بومة بكر زعرور في ندوة اليوم السابع

ناقشت ندوة اليوم السابع الاسبوعية الدورية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس قصة " البومة التي تغني " وهي قصة اطفال من تأليف بكر زعرور صدرت عام 2003 عن منشورات مركز اوغاريت الثقافي للنشر والترجمة في رام الله، وتقع القصة في 15 صفحة من الحجم الصغير تزينها رسومات علاء ابو غوش .

بدا النقاش مشرف الندوة  جميل السلحوت فقال :

بداية عنوان القصة وهو " البومة التي تغني " يقودنا الى السؤال فيما اذا كان البوم يغني ؟؟ والواقع أن البوم يصيح ولا يغني ، وبعض أنواع العصافير هي التي تغرد وتغني ، وصياح البوم مزعج لا رقة ولا نعومة فيه ، وصوته هو السبب في تشاؤم بعض عامة الناس منه .

وفي الموروث الشعبي كان العرب يتشاءمون من الغربان، وليس من البوم، لذا فان القارئ للقصص الشعبي كثيرا ما يجد بعض العبارات المتشائمة عن الغربان مثل قولهم : عند التقاء المتحاربين سواء كانوا افرادا أو جماعات وزعق غراب البين ، أمّا البوم وهي طيور حادة المناقير والمخالب ، تعيش على اصدياد بعض الطيور الصغيرة الضعيفة ، واصطياد الفئران وابتلاع الديدان، وحتى الأفاعي ، وهي في نفس الوقت ليست كاسرة أو مخفية، ويقال انها ضعيفة الإبصار نهارا، حادة الابصار ليلا ، وهي تحرك رأسها بشكل مستمر خصوصا عندما يمر قُربها انسان أو حيوان كبير الحجم ، وفي الليل عندما تكون قرب البيوت المأهولة ، وترى أي حيوان يتحرك مثل القطط والكلاب وحتى الانسان ، فانها تبدأ الصياح مذعورة وخائفة ، وصياحها المزعج هو الذي جعل العامة يعتقدون انها نذير شؤم ، وتحريك رأسها مع حركة عيونها ومنقارها الحاد جعل البعض يراها عابسة قبيحة المنظر ، حتى انهم يشبهون العابسين والمتشائمين بالبوم ، فيقال فلان أو فلانه مثل البوم . ولما كان الكاتب يهدف إيصال معلومة للأطفال بأن البوم طائر لطيف لا يحمل الشر لأحد كما جاء على لسان البومة ص 13 فنحن لسنا سببا لشرّ أو خير يحل بأحد" فانه لم يوفق باختيار صوت البوم كبرهان على ما ذهب اليه ، ولم يوفق أيضا في معالجة نظرة عامة الناس التشاؤمية تجاه طائر البوم مع أنه شخّصها بقوله على لسان البومة الكبيرة لإبنتها : يا ابنتي إن الذين هاجموك لا يحبوننا ، فهم يظنون أننا سبب المصائب التي تحل بهم " ص 6 فيأتي الرد على لسان البومة الصغيرة: " أنا لم أفعل شيئا يزعجهم ، بل حاولت إسعادهم " ص 6 .

فأيّ سعادة ؟ وأيّ طرب ؟ وأيّ راحة من صوت اليومة المزعج؟ وكان الأحرى بالكاتب أن يوصل للأطفال معلومة مفادها أن البوم حقا ليس سببا في خير أو شر بطريقة أخرى ،لأنه لا يستطيع أن يقنع الاطفال بأن صوت البوم غناء وليس ازعاجا .

اللغة : لغة الكاتب جميلة سليمة ، وهي لغة أدبية قريبة  الى فهم الأطفال ، واستعمل في قصته بعض فنون البلاغة مثل قوله : " الى أن تصحوا الشمس من نومها " ص 8 ، كما أن قصته فيها تشويق .

الرسومات : الرسومات المصاحبة للقصة والتي قام بها علاء أبو غوش جميلة ، وتتناسب والموضوع، وحروف الطباعة واضحة ، والاخراج أيضا موفق وجذاب للطفل القارئ .

