لقاء مع الفنانة المسرحية فاتن خوري
لقاء مع الفنانة المسرحية فاتن خوري
حوار: زياد جيوسي
عضو لجنة العلاقات
الدولية في
اتحاد كتاب الانترنت العرب
المسرح الفلسطيني هو تأريخ لحكاية شعب، وتشير المصادر التي تحدثت عنه أنه بدأ عملياً في سنة 1932 بمسرحية (هاملت) لشكسبير قدمتها دار المعلمين في القدس، لكن بكل أسف لم توجد اهتمامات بكتابة تاريخ المسرح الفلسطيني وتتبعه عبر السنوات ومراحل القضية الفلسطينية في مراحله الأولى، علماً أن المؤشرات تشير إلى أن بداية المسرح الفلسطيني بدأت من خلال جمعية الشابات المسيحيات التي أنشئت سنة 1887، والتي كانت تدرج التمثيل ضمن برامجها السنوية، وقد عرف العديد من المهتمين بالمسرح من بدايات القرن العشرين، فأنشئت فرق محلية متأثرة بالفرق المسرحية التي زارت فلسطين من مصر وسوريا، وقد كتب عن تلك الفترة العديد من المهتمين مثل د. عبد الفتاح أبو سرور والفنان أحمد أبو سلعوم ود. الشاعر كمال أحمد غنيم في مجلد ضخم حمل اسم (المسرح الفلسطيني: دراسة تاريخية نقدية في الأدب المسرحي)، واليوم نلتقي مع الفنانة المسرحية فاتن خوري من فلسطين، لنطل من خلال تجربتها على واقع المسرح الفلسطيني المعاصر.
الفنانة خوري من الناصرة وتسكن بها، وتتنقل بينها وبين رام الله باستمرار، تخرجت سنة 1998 من جامعة حيفا بتخصص تاريخ الفن والمسرح، وبدأت نشاطها المسرحي من خلال الجامعة وتفرغت للعمل المسرحي بعد التخرج، وعملت في مسارح متعددة مثل الميدان وعشتار والوطني والسرايا وجوال ومسارح أخرى غيرها، وشاركت بحدود خمسة عشر عملاً مسرحياً بأدوار متميزة. اليوم التقيتها في مدينة رام الله، وكان هذا الحوار حول هموم المسرح الفلسطيني وظروفه.
* الفنانة فاتن خوري، كيف يوازن الفنان بين الخبز والمسرح؟
- الفنان يحتاج إلى الاستقرار المادي إضافة إلى العمل، وأنا رغم الفترة الزمنية التي عملت بها في المسرح، أشعر أن العمل المسرحي بدون ثبات، فالعمل الوظيفي في المسرح يقتل إبداع الفنان، ولذا في بلادنا نجد أن هناك مشكلة في عملية التوازن بين الخبز والمسرح، ولكن بالتأكيد يجب أن يكون هناك تفرغ ودعم مادي للفنان حتى يتمكن أن يبدع ويعيش في نفس الوقت.
* هل من الدقة القول بأنا بحاجة إلى خلق ظرف أو حالة مسرحية في فلسطين أم أن التجارب هي استكمال لتاريخ المسرح الفلسطيني؟
- أعتقد أن الحالتين تؤديا لنفس المسار، فنحن بحاجة لخلق حالة مسرحية حديثة تولد من رحمها حالة متميزة، وفي نفس الوقت تكون جزءً من عملية استكمال تاريخ المسرح الفلسطيني، فالوضع الحالي كمثال يختلف عن تجربة مسرح الحكواتي، وفي نفس الوقت نجد مجموعات شبابية مسرحية بعيدة عن المسارح الكبيرة في فلسطين، ونحن بحاجة إلى تجارب كبيرة، لكننا نفتقد عملية التواصل في المسرح بين الفنانين والفرق المسرحية، وهذا التواصل والتعاون مهم جدا لبناء المسرح الفلسطيني بهدوء وليس بقفزات، فالمسرح ما زال جنيناً في فلسطين على رغم فتراته التاريخية، مقارنة مع التجارب العالمية، فنحن بحاجة إلى هوية فلسطينية خاصة بالمسرح الفلسطيني.
