ملامح الدراما النسائية الأمازيغية بالريف

جمال الدين الخضيري

ملامح الدراما النسائية الأمازيغية بالريف

مسرحية: "ثدارث ماما فاظمة" نموذجا

جمال الدين الخضيري

*مدخل:

هل يجوز لنا الحديث عن بروز ملامح مسرح نسوي أمازيغي بالريف أو ما يسمى ب(الدراما النسائية) تماهيا مع تصنيف باتريس بافيس لهذا المسرح في معجمه والذي سماه بمسرح النساء Le théâtre des femmes باعتباره مسرحا يتم إخراجه وتشخيصه من قبل النساء ويتناول مواضيع ترصد المرأة ومشاكلها في مجتمعها .نقول هذا، لأنه ظهرت مجموعة من المسرحيات الأمازيغية انصرفت إلى قضايا المرأة بواسطة المرأة نفسها تأليفا وإخراجا وتمثيلا. وليس بالغريب أن تكون للمرأة الأمازيغية أماكن وإبداعات خاصة بها. وتحضرني هنا ظاهرة الأسواق النسائية بالريف، والتي مازالت مستمرة إلى يومنا هذا ببعض المناطق. والحقيقة أن هذه الأمكنة (أسواق النساء) تعتبر مؤسسة متميزة فبالإضافة إلى طابعها التجاري تكتسي أهمية تواصلية وبإمكان المرأة أن تمارس فيها عدة طقوس بعيدا عن أعين الرجال، مما حدا بالإثنوغرافي الأمريكي دافيد هارت إلى القول بأن الأسواق الخاصة بالرجال ذات وظيفة اقتصادية في حين أن أسواق النساء تتمتع بوظيفة اجتماعية. والمسرح باعتباره فضاء يختزل المجتمع وخشبة يمكن ملأها بالطريقة التي نشاء، فإننا نجد فيه لمسات المرأة وإبداعاتها وخصوصيتها، ولن نبالغ إذا قلنا إن المرأة الأمازيغية فنانة بالفطرة سواء في مسرح الحياة وهي تردد أهازيج (رالا بويا) أم في المسرح / البناية وهي تحاكي التقاليد والثقافات الشعبية المحلية؛ لذا فإننا نجد اثنوغرافيا آخر وهو الاسباني أنجلو غريلي الذي زار منطقة الريف في عشرينيات القرن الماضي والذي ألف كتابا مهما عنها والذي وسمه ب :

- مسرحية " أقلوز"، التي قامت بإخراجها وتشخيصها لويزة بوسطاش، مركزة على المرأة وطقوسها اللعبية من خلال إبراز خصوصياتها وبعدها الجسدي والاثنوغرافي، وذلك بواسطة عدة مظاهر والمتمثلة في: الوشم وطريقة التزين، واللباس المستعمل، والحركات (الجيستوس). جاء ذلك من خلال توظيف شكل فرجوي فطري خاص بالمرأة وهو ما يعرف بفرجة "أقلوز" التي كانت تمارس بكثرة في احتفالات وأعراس الريف. إنها فرجة استعراضية تكشف عن الجسد الراقص للمرأة ، لكن بشكل تهكمي، إذ تلجأ الراقصة إلى وضع إناء أو أي شيء دائري حول خاصرتها مما يجعل عجيزتها بارزة بشكل مبالغ ومضاعف. إنها دعوة إلى تحرر الجسد بإدخال تشويهات عليه وتسمين بعض أعضائه. وهذا يذكرنا بالجسد الكرنفالي الذي يعتمد بدوره على المضاعفة والنفخ. مما يجعلنا نعتقد أن هذه الفرجة قديمة جدا ومارسها الأمازيغ إبان احتفالاتهم وطقوسهم في أفضية خارجية لتتسلل بعد ذلك بعض بقاياها إلى أعراسنا بالشكل الذي تمارس به الآن.

- مسرحية "تمرد امرأة"، وهي من تأليف وتشخيص ماجدة بناني تدخل في هذه الخانة أيضا، بحيث تسلط الضوء على المرأة في المجتمع الأمازيغي وصراعها مع الرجل الذي يسعى إلى تكبيلها وفرض توصياته عليها. المسرحية تصور الأب بشكل قاس جدا، إذ سيعتدي على ابنته بطريقة وحشية، وسيفتض بكارتها مما سيؤول بها إلى الانتحار هروبا من الواقع ودرءا للفضيحة.

- مسرحية " نساء الزابوق"، وهي مسرحية من تأليف سلوى الروكي وإخراج ماجدة بناني. ترصد هذه المسرحية واقع التهريب الذي تمارسه بالخصوص النساء، حيث يسلكن المعبر الحدودي الفاصل بين مدينة الناظور ومدينة مليلية المحتلة. وتحيلنا المسرحية بشكل صريح إلى المكان الجهنمي"الزابوق" وهو ممر ضيق على جنباته قوات مدججة بالعصي والأسلحة، فتصبح النساء المشتغلات في التهريب اللائي يضطرن لعبوره عرضة لعدة مضايقات واعتداءات.

بيد أن أهم مسرحية في هذا الإطار التي تعاملت مع قضية المرأة باحترافية هي مسرحية "ثدارث مما فاظمة"

Didascalique) ، ذا دلالة خاصة مادام أنه يشي ببطلة المسرحية وشخصيتها المحورية"ماما فاظمة". وبهذا يكون قد سهل على المتلقي المأمورية، وخلق لديه أفقا للانتظار، لأنه يدل على العرض ويفصح عن بعض الأشياء المحيطة به، بل يسعى إلى خلق ميثاق فرجوي تواصلي مع المتفرج وإثارة فضوله وأسئلته.

