في المسرح الجزائري 2
في المسرح الجزائري
مسرحيّة "ياقوت والخفاش"
لأحمد بودشيشة (2)
ياسين سليماني
[email protected]
2-المنظر وتقسيماته في
المسرحيّة:
إنّ المنظر بالنسبة
للمسرحيّة هو الأساس الأوّل الذي يقوم عليه كلّ العمل، فلا مسرحيّة بدون منظر، أي
المكان أو الديكور وكلّ ما يتعلّق به، بمعنى من المعاني هو المسرحيّة قبل بدايتها
أو هو المسرحيّة بدون شخصيات وأحداث، لذلك فالمنظر يُعلمنا بكان حدوث الأحداث
وتلاقي شخصياتها وتجربتهم التي يصوّرها الموضوع ، وهو يعلمنا بالوقت وكلّ ما يمكن
أن تستغلّه الشخصيات أو تحتاج إليه أو يساهم في إعطاء مشهد متكامل حول طبيعة
الشخصيات التي ستبدأ عمّا قليل بالتفاعل. باختصار فإنّنا لا نجد في المنظر حركات
وكلام وهذا عكس ما نراه عند بودشيشة فهو يقول في ص5:
" في صدر المسرح كوّة
صغيرة مثل النافذة مرفوعة كلَّتها ، النور ينبثق منها إلى الداخل ، في الركن الأيسر
منه تُرى ياقوت وبصحبة أختها زعرة"
وهذا كلام صائب لا يحتاج إلى نظر، غير أنّه يُضيف فيُدخِل الحركات داخل
كلامه عن المنظر فيقول:
" وهي تلمّ أغراض البيت
ومحتوياته كمن تريد الرحيل عنه، بعد مرور ثوانٍ قليلة تتوقّف ، يبدو عليها الإجهاد
والإرهاق، تُرى على مُحيّاها صُفرة ، يغشاها الغثيان فتهرول خارجة..." ويستمرُّ
الكاتب في تصوير حركات البطلة"ياقوت" وكأنّها في نظره جزء من المنظر ذاته رغم أنّها
قد أحدثت حدثاً وأعطت انطباعا للقارئ عنها بما يفيد الدخول في جوهر المسرحيّة
وأحداثها، خاصّة أنّ جزءاً غير يسير من العمل المسرحي سيدور على ما ذكره في هذه
الأسطر.
وكان الأفضل أن يكون كلُّ
هذا التصوير في بداية الفصل الأوّل ويتخلّله حوار بين الشخصيّتين الحاضرتين أو كلام
فردي من البطلة يُحيل إلى أوجاعها وآلامها لتقريب الفكرة أكثر.
في آخر حديثه عن المنظر
يقول الكاتب أنّ الوقت الذي تجري فيه الأحداث "صباح".
وبانتقالنا إلى ص8 وهي
بداية الفصل الأوّل تقول زعرة:"كنت إذا حبلتُ لا يعلم بي أحد حتّى ينداح بطني
فيكون "هو"آخر من يعلم"
ونجد الكاتب عندما يصل إلى كلمة"هو"
يضع نجمة ويحيل القارئ إلى الهامش فيقول:"تعني زوجها" شارحا على ماذا يعود
الضمير "هو".
وهذا خطأ، لأنّ الحوار
تُكتب لتُقرأ أوّلاً كما تُكتب لتُمثّل ، والحوار يجب أن ينطوي على كلّ المعاني
التي يحتاج الكاتب إلى إيصالها ، فإن مُثّلت هذه الكلمات بهذا الشكل فلن يفهم
الجمهور ما تعنيه، إذ لا شيء يُعوّض التهميش الذي جاء به في آخر الصفحة إذا أراد
تجسيده على الركح ، وكان يمكن للكاتب بكلّ يُسر أن يخرج من هذا الخطأ ويكتب:"فيكون
زوجي(بدل هو) آخر من يعلم"
كما أنّ في الصفحة ذاتها
وطوال المسرحية نجد ياقوت أو أختها تقول إحداهما للأخرى"يا بنت أمّي"
وأحيانا "يا بنت أمّي وأبي" وإذا كان الكاتب يقوم في هذا العمل بتصوير
المجتمع الجزائري في إحدى نماذجه فإنّ هذا المجتمع لم يعتد أن يقول فيه الأخ لأخيه
مثل هذا الكلام وكان الأفضل تسمية المُسمّى باسمه.