* في عدة تجارب مثل مسرحية (الجسر) ومسرحية (نساء تحت الضوء)، كان الهم الأول للفنانة هي المرأة، إلى أي مدى يمكن للمسرح في فلسطين في ظل ظروف الاحتلال أن يناقش قضايا المرأة؟
- أرى أن المسرح هو مرآة تعكس قضايا المجتمع بشكل عام، وفي ظروفنا كفلسطينيين تحت الاحتلال، إضافة إلى الظروف الاجتماعية، يتمكن المسرح من مناقشة كل القضايا وليس القضايا الوطنية فقط، وموضوع المرأة مسألة مهمة، وفي مسرحية (نساء تحت الضوء) كنت أتحدث عن قضايا عشتها وعرفتها من خلال معاناة نساء في الواقع، بينما في مسرحية (الجسر) وإن بحثت في قضايا المرأة بشكل غير مباشر، إلا أنه في مشهد من المشاهد كان الحديث عن المرأة بشكل مختلف، وفي الواقع نحن نعايش الكثير من ظروف تعانيها المرأة وخاصة الشكل النمطي لها، ومن هنا كانت ضرورة بحث موضوع المرأة من خلال المسرح، وبحث دورها كمكمل للرجل.
* في قراءتنا لتاريخ المسرح الصهيوني لمسنا مدى أهمية المسرح بالنسبة إلى المجتمع، وكذلك الأمر بالنسبة إلى تاريخ المسرح العالمي في العملية الديمقراطية وغيرها من القضايا، كيف يمكننا أن نجعل من مسرحنا منبراً للمجتمع؟
- يمكن للمسرح أن يكون منبرا لكافة القضايا إذا استخدم بالشكل الصحيح، ويمكن أن نصل من خلاله إلى شرائح المجتمع المختلفة، وبشكل خاص من خلال ورشات العمل المسرحية التي أركز عليها الآن، إضافة إلى عرض المسرحيات، ما يجعل عملية التفاعل بين المسرح والجمهور قوية، والمسرح هو أداة توصيل الرسالة والتأثير، فأنا لا أؤمن بالفن من أجل الفن، فالأدوات المسرحية توصلنا لنكون منبراً للمجتمع، فالمسرح أداة هائلة يمكن استخدامها، ونحن كفلسطينيين لنا هوية واضحة في أدائنا حتى لو كانت المسرحيات مترجمة، والمسرح الإسرائيلي لديه إمكانات مالية وفنية كبيرة، حتى أننا نجد أن الحجوزات لحضور عرض بعض المسرحيات لديهم تكون لعدة شهور مسبقا أحياناً، ورغم ذلك أجد أن المسرح الإسرائيلي لا دور ورسالة له، وهذا ناتج عن تشتت جذور المجتمع الإسرائيلي، وليس مثل المجتمع الفلسطيني ذي الجذور الواحدة ونحن أصحاب قضية، ولنا صبغة مميزة، ونحن مغروسين كجذور الزيتون، والمسرح كأداة فعل وتأثير يجب استغلالها بشكل ممتاز لخدمة قضيتنا الوطنية والاجتماعية.
