الفائز الأول في مسابقة (منشد الشارقة)

المنشد إبراهيم الدردساوي

والخطوات الأولى للمنشد الواعد

( 1 )

نجدت لاطة

[email protected]

بصراحة .. أنا أعطيت صوتي للمنشد الأردني إبراهيم الدردساوي ، ولكن ليس لأني أسكن في الأردن ، وليس عصبيةً لبلاد الشام ، وإنما أعجبني فيه : صوته ، أداؤه ، شخصيته الفنية ، تمكنه من أداء الألحان الصعبة . وشعرتُ أنه يمكن أن يصبح في المستقبل منشداً كبيراً ، فالخامة لديه رائعة وقوية ، فقد استطاع أن يتقن أداء أنشودةٍ للمنشد الكبير ( أبو دجانة ) دون ضعف أو إخلال فيها ، مع أني رجَوت منشدي النشيد الإسلامي في مقال سابق عدم إنشاد أناشيد أبي دجانة وذلك لصعوبتها وحاجة الصوت إلى قوة زائدة عند المنشد لأدائها بشكل كامل ، ولكن المنشد إبراهيم الدردساوي استطاع أن يؤدي أنشودة أبي دجانة بقدرة عالية تدل على وجود مساحات واسعة في قدراته الصوتية .

 بالإضافة إلى أن المنشد إبراهيم الدردساوي يُشعر مشاهديه بأنه لا يتكلّف في إنشاده ، فهو يندمج اندماجاً رائعاً مع معاني أناشيده ، فحركاته طبيعية ، وهذا يعني أن لديه إحساساً عميقاً بفنه ، وأن تلك المعاني تخرج من ذاته ومن صميم قلبه ، وبالتالي تؤدي هذه العفوية لديه إلى اندماج المشاهد مع المنشد ومعاني أنشودته .

 وهناك أيضاً وسامته ووجهه السمح ، وهذه ضرورية عند المنشد ، وصحيح أن هذه الصفة ليس للمنشد دور فيها ، ولكن إن وُجدت فهي تساعد المنشد في الوصول إلى قلوب الجمهور ، فالنفوس جُبلت على حب الوجه السمح والوجه الوسيم . ولعل أحد الأسباب التي جعلت الجمهور يتقبّل المنشدَين سامي يوسف وموسى مصطفى تقبّلاً كبيراً هو وسامتهما . وفي مجال الإعلام فإن أحد الشروط التي يجب أن تتوفر في المتقدمين للعمل في القناة الفضائية هو الوسامة أو الوجه السمح ، سواء أكان ذكراً أم أنثى .. كي تكون طلة هذا المقدّم أو المقدّمة في القناة تشرح النفس .

 فالمنشد إبراهيم الدردساوي يملك ـ برأيي ـ من القدرات الفنية أكثر من بقية المنشدين في المسـابقة ، لذا صوّتُّ له . ولا يعني هذا تقليلاً من بقية المنشدين ، فكلهم خير وبركة ، وإن شاء الله نراهم في ساحة النشيد الإسلامية . ومقالي هذا يخص المنشد إبراهيم الدردساوي ويخص بقية المنشدين في المسابقة ، ويخص أيضاً كل منشد مبتدئ وواعد .

 فالمنشد إبراهيم الدردساوي وضع الآن خطوته الأولى على سـلم الاحتراف ، والجمهور سينتظر منه أعمالاً فنية تليق به ، وتليق بالفائز الأول في مسابقة منشد الشارقة . فكيف سيخطو خطواته الأولى في الإنشاد ؟ وكيف سينمّي موهبته الفنية ؟ أنا أعلم أن كثيراً من المنشدين يعتقدون أنهم يعرفون الإجابة عن هذين السؤالين ، ويعتقدون أنهم يطبقون ذلك عملياً . ولكني أعتقد غير ذلك ، والسلبيات الكثيرة الموجودة في حركة النشيد الإسلامي توحي وتؤكد ذلك ، وهل هناك أدلّ على كلامي من أن قضية التلحين واستعارة الألحان من الأغاني ما زالت على أشدها ولا نجد لها حلاً عند المنشدين ؟

 ومنذ سنتين نتراسل أنا والمنشد السعودي الواعد عمر يوسف الذي هو عضو في فرقة ( صدى الخليج ) ، فكان يسألني عن قضايا النشيد ، وكيف ينمّي المنشد موهبته الفنية ، وكيف يثٌّقف نفسه ، وغير ذلك من قضايا الفن . فكنت أجيبه على هذه الأسئلة ، فكان يستغرب مني ـ أحياناً ـ حين أنصحه بالاستفادة من المطربين ، ولا عجب في استغرابه ، فالمطربون لا يشرّفون أحداً في هذا الزمان ، لِما تحوط بهم أجواء غير ملتزمة بتاتاً . ولكن عدم التزامهم شيء ، والاستفادة منهم شيء آخر . وديننا العظيم علّمنا أن الحكمة ضالة المؤمن ، أنى وجدها فهو أحق بها . فإن وجدها على لسان مجنون أخذها ، وإن وجدها على لسان حكيم أخذها ، وإن وجدها على لسان مؤمن أخذها ، وإن وجدها على لسان كافر أخذها أيضاً ، وإن وجدها عند المطربة أم كلثوم فكذلك ينبغي أن يأخذها . فكما أننا نستفيد بشكل كبير من الشرق والغرب في شتى العلوم ، فكذلك يمكن الاستفادة منهم في الفنون والآداب ، بيدَ أن هذه الاستفادة ينبغي أن تكون ضمن إطار تعاليم ديننا الحنيف .

 والمنشد الواعد ينبغي أن يتعب على نفسه في البداية ، لأنه لا بدّ أن يكون الأساس قوياً ، وكلما كان الأساس قوياً كلما طال العمر الفني للمنشد ، فكم من مطربين ظهروا على السطح من خلال أغنية واحدة ، وكم من مطربين فازوا في المسابقات الغنائية ، ولكنهم انطفأوا بعدها مباشرة ، ولم يتمكنوا من الاستمرار في ذلك ، فكان الهبوط والأفول نهائياً من الساحة الفنية . وذلك يعود إلى أنهم لم يكونوا ذا أساس قوي ، ولم يعرفوا كيف يخطون خطواتهم الأولى في الفن ، ولم يدركوا أن الحياة في الفن لها أسس ومبادئ وقواعد ، ولها نظام حياتي ينبغي أن يحافظ الفنان عليه ، ولها إتيكيت يجب على الفنان أن يسير وفق أدبيات هذا الإتيكيت . وبالإضافة إلى ضرورة أن يعرف الفنان أهمية الدعاية في مسيرته الفنية ، فيحافظ على الدعاية المطلوبة لنفسه دون غرور ودون أي تكبر أو تفاخر ، وصحيح أن ديننا الحنيف علّمنا التواضع وعدم التفاخر ، ولكن إذا كان الفنان لم يقم بالدعاية بنفسه فمن سيقوم بالدعاية له ؟ فتقزيم النفس مرفوض ، لا سيما في الفن ، ويكفينا أن الحكومات لا تقوم بالدعاية للمنشدين ، فهل يُعقل أن يأتي المنشد فيزيد الطينة بلةً فيتواضع فيزداد اختفاء وابتعاداً من الساحة الفنية ؟

 فكيف سيخطو المنشد خطواته الأولى ؟ هذا ما سنعرفه في الجزء الثاني ..