وتطرد توبى ، رغم اعتراض مونيكا ، وتجلس فلورا خائفة تحتسر الخمر محاولة نسيان ما حدث ، حتى يغلبها النعاس ، وبعد عودة توبى مرة أخرى ليختبىء بالمنزل ، فتقتله ظنا منها أنه الروح التى شعرت بها لتقتله0
فى هذا العرض تجلت إرادة المخرج الفنية فى تجسيد تلك الأوبرا بالإمكانيات القليلة المتاحة ، مستخدما عناصر سينوغرافيا العرض ( صورته المسرحية ) فى اقتدار ، فاستعان بألة موسيقية واحدة هى البيانو الذى عزفه عليه جريج مارتن ، بدلا من أوركسترا كامل ، وحقق توازنا متفردا بين ألة موسيقية واحدة تعزف، وبين الأداء الأوبرالى الغنائى للمغنيين الخمسة المشاركين فى العرض ، وارتقى بالأداء التمثيلى للمشاركين فى العرض، ولم لا وهو يعمل كخبير لفن الأداء التمثيلى بفرقة أوبرا القاهرة ، فأبرزوا باقتدار الأبعاد النفسية للشخصيات التى يؤدونها ، والملامح الخارجية للشخصيات الأم فلورا ( جالا الحديدى ) بملامح العرافة أو الوسيطة الروحانية ، بما فيها من قسوة وجبروت وخداع ، الحواجب الكثيفة ، الشعر الذى يتخلله الشيب ، ملامح الشر ، الملابس السوداء ، والأبنة مونيكا ( جاكلين رفيق ) بملامحها البريئة الملائكية ، وألوان ملابسها البيضاء ذات الوشاح الأزرق ، والسماوى ، والسيدة نولان الارستقراطية الرقيقة المتلهفة لملاقاة روح ابنتها ، والمصدقة لما يدور حولها ( هالة الشابورى ) ، والسيدة جوبينو الثرثارة وزوجها ( عماد عادل ) المصدقان للخدعة طواعية لسماع صوت رضيعهما الميت ، توبى الفتى الأبكم ( مهدى سيد ) فى صمت لم يعجزه عن التعبير فى اقتدار عن انفعالاته ، وصرخاته الحبيسة ، أما عن عناصر ديكور العرض فقد نجح فى أن يصور منزلا عاريا مايدور بداخله ، فهو منزل واه ، أعمدته مائلة ، وجدرانه متآكلة ، فحجرة البنت استخدم فيها الحرير الأزرق الشفاف ، ليرمز إلى طهر البنت بمشاعرها البريئة ، وحجرة الأم خشنة الجدران الرمادية ( قسوة الأم )، والجدار السحرى الذى تنفذ منه البنت لتدبر الخدع ، من وراء جدار شفاف ، مما عمق الجو الدرامى للعمل ، ومابين تغيير الإضاءة ، من وراء الجدران الشفافة تتعاقب المشاهد فى سلاسة وبساطة ، وهكذا استطاع المخرج أن يحقق ايقاعا عاما للعرض ككل حين استخدام بمهارة كل مفردات وعناصر سينوغرافيا العمل ( صورته المسرحية ) بمكوناتها البصرية والسمعية ، لينفذ إلى عقل المشاهد وينجح فى توصيل مضمون العرض باعثا فيه التوتر والتشويق ، وأيضا نجح كل ممثل على حدة أن يكون له إيقاعه التمثيلى والغنائى الخاص به ، متوحدين جميعم مع آلة البيانو التى صاحبتهم جميعا، وعلى الرغم من لغة الأوبرا الإنجليزية فقد أداها الجميع بطلاقة وتمكن وتفهم وكأنها لغتهم الأصلية ، حيث حفلت كل كلمة بأداء يناسب الوقف التى تقال فيه ، موضحة الانفعالات النفسية لكل شخصية ككل فى أداء متناغم متوافق 0