* العمل ضمن الفرق الإسرائيلية، ألا ترين أنه من الصعوبة على فنانة فلسطينية تعيش تحت الاحتلال المباشر واليومي أن لا تتعامل مع المؤسسة الإسرائيلية؟ علماً أنه معروف عنك رفضك للعمل المسرحي مع أي عمل ممول إسرائيلياً؟
- هذا صحيح ولذا أتواجد معظم الوقت في رام الله بعيداً عن أسرتي لأني لا أريد العمل مع المؤسسات الإسرائيلية، ومع هذا لست منعزلة عن شعبي في الناصرة رغم أن البعض يعترض على موقفي ويقولون: أنت مواطنة تعيشين في "إسرائيل" فلماذا ترفضين العمل مع المؤسسات الإسرائيلية؟ ولكني حقيقة لا أشعر إطلاقا بأني جزءٌ من النظام الإسرائيلي أشارك به حتى أني لا أشارك في الانتخابات الإسرائيلية باستثناء البلديات، وشعوري بفلسطينيتي هو الغالب، ومن خلال تواجدي في رام الله شعرت بوجود وهويتي أكثر، وابتعدت عن فكرة العمل مع المؤسسات الإسرائيلية، وحقيقة أني أرفض حتى اللغة التي يستخدمونها، فأصبح بداخلي حاجز قوي يبعدني عن المسرح الإسرائيلي وعن العنصرية التي نجدها حتى في المواطن الإسرائيلي العادي، فلا يمكن أن اقتنع بالعمل مع مؤسسات ترفضني وترفض تاريخي، وأتمنى لو كل الممثلين الفلسطينيين يرفضون العمل مع المؤسسات الإسرائيلية.
* ما هي الفروق بين العمل في مناطق الـ 48 والضفة الفلسطينية؟ وهل الجمهور هو ذاته؟ وكيف يتعاطى الفنان مع هذه الفروق إن وجدت؟
- بالتأكيد يوجد فروق، فالممثل والمخرج عموماً في الضفة يفتقد الكثير من التقنيات والتعليم حتى لو وجدت الموهبة، فالموهبة بحاجة إلى تطوير أكاديمي وتقني، بينما في الداخل نجد اختلافاً في المسألة، فحتى الوعي المسرحي متقدم في الإطار العملي تقنياً وأكاديمياً بشكل متقدم عنه في الضفة، في الداخل وعيي مسرحي أكثر واهتمام أكثر، فكنا نشاهد عائلات بأكملها تحضر للمسرح، بينما في الضفة هناك ضعف كبير في الاهتمام.
* فلسطين والتحرر والتحرير والاحتلال، هل نجح المسرح الفلسطيني بتجسيد القضية الفلسطينية؟
- من ناحية الأعمال المسرحية فهناك أعمال نستطيع القول إنها نجحت رغم صعوبة نقل المسرح، لكن المسألة المهمة أن المسرح ساهم في تحررنا من داخلنا، فساعد المسرح ويحاول أن يجعل الإنسان الفلسطيني لا يتهدم من داخله، فالبيت إذا هدم يمكن إعادة إعماره، لكن الإنسان لا يمكن أن نعيد بناءه إذا هدم من داخله. المسرح لعب دوراً ايجابياً؛ في الشارع مثلاً يتحدث عن قضايا شعب معيشة أكثر من مسألة تاريخ، فهو نبض حي يساهم في قضيتنا، بينما المسرح الخشبي سادت الصورة النمطية أكثر، وأنا كفاتن لا يمكنني أن أمثل دور الإسرائيلي، ودوماً أنطلق من الخاص إلى العام ولو من خلال الرمزية وإن كنت أفضل المباشرة أكثر.
* وهل نجح المسرح بعرض القضية على الرأي العام العالمي؟
- أستطيع القول إن مشكلة المسرح تكمن في صعوبة إمكانات التجوال والحركة والوصول إلى أكبر شرائح مجتمعية، رغم أن التفاعل بين الممثل والجمهور مواجهة، لذا اسمه أبو الفنون، بينما نجد المسالة مختلفة في السينما، لكن هناك محاولات فعلية للوصول إلى الرأي العالمي، وهناك فرق تمكنت من عرض مسرحيات في العديد من الدول، مثل مسرحية (العشاء الأخير في فلسطين)، وخلال العروض في هولندا كان هناك حوار قوي مع الجمهور وأوصلنا الفكرة إلى الكقير من المشاهدين، وأذكر أن فرنسية يهودية قالت لي: لماذا تريدون رمينا في البحر؟ فقلت لها: نحن لا نتمكن من الوصول إلى البحر ونحن من تم رمينا في البحر وتهجيرنا من وطننا. بشكل عام فالمسرحيات التي تتناول المعاناة الخاصة بالإنسان وتعكس حالة عامة، وعرضت في الخارج وصلت إلى الجمهور، ولكني آمل بحركة أكبر وتأثير أكبر.