ثم تحدث  موسى أبو دويح فقال:

قصة الأطفال هذه ، قصة قصيرة مصورة ، يحمل غلافها صورة بوجهين لبوم كبير وصغير . جاء فيها أن البومة حلقت يوما عاليا في السماء فخافت وهبطت سريعا الى مكانها المعتاد، الا أنها بعد مدة عادت الى التحليق المرة تلو المرة ، حتى أحبت التحليق عاليا في السماء . وهذا يدلنا على أنه لا بُـدّ من تكرار الفعل مرات ومرات حتى يصبح معتادا مألوفا 

ثم عادت البومة الى التحليق أعلى من كل تحليق سابق، حتى رأت انوارا براقة وبيوتا جميلة ، وحيوانات غريبة خارج البيوت ، فأخذت البومة تغني لها الا أنها صدتها وقذفتها بالحجارة ، فعادت البومة فزعة الى أُمّها تخبرها بما حصل معها في رحلتها، فأخبرتها أُمّها إن الذين أفزعوك لا يحبوننا، وهم أهل الغرب لأن البوم طارت غربا، أمّا اذا توجهت نحو الشرق فستجدين عالما جديدا يحبك وتحبينه ، وبالفعل طارت البومة وطارت وطارت، نحو الشرق، فوجدت بنات  جنسها من البوم تلعب هناك ، فهبطت وسألتها : كيف تلعبون بين بيوت الناس هنا ؟ فأجابت البومات : بأن الناس هنا يعتقدون أننا سبب كل خير لهم، وأن القطط هي سبب كل شرّ لهم . ولذلك لا ترين قططا هنا .

ولمّا جاءهم قطّ هزيل مسكين، هاجمه الناس وطردوه ، فتذكرت البومة ما كان يجري لها في الغرب ، فحزنت على القط المسكين .

وبعد أن قضت مدة في الشرق ، فكرت في العودة الى ديارها الأولى، فعادت بعدما سمنت من كثرة الغذاء وقلة الطيران . وأخدت تغني في وطنها الأول حتى توجد المحبة بين الجميع .

ويؤخذ من هذه القصة أن الأساطير الموجودة في الغرب هى غير الأساطير والخرافات التي في الشرق ، فالشرق شرق ، والغرب غرب ، ولن يلتقيا حتى في الأساطير .

وتعيش طيور البوم في معظم انحاء العالم ، وهي طيور ليليه جارحة ، تشبه الصقور ، أقدامها كبيرة قوية ، ومناقيرها معقوفة ، ومخالبها طويلة حادة ، وعيونها مكيفة للإبصار في الظلام ، وتقدر على الرؤية نهارا،ولكنها تقضي النهار في الكهوف أو على الأشجار ، وريشها ناعم منفوش ، وطيرانها لا يكاد يسمع .

وفي أوروبا يرمز بالبوم الى الحكمة ، وفي بلاد العرب تعتبر البوم نذير شؤم ، ويضرب بها أي طيور البوم المثل في الشؤم وفي قبح الصورة والصوت.

والبوم والبومة كلاهما تطلق على الذكر والأنثى .

وبعده قال سمير الجندي:

البومة التي تغني، وكأن هناك بوم يغني وبوم لا يغني، تحدث الكاتب عن أول تجربه طيران لفرخ من فراخ البوم، وما يرافق تلك التجربة من خوف وقلق، كما الطفل في أولى خطواته، ولكن الطفل لا يخاف، فالأهل هم الذين يخافون، وعودة البوم الى عشّه وإخوته الذين لم يجربوا الطيران بعد.

في التجربة الثانية يظهر أن البومة زارت حيّ سكن فلسطيني فالمعروف ان الفلسطينيين يتشاءمون من البوم، ويعتبرونه فأل شؤم كما " الغراب لا ينعق الا بالخراب " وما أن سمعه أهالي الحيّ حتى أمطروه حجارة وصياحا، فعاد الى أمّه يحتمي بها. وقصّ عليها ما حدث، فأخبرته عن تجاربها وعداء هؤلاء لها ولأمثالها، وهنا ترشد الأمّ طفلها ( البومة فرخها) عن كيفية الطيران، وعن أفضل الاأوقات وأنسبها ،وأكثرها ملائمة  " يا صغيرتي . اذا حلقت عاليا جدا فلن تستطيعين رؤية أي شيء، أمّا اذا جعلت الشمس الذاهبة الى النوم وراءك، وطرت سريعا فإنك قد تجدين عالما جديدا لم أعرفه أنا " ذلك أن البوم لا يرى في ضوء الشمس القوي، لذا أنسب طيران له حين الغروب، بحيث يجعل الشمس خلفه أي الطيران جهة الشرق .

وقال محمد موسى سويلم:

حطت البومة في مكان غريب في هذا العالم، ويا ريت لو أنّ السيد بكر زعرور ذكر لنا هذا المكان لنعرفه ونعلمه لأطفالنا، فكان يتفاءل بالبوم، سمعنا عن الهند التي تقدس البقر، وسمعنا عن دول تتخذ من النسر والصقر والأسد والدب .. شعارا لها ،ولم نسمع عن دول اتخذت البوم شعارا أو أحبت مثل هذه الحيوانات وأن القط هو مصدر شرّ أو تتشاءم من القط، وبذا المعلومة هنا غير مكتملة ، لا بأس الطعام متوفر بكثرة، ولعدم وجود قطط فالطعام يلا حدود وصدق الشاعر مصائب قوم عند قوم فوائد، وما أن رأي البوم تلك المناظر من ضرب للقط حتى تألم كثيرا ،وقال في نفسه مسكين هذا القط كما نحن في بلاد معينة، فالقط ليس مصدرا للشر، أو سببا له، كما اننا لسنا مصدرا للشر أو سببا له، انها المعتقدات الخاطئة ورواسب من الماضي انتقلت جيلا بعد جيل .