المسرحية تبدأ بتقديم الأحداث من خلال توظيف شخصية الراوي الذي يمهد لوقائعها ويقدمها للمتفرج. وهذا يشكل قفزا على حدود العمل المسرحي وذلك بكسر الإيهام وكشف موضوع المسرحية والإعلان عن بدايتها وإعطاء بعض التوضيحات للجمهور التي من الممكن أن تفيده في فهم المسرحية والإمساك بخيوطها. يلج الراوي الخشبة متجها نحو مقدمتها التي تشرف على الجمهور مبينا أن هذا العرض يتحدث عن ثلاث نساء وبعد ذكرهن ينسحب ليوكل الأمر لهن لينصهرن في فضاء العرض. ومن ثم يبدأ الحكي عن معاناتهن سواء منفردات أم مجتمعات يشتكين من تسلط الأم" مامة فاظمة" وسد الأبواب في وجوهن ومحاصرتهن، وتصوير الرجل لهن بمثابة غول كاسح يجب الحذر منه. وهكذا تبدأ المأساة التي تتجسد في هذا الانغلاق/السجن، والخوف من وطأة المجتمع وتقاليده التي لا ترحم. وفي ظل هذه الأجواء يحتدم الصراع بينهن، وتسود وسطهن سلوكات شاذة، فكل واحدة تغار من الأخرى. ونتيجة لهذا تتعرض الفتاة المخطوبة المسماة" ماموش" لكيد نسوة الدار، إذ ستلجأ إحداهن إلى سرقة صورة خطيبها. وهكذا يصبح الحديث عن الرجال والتوق إلى العالم الخارجي هو الشغل الشاغل لديهن. وتأخذ أحداث المسرحية منحا تراجيديا بانتحار إحدى بنات مامة فاظمة نظرا لعدم تمكنها من الزواج وبسبب الضغط الممارس عليها. وفي الوقت الذي تبدوا فيه المسرحية متجهة نحو نهايتها بهذا الانتحار يبرز الراوي مرة ثانية ليعيد صياغة الأحداث ويقدمها للمتفرج في شكل آخر، بحيث يخلخل أفق انتظار المتلقي ويكسر الإيهام مبينا أننا في لعبة مسرحية قابلة للاستدراك والتحيين، وهكذا يرفض موت الفتاة، ويرفض أن تنتهي المسرحية بهذه الطريقة، ويدعو إلى تشكيل نهايتها بشكل مغاير. لذا سيلجأ إلى استدعاء الشخصيات(النسوة) واستنطاقها، فيبدأ بربة المنزل ويسألها عن سبب إغلاقها للأبواب في وجه بناتها، لتجيب أن زوجها المتوفى هو الذي أوصاها بذلك، بمعنى أن سلطة الرجل حتى أثناء غيابه تظل حاضرة، ودائما هي سبب المعاناة. وتبادر الأم في النهاية كنوع من التكفير عن خطئها إلى فتح الأبواب المغلقة و كذا إطلاق العنان لبناتها قصد اقتحام العالم الخارجي. ويطلب الراوي من باقي الفتيات أن يقترحن حلولا لازمة لهذه المعضلة التي حالت دون تحررهن، فجاء اقتراحهن على الشكل الآتي:

وفيما يخص الديكور الذي وظفته المسرحية فكان ثابتا طيلة العرض، وهو عبارة عن دار مغلقة مصورة من الداخل وبالخصوص الفناء" رمراح" الذي كانت تجري فيه الأحداث، حتى إن الأبواب المستعملة في (فوندو)الخشبة كانت تحيل دائما إلى الداخل أي غرف المنزل ذاته، مما يجعل الخارج أو ما يحيل إليه منعدما. ومن ثم لا يمكن الحديث في هذا العرض عما يسمى(جهة الساحة، جهة الحقل= (Coté cour,Coté jardin . وهو ما يقابل الداخل والخارج. وفي أعراف تأثيث الخشبة المسرحية أنه عندما يتم اعتماد هذه المعايير تخصص جهة اليمين من وجهة نظر المتفرج للشخوص الداخلة من فضاء داخلي cour وجهة اليسار للشخوص التي تأتي من الخارج jardin أو بالأحرى ( الشارع).

Plein feu ) على الرقعة المستغلة، وغياب ثنائية السطوع والعتمة والتنويعات المناسبة للمشاهد الدرامية، باستثناء المشهد الذي أعقب انتحار الفتاة الذي تلته لوحة كوريغرافية تعبر عن الحزن ومن ثم تغيرت الإضاءة وأصبحت خافتة تتراوح بين الأسود والأزرق.

* هل من خصوصية لمسرح النساء؟

- تبرز في هذا النوع من المسرح ما يسمى بالجستوس الاجتماعي gestus social وهو استعمال للجسد بطريقة متميزة أثناء تفاعله مع غيره من الشخصيات وأثناء تعبيره عن وجهات نظر معينة. ويبدوا أن النساء الامازيغيات يتميزن بقدرة مذهلة في هذا التفاعل لاسيما في حالة الرقص لأنهن فنانات بالفطرة كما قلنا سابقا، والأهازيج المصحوبة بتمايلات الجسد مكون وجودي لهن، وطقس يمارسنه يوميا. لذا فإن أجسادهن جد مروضة قبل أن يعتلين خشبة المسرح.

**