نضيف إلى ذلك ملاحظة
تالية: ما سوى الحوار هو ما يوضع بين قوسين، وهو على نوعين، الأوّل هو ما يأتي بعد
اسم الشخصيّة وقبل كلامها وقليلا ما يكون والآخر ما بين كلام شخصية وأخرى يصف حادثا
وقع وغالبا ما يكون الأخير في يسار الصفحة فاصلا بين حديثين لشخصيتين، وبينما
يُظهر الأوّل – في الغالب- حالة الشخصية عند الحديث يُظهر الآخر حركات وإيماءات لا
يمكن أن تُفهم الأحداث بدون ذكرها يراعى في ذلك الاختصار الشديد وفي حالة المسرحية
فإنّنا نجد الإطالة الكبيرة في مثل هذه الجمل. المثال التالي يُوضّح:
ياقوت(مُكشّرة وقد أصابتها هستيريا من
الغضب وصارت في وضع كمن تتأهّب لتفترس بُرنيّة) : مُخطئة... مُخطئة.
فما بين قوسين طويل
جدا يُمكن أن يُختصر إلى :(مُكشرة
كأنها تتأهب لافتراسها).
في ص25:
ياقوت:(كمن ندمت على التلفظ بكلامها السابق الذي لم تُعره أيّ اهتمام ، حيث نطقته
دونما تفكير أو تروٍّ ، إذ صار وبالا عليها وتلعثم لسانها وهي تحاول تصحيح
خطإها):.....
فكان الواجب اختصار
كلّ هذا الكلام فيقول بدلا عنه:(نادمة على كلامها).د
أيضا: ياقوت(في
همس شديد كأنها تخشى أن تُسمع من قِبل شخص آخر).
كذلك نجد أنّ شخصية
مثل"برنية" تقول كلاما غير معقول، إذ أنّنا نجدها وهي "عجوز النحس" تريد أن تخطب
حفيدها لياقوت رغم أنها متزوجة تقول: هل ترضين به ولا تنفرين منه؟
والسؤال :هل هناك
خاطبة تتحدث عن النفور في لحظة الخطبة؟ هذا مالا نعتقده.
ويقع الكاتب في
الكتابة الصحفية التقريرية حين يقول على لسان العجوز بُرنية :
-
أنا لم أكن أمزح معك
يا بنيّتي ، أنا رسول جئت في مهمة مُحدّدة كُلّفت بها ثمّ أنصرف، ألا وهي أن أخطبك
من جديد.
فكأننا أمام تقرير
صحفي في قوله"ألا
وهي" وكان من السهل عليه أن يعوضها بما يناسبها.
كما يقع في التكرار
في مثل النموذج التالي وما سنورده بعد حين:
تقول ياقوت:"
جاء من أجلي أنا؟ هلاّ نهرتِه يا خالة؟ هلاّ عقّلته يا خالة؟ هلاّ أفهمته يا خالة؟
" وهذا الكلام جاء مُقدمة لكلام طويل من ستة أسطر وهو كلام طويل يختلف مع
طبيعة المسرحية المعتمدة على الحوار لا على الإلقاء الفردي والانفراد بالحديث.
كما أنّ بودشيشة
ينظر إلى قارئه بأنّه غبي جدا، فهو يقول له كل شيء. دليل ذلك:
ياقوت( كمن استعادت شجاعتها من جديد
فراحت تدحض بقوة عن نفسها وبضراوة هذه الأباطيل وهي ترى نفسه كالمتّهمة البريئة
التي ألصقت بها جريمة لم ترتكبها ) : فليرحل ، لا يهمّني أمره في شيء.
ص30
: ياقوت(تصرخ حتى يكاد صوتها يُسمع من مسافة بعيدة لولا العجوز التي مدّت يدها
لتغتصب صوتها وقد زال الوقار الذي كانت تُكنّه لها) : اخرسي يا عجوز النحس.
وكان يمكن تلخيص كل
هذا الكلام في المابين قوسين بـ "صارخة" لولا إصرار الكاتب على اعتبار قارئه جاهلا
غبيّا، فنحن نفهم أنّ الوقار قد زال عنها حين تقول لها : اخرسي يا عجوز النحس ، بعد
أن كانت تُسمّيها قبل حين بالخالة.
وهناك خلط كبير في
أكثر من موضع بين ما يأتي بين قوسين بعد اسم الشخصية مباشرة وما يكون بين كلام
الشخصية وكلام شخصية أخرى .
مثال:
ياقوت :(صمت قصير يلفُّ المكان ثمّ لم تلبث أن أخذت تدفع العجوز إلى خارج بيتها
بالقوة)
وفي السياق ذاته
يكتب المؤلف:
(تنهض نزيهة وهي تدعو لها بالشفاء ثم تنصرف)
فعبارة "
وهي تدعