الأسيرات .. و رموز واهية فجة
د. كمال يونس
قدمت فرقة وزارة الثقافة الأردنية على مسرح العرائس بالقاهرة عرض الأسيرات ،عن مسرحية جريمة في جزيرة الماعز للكاتب الإيطالي أوجوبتى ، وقدمتها السينما المصرية في فيلم الراعي والنساء ، وعرض الأسيرات ، بطولة سهير فهد ( الأرملة ) ، رانيا الحارثى ( الأخت )، هيفاء كمال خليل ( الابنة ) ، خالد الغويرى ( الغريب ) ، إعداد وإخراج خليل نصيرات .
تعرض المسرحية لرجل غريب كان صديقا للزوج يقتحم عالم النسوة الثلاث ، الأرملة ، والابنة ، والعمة ( شقيقة الزوج ) ، فبعد أن كن يعشن وحيدات طاويات جناهن على آلامهن وحرمانهن العاطفي والجنسي ( الأبواب الحديدية والبيت الخالي من الزرع )، مما جعل عالمهن جافا متشققا من شدة جفافه استطاع الذكر الغريب بالتحايل والعزف الشيطاني على المكبوت من مشاعرهن ( رمز الحبل )، جذبهن إليه واستولى عليهن جميعا ، وقد قيدهن إلى حد ما بالانجذاب تارة إلى الأرملة، وتارة إلى الابنة، ومرة إلى العمة ( ربطهن له بالحبل )، ليطفئ شهواتهن الجنسية من فيض ذكورته ، وخاصة أنه ليس هناك غيره،وقد ظهر فجأة في عالمهن ( طفايات الحريق ينثر رغوتها عليهن واحدة ..واحدة أو مجتمعات ) ، ولكن تثور الابنة على هذا الوضع، ولا تريد لأحد أن يحتل فراش أبيها ويرتدى ملابسه ، وينام في فراشه مع أمها ، لذا تقرر قتله ، ولكنه يخطف المسدس من يدها ، ويذلها ، ويستعلى عليها وعلى أمها وعمتها بذكورته ( وقوفه على الدكة وهو يشد شعر الابنة ، وسط عجز الأم والعمة أن يفعلن شيئا ، ولكن تثرن الثلاثة وتقررن التمرد وطرده من فيغلقن عليهن الأبواب بالمفاتيح ، ويؤكدن على غلقها ( استعمال عدة مفاتيح لغلق الأبواب في هيستريا ورميها على الأرض ) ، والعودة إلى ما كن فيه من كبت أو تحكم في رغباتهن ( وضع ثلاث طفايات للحريق بجوار كل باب )، وأخرى رابعة وقد تركنه مطرودا خارج البيت ، لا يستطيع الوصول إليهن ، وقد أججن رغباته ( طفاية حريق رابعة من داخل البيت ترمز لرغباته الجنسية ) .
الحوار بلغته الفصحى السهلة ، وقوته ، تبعثر في العرض المليء بالرموز الدلالية الدرامية ، وبعضها كانت سطحية جدا خاصة رغوة طفايات الحريق ، وقد أثارت الضيق في نفوس جمهور المشاهدين ، وقد ركز كمعد على تفاصيل شخصية الزوجة والغريب أكثر من الابنة والعمة ، ولكن الدكة في منتصف مقدمة المسرح، واستخدامها كملعب درامي لأهم انفعالات شخصيات العرض وممثليه ، مثل تعالى الرجل عليهن بذكورته بدوام التحدث من فوقها ، ارتعاشات وحركات الأم الدالة على الشبق وتأجج الشهوة ، استسلامهن إليه تحت وطأة الرغبة عند الدكة وفوقها ، تألقت الممثلة سهير فهد ( الأرملة ) في كشف كوامن الشخصية التي تؤديها بفهم واع وأداء محترف، ما بين تهدج صوت وانفعالات وارتعاشات وثورة وتدلل وتذلل وغضب وحيرة من تنازعها لأمومتها ورغباتها أمام ابنتها ، وأفلحت هيفاء كمال خليل ( الابنة) أن تجيد دورها بين البراءة والكبت والثورة ، وكذلك العمة رانيا الحارثى لم تهمل أي من تفصيلات شخصيتها ،العمة والابنة كل في محيط مساحة ما كتب لها ، وأبدع خالد الغويرى ( الغريب ) فهو ممثل ذي إمكانيات وقدرات فنية رائعة .
أما المعد والمخرج خليل نصيرات فقد أساء في استخدام الرموز، خاصة الطفايات والرغوة ، وعرض لمشاهد فجة تتنافى وتقاليد المشاهدة في المجتمعات العربية وإرثها الثقافي والشعبي والديني ، ولم يجد استخدام الإضاءة ولم يحسن توظيفها ، مثلا الإضاءة الخلفية المزعجة التي تصدر من منتصف الخلفية فقدت الرمز والمدلول والوظيفية الدرامية ، وآه من المؤثرات المزعجة من صفق للأبواب الحديدية بصورة مؤذية للسمع بعيدة تماما عن تفهم الرمز والمدلول الفني متكررة وواهية الدلالة، موسيقى العرض منقطعة الصلة بالأحداث ودراما العرض ، غير دالة ولا معمقة للأحاسيس والمواقف ، وعجبا للأغنية بالعامية الأردنية النطق بالفصحى في أول العرض وآخره ،فبدت خارجة على السياق العام للحدث في حكاية بعيدة عن الإرث والمفهوم الشعبي، ، وعلى الرغم من هذا فقد أحسن توظيف الملابس وألوانها الملابس السوداء للأم والعمة ( الحزن )، والبيضاء للبنت ( البراءة ) ، وعليهن جاكيت بلون ملابس الجنود ( رمز لعيشتهن القاسية )، ولكن لم يتحقق للمخرج تحقيق إيقاع عام للعرض ولم يحسن الربط بين أدواته المسرحية كمعد ومخرج للعرض القديم الموضوع ، ليظهر الموضوع ، المهلهل التناول لكثرة الرموز الواهية المضمون ، وبعد المضمون عن الواقع العربي وتقاليده في التناول الفني مسرحيا.