وقفة مراجعة مع المنشدين الجدد
آلاء شحادة
استطاع النشيد الإسلامي في السنوات الأخيرة أن يوجد له حيزاً لا بأس به في الساحة الفنية ، بفضل نجومه الذين لم يألوا جهداً في تقديم كل جديد وممتع ، فشهدنا بذلك نقلة نوعية كبيرة في النشيد ، وتألقت أسماء جديدة كـ ( سامي يوسف ، موسى مصطفى ، محمد العزاوي ، أحمد الهاجري ، فهد الكبيسي ، محمد الحسيان ، أيمن الحلاق ، مصطفى العزاوي ، أحمد بوخاطر ، يحيى حوى ، أسـامة الصافي ، عبد القادر قوزع ، ميس شلش ، هالة الصباغ ، عنان الخياط .. ) وغيرهم كثير .
والنشيد الإسلامي ظهر ـ كما هو معروف ـ في بدايات السبعينيات من القرن الماضي ، مع ثلة جليلة من المنشدين الرواد الذين يقفون اليوم سنداً مهماً لمنشدينا الشباب ، وتشد على أيديهم ، وتكون لهم خير مرشد وناصح . ورغم كل الجهود الكبيرة التي بذلها المنشدون الرواد فلم يصل الإنشاد في عهدهم إلى ما يستحقه من مكانة وشهرة وانتشار ، ولسنا هنا في صدد الحديث عن أسباب ذلك .
أما المنشدون الجدد فكانوا وبسبب انفتاحهم على مستجدات العصر أكثر تنويعاً لألوان النشيد ، وأكثر تعايشاً مع واقع الإنسان العربي المسلم صاحب الهموم المختلفة ، فقد استطاع هؤلاء المنشدون الجدد الخروج عن المسار الديني البحت إلى مسارات أخرى أعم وأشمل ، فتناولوا قضايا الأمة المتنوعة بأهدافها وآمالها وآلامها ، وتناولوا قضايا الأسرة والمشكلات الاجتماعية العامة ، كما وتناولوا الجوانب العاطفية من صداقة وحب وما كان خاصاً بالأعراس ، بالإضافة إلى العديد من الموضوعات . ولا ننسى نصيب الأطفال من جهود هؤلاء أيضاً ، فالأطفال اليوم أوفر حظاً فيما يطربهم .
إلا أننا إن أردنا الحيادية والموضوعية ، لا بد لنا من وقفة جادة لكشف ما افتقده هؤلاء المنشدون الجدد ، ذلك لأن منهم من بقي متقوقعاً حول ذلك اللون من النشيد الذي عرفناه قديماً ، فالسيناريو لديه يتكرر ، والأدهى والأمر أنها في غالبها كلمات وألحان واحدة .
ومنهم من قبع في زاوية من الديار ، ينظر لما قدمه ، ويشارك نفسه ما يقدمه ، ويعلق آمالا على ما سيقدمه ، فيبقى في ركن وقد أعد لنفسه مملكة خاصة به ، قبع فيها وولى نفسه عليها ، وحاول توسيعها بنفسه ، دون أن يترك لأي جهد جماعي أن يشاركه فيها .
فأين تكاتف المنشدين ؟ أين المنشدون من مظلة تجمعهم وراية توحدهم ؟ إن رابطة الفن الإسلامي نراها ـ وإلى اليوم ـ عاجزة عن جمع هؤلاء ، فالرابطة في واد والمنشدون في واد آخر . ثم أين منشدونا من المطربين أو الممثلين الذين قاموا بعمل ( أوبريتات ) جماعية لأهداف سامية كقضية فلسطين وغيرها . لا أعتقد أن أحداً من القرّاء قد توارد إلى ذهنه الألبومات المشتركة التي تشارك فيها بعض المنشدين في نفس الإصدار ، فهي لا تُعتبر تكاتفاً ، لأن هذا النوع من الألبومات قد تكون فشلاً أكثر مما هي نجاح وتكاتف ، فهي تُعتبر هجيناً لا يرقى إلى العمل الفني المتقن .
ومن المنشدين مَن تنافس مع الآخرين كتنافس السباع على الفريسة ، ما دروا أنهم بذلك يتشبهون بالمطربين الذين وضعوا نصب أعينهم المصالح الدنيوية من شهرة ومال ، وتركوا حظهم من الآخرة فلم يبقَ بيننا وبين مساواتهم الشيء الكثير !!! لا أعني ترك التنافس ، فالتنافس من أهم أمور النجاح ، لكني أعني التنافس الشريف الذي يجعل المنشد يفرح من صميم قلبه إذا نجح أخوه المنشد الآخر .
ثم ألا يشعر القارئ معي أن الروحانيات التي كنا نلمسها في أناشيد المنشدين الرواد لم تعد موجودة في أناشيد منشدينا الجدد ؟ أليست غايتهم بث روح الإسلام فيمن ليست له روح ؟ فأين روح الإسلام فيهم أولاً ؟ وأقول ـ وبصراحة مُرّة ـ إنّ الجمهور الملتزم إن أراد أن يزداد روحانية فلا يسمع أناشيد المنشدين الجدد ، وإنما نجده يبحث عن أشرطة المنشدين الرواد القديمة ويسمعها ، وحينها تعتريه نشوة روحية ويقول في نفسه : الله يرحم أناشيد أيام زمان .
فلا بد من تسليط الضوء على قضية الكلمة ، لأن هدف النشيد الإسلامي في كلمته ، ولأن الكلمة هي منبع تلك الروحانيات التي كنا نلمسها في أناشيد المنشدين الرواد .. فللكلمة أهمية عظيمة في إيصال الأنشودة ومعانيها ، لا صوت المنشد وحده ولا اللحن وحده ، وقد قال تعالى ( إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم ) فنرى أنه تعالى استبدل بكلمة ( كلمة ) كلمة ( نبي ) وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عظم الكلمة وأثرها . وإننا لنرى فيما قدمه المنشدون الأوائل نعم الكلام ، فكانت لكل كلمة معنى ، وكانت كل كلمة تومئ إلى معنى ، وكانت كل كلمة تستدعي معنى ، فكان لذلك دور كبير في جذب السامع ، وإيصال المعنى المراد له ، ومن ثم شحنه بشحنات روحية لا قِبل لمنشديننا الجدد بمثلها . فما نراه اليوم – وللأسف – من ابتذال للكلمات ، وتقليل من حقها ، يوحي بضحالة ثقافة المنشدين الجدد ، لأن انتقاءهم للقصائد يوحي بضعف ثقافتهم الشعرية .. نحن لا نطالب بكلمات جزلة تتعب الأذهان ، وتهلك العقول ، ولكن لا بد من إعطاء كل موضوع حقه من الكلمات التي توضّحه وتشحنه وتبيّنه .
وتبقى نظرتنا نحو مستقبل النشيد أكثر تفاؤلاً ، وإني لأرى النشيد قد طال واستطال وازدهر ، ولكن لا بد من وقفة مراجعة جادة تعيد للنشيد رونقه ، وتجعله نشيداً يليق بعظمة الدين الذي ينتمي إليه ، ومن بعدها سنرى له ثماراً قد أينعت بإذنه تعالى.