التشكيلي السوري "بشير بشير"
التشكيلي السوري "بشير بشير"
جودة الفن لا يشترط فيها مطابقة الواقع
منى كوسا
[email protected]
بشير بشير فنان تشكيلي سوري ,له أعمال متنوعة و نشاطات مختلفة في العديد من البلدان
, أعماله تنبض بالحيوية التشكيلية ضمن خلفيات تجريدية مميزة يخترق المألوف السائد ,
يغرد بفنه ضمن ألوان وخطوط تحمل لغز المعنى ماثلاً بذكاء فني في معرضه الحالي
المقام في صالة الشعب بمدينة دمشق إذ استطاع أن يقدم نفسه بقوة عالم الفن التشكيلي
المعاصر من خلال قوة الأداء البارز في لوحاته ,يؤكد رؤية بصرية مميزة ذات خصوصية
فائقة الدقة و الإتقان يبحث عن لغة فنية متطورة تجرده من الأسلوب النمطي السائد ,
يسبغ على اختياره للمواضيع نمط الحياة الإنسانية ببراعته التشكيلية و ما تتواشج فيه
النفس الإنسانية من محاور ثقافية و اجتماعية .
"
بشير بشير "مثل صوت يخرج من الأعماق و يمتد إلى الأفاق يحاول أن يقدم كل ما في
استطاعته بقفزة واحدة سواءً في اللون أو الحركة وكذلك التداخل والأبعاد و قيم السطح
التي تشكلها الفرشاة السحرية لديه بحركتها الحسية و الحيوية , يعطي حقول من اللون
موزعة في فراغ مفتوح , متعة الدخول إلى دائرة الألوان , نغوص معه في حالات لها
خلفيات مسالمة , شاعرية و بركانية و هادئة أحياناً .
نجد
في أعماله الخطوط التعبيرية المتميزة و الفواصل التي تختفي وراءها جمالية محلية
تشكل اتجاهين متميزين هما الشرقي و الغربي معاً في آن واحد . دعوة إلى النمط اللوني
من الرسم الذي كان سائداً في أمريكا خلال الستينات من القرن المنصرم و التي تحاول
إعادة نفسها من جديد ( مدرسة نيويورك ) و هنا يلعب اللون الدور الرئيسي في تقييم
اللوحة عنده .
اعتمد الفنان على الصورة الديناميكية في بناء اللوحة في مرحلة نضج اللغة التشكيلية
وجعلها ضمن تنظيره للخطوط و المساحات مظهراً شواهد الإفراط في الجودة والإتقان ,
يلح على تصوير عالم المعنويات الجميل و هو يمس أعمق المشاعر في التراث التشكيلي
العربي أي عمق المشاعر التي تنتاب النفس أمام الجمال و يأتي بتصويره من زاوية
الرؤية التي لها صلة و وثيقة بالفن و نقده , تسمو بعلم الجمال الذي يبدعه فن الفنان
و عند التأمل بلوحاته بسكينة يجد القارئ أن الفنان قد برع في تصوير المشاعر
المرتبطة بتجارب الحياة هذا دليل على عمق التفاني و الإخلاص بالعمل إذ كان صادقاَ
في فنه , يتضمن أن جودة الفن لا يشترط فيها مطابقة الواقع لكنها من جانب آخر لا
تنفي افتراض أن ينطبق الفن على الواقع أحياناً و هكذا إلى أن يمر الوعي بأشكاله
التي اجتازها وهو يكتسب خبراته بذاته و بعالمه إلى أن يتحد بفنه و يتم نسخه من حيث
هو ذات مستقلة و يتم وضعه داخل الفن .
ولعل هذا النشاط الإبداعي بدأ من النظر في موضوعات الحياة بقصد أن يضيف الخاص منها
وهذا أقرب ما يكون إلى نشاط الوعي الذي لا يكف عن استهداف كل ما هو محوراً لنشاطه
الذهني .
تنتهي رحلة " بشير بشير " الفنية و تتحرر الأنا لديه و تتحول المشاعر التي كانت
تغلي في عروقه لسنوات إلى مشاعر تأملية و جمالية تحملنا في معرضه الحالي إلى فضاء
محكم البناء و آفاق معرفية يكتنفها سبر الأغوار البشرية يصعب تفسيرها حيث يلجأ إلى
مفردات حضارية بالإضافة إلى البناء الرياضي للعمل و التجريد الهندسي الذي يحكم
تقريباً معظم لوحاته .
كما
يتجاوز البعد المنظور الذي يحصر الرؤية في حيز مكاني محدد و يطلق خيال القارئ إلى
البعد الرابع الأكثر اتساعاً و إشراقاً .
الفنان يرصد المواقف الاجتماعية و البيئية إنها دعوة منه يجند فيها كل طاقاته
الفنية و إمكاناته التشكيلية مثلما جند أفكاره من قبل .
و
بذلك جاء فنه ليميز السمة المحلية عبر الموروث الحضاري ضمن زوايا اجتهادية و بحث
تجريبي معتمداً على الجرأة و الطاقة الحية و ذلك الزخم الهائل من الرؤى الإبداعية و
المنطلق الحقيقي الذي يدعم عملية الخلق الإبداعي و التعبير برؤية تعتمد على شكل و
رموز مضمونها الخط و اللون كوسيلة أساسية و الإسهام في الدخول إلى أعماق التأسيس
للأسلوب المميز كما أن مفهوم الفنان المعرفي المرتبط بالمدارس الفنية الحديثة جعلت
منه فناناً استطاع أن يعتمد على مرتكزات ذات تكوين جديد و يحقق مفاهيم جديدة بمظاهر
الحياة و بذلك أصبح متفاعلاً و منفعلاً و متوجهاً إلى الحياة بمفهومها المعاصر و
معاييرها الجمالية أي أصبح فنه أصيلاً و معاصراً فتح أبواب التذوق الفني و دور
الجماليات التي يحملها و فكرة البحث الشخصي لديه و الخروج عن المألوف و محاولة
إيجاد لغة تشكيلية جديدة مميزة بما تحمله من أسس في التصميم و العلاقة التشكيلية
التجريدية من الخطوط و المساحات و الفراغات و كذلك الأحجام و الألوان إضافة إلى
الظلال و الأضواء و الرموز و هذا كله يعمق من نظرتنا لفنه الرائع و يزيد من قناعتنا
بقيمته و تتضاعف قدرتنا على فهمه و تذوق أبعاده المستقبلية إذ أصبح جزء الحياة
المقروءة بصرياً من خلال معظم لوحاته فهي تأليف بصري لمجمل عناصر التشكيل و
التلوين السهل في المساحة و المنسجم مع الخطوط القوية ضمن أسلوب فني قوي مشبع
بهواجس جمالية يلتحم انسجام اللون مع روعة النغم للإيقاع الموضوع و كذلك أهمية
الانسجام الموروث البيئي و المتنوع ذي الإيقاع المعاصر في استخدام الألوان التي
عملت حدة التوازن في الإنجاز الفني و أضافت لكل لوحة من لوحات الفنان مناخاً
جدارياً مميزاً تبدو كحوارات هامسة ضمن بناء تصويري متماسك مليء بالحركة في هدوء
رصين .