اشتاقت البومة لوطنها رغم كره الذين فيه للبومة وتشاؤمهم منها ولكن مسقط الرأس غزيز ويستحق التضحية وصدق احمد شوقي : -

وطني لو شغلت بالخلد عنه

                            نازعتني اليه بالخلد نفسي

وهكذا عادت ولكنها طارت بعكس التيار اذ جعلت الشمس الذاهبة الى النوم امامها مما أرهقها وأتعبها، ولكن الوطن يستحق التضحية، كما يفعل سمك السلمون حين يصل الى مرحلة البلوغ، ويريد ان يضع بيضه يعود الى مسقط رأسه فيسبح بعكس التيار، فاذا وصل  مسقط رأسه يضع البيض، وهكذا نجد ان الوطن غال وعزيز على كل المخلوقات، فحق العودة مكفول للحيوان، وحبذا لو يُكفل للانسان ايضا " فاعتبروا يا أولي الالباب " صدق الله العظيم .

وبعده تحدث تحدث سامي الجندي فقال :

القصة جاءت على لسان البومة الصغيرة التي بدأت باكتشاف الأشياء حولها واجادة الطيران والتحليق .

فلفت انتباهها ان الناس لا يرحبون بها بينهم، ويعتبرون وجودها يجلب لهم الشر وسوء الطالع، لذلك فان أبناء جنسها باتوا يتجنبون الناس .

البومة الصغيرة سعيدة باكتشاف البيوت والأضواء والطيران عاليا .

وذات يوم غادرت موطنها الأصلي لتطير الى البعيد قاطعة مسافات طويلة على مدار ايام ، كانت تحط خلالها بين البيوت، فلا تلاقي الترحيب . وفي أحد المرات في بلاد بعيدة رأت على الارض مجموعة من أبناء جنسها تلعب بين البيوت . ص 10 ، علمت منهم أن السكان يرحبون بها ويتفاءلون بوجودها بعكس القطط ، حيث تعتبر جالبة للشرور حسب معتقدات سكان هذا البلد.

أعجب بومتنا المكان وأقامت فيه مدة طويلة ، وكان الطعام متوفرا دائما وفي أحد الأيام ، رأت منظرا محزنا . ص 12 رأت الناس يضربون قطا مسكينا ويلاحقونه فتذكرت ما حصل ويحصل لها ولأبناء جنسها، وقالت لنفسها، انه لا يمكن ان يكون هذا القط المسكين سببا للشر ، قررت بعد ذلك بقليل أن تعود الى وطنها لتعيش مع جماعتها وشعبها، ولتتقاسم معهم الحزن والفرح .

القصة ملائمة للقراءة من قبل الأطفال بمختلف الأعمار وحتى للكبار ايضا لما تضمنت من حكمة واضحة حول الخير والشر .

لا يمكن أن يكون مصدر الشر أو الخير سوى الانسان الذي يعزو الشر احيانا للقطط، وفي احيان أخرى للبوم، حتى انه يتشاءم من الغراب ، تصوروا الغراب الذي يطربنا في تنقلاته وطيرانه بين أحراش الصنوبر والسرو . وقد ذهب البعض أبعد من ذلك في تشاؤمه من الارقام ؟ 13 مثلا .

باختصار ان مصدر التشاؤم هو الانسان وجهله .

ثم تحدثت روض حسين وقالت :

البومة التي تغني : غلافها جذاب ، تناول الكاتب الاختلاف بالنوع والمكان ، قصة ذات ابعاد وكأنها تقول الغرب شيء والشرق شيء آخر، فلكل فكره ومعتقده الذي يميزه عن الآخر،

وأن الصواب في مكان ما هو خطأ احيانا في مكان آخر، والنقطة الأساسية التي استشعرتها اثناء القراءة هي الوطن :

فالوطن للانسان كحبل السرة للجنين، والغربة تعني الاقتلاع من التربة المناسبة

الغربة تعني الحرمان من المألوف، الحرمان من الحب والدفء والحنان والانتماء والعفوية والشعور بالسكينة داخل النفس.

فالوطن عزيز حتى وان كانت الحياة فيه غير منصفة وعادلة

والانسان يخرج من الرحم الأول وهو رحم الأم الى الرحم الثاني وهو الوطن

وليس هناك رحم ثالث الا القبر.