* في ظل الظروف السياسية التي نمر بها والمتطورة كل ساعة وكل لحظة، كيف يمكن للمسرح أن يواكب الحدث المتغير ويعبر عنه؟
- المسرح نابع من الإنسان ومرآة له، والعاملون في المسرح يضعون كل مشاعره على خشبة المسرح ما يجعل المواكبة قائمة لأن الفنان يضع كل مشاعره الصادقة على المسرح، ورغم تسارع الأحداث إلا أنه يمكن المتابعة، ففي مرحلة التدريب على مسرحية (سأخون وطني)، جرت عملية اغتيال الشيخ أحمد ياسين، وفوراً أجرينا تعديلاً رمزياً على مشهد في المسرحية عكس عملية الاغتيال.
* أضافت مسرحية (عشرون دقيقة) محاولة جديدة لكتابة تجربة فلسطينية عن الاجتياح الإسرائيلي أراضي السلطة الفلسطينية، ما مدى رضاك عن المحاولة؟
- حين كنا نتدرب على المسرحية كنت والعديد من الممثلين مصابين بحالة توتر، فقد شعرت أني لا أقوم بجهد فعلي، لكن أثناء العرض شعرت فعلياً بالمسرحية، فشكل المسرحية وأسلوبها كان مختلفاً لقرب الجمهور منا، حيث التمثيل بداخل غرف وبجلوس الجمهور فيها وليس على خشبة المسرح، لكن تمكنت المسرحية من الوصول إلى الجمهور، وقد استمتعت بالعرض أكثر من التدرب عليها، لذا كنت راضية عن المسرحية كونها عالجت قضايا إنسانية خلال الاجتياح، وبكل أسف فإن المسرحية عرضت فقط أربع مرات، وكان المفترض أن تأخذ اهتماماً أكبر كونها من المسرح المعيش وتجربة متميزة.
* إلى أي حد أثرت فيك إقامتك في الداخل الفلسطيني المحتل سنة 1948، وأية فضاءات أتاحتها لك، مقارنة مع إقامتك في الضفة الغربية؟
- في الداخل وفي الناصرة ولدت وعشت وترعرعت، فترك ذلك أثره الكبير على نفسي، والآن أقيم في رام الله وأتردد على الناصرة، فالداخل هو مرحلة التأسيس في حياتي، وما زلت كلما زرت الناصرة أشعر بالراحة رغم الألم، فالناصرة هي البيت بينما رام الله هي الإقامة، ومع هذا أشعر أن الغربة ترافقني بين الناصرة ورام الله، وعكست هذه الحالة نفسها على أعمالي المسرحية، ففي مسرحية (العشاء الأخير في فلسطين)، وضعنا بعض هذه الإحساسات والتجارب، وكذلك في ورشات العمل المسرحي، وأنا أشعر أني أقدم وبحالة اللاوعي كل القصص التي عشتها في الناصرة.
* وماذا بعد؟
- أحب أن أؤكد أن المسرح كأداة للتغيير سلاح مهم ضد الاحتلال، وهذا ما أعمل عليه الآن وآمل أن يكون لدينا وعي أكثر في كافة الفنون تجاه ذلك، وعلينا أن نعمل على التوحد والتعاون، أن نكون كتلة موحدة وخاصة الفنانين حتى لا تكون فرقتنا هدية على طبق من الألماس للاحتلال، فعلينا أن نبتعد عن الأنا وأن نتعاون كفنانين ومسرحيين، وآمل أن يكون هناك تخصص أكثر في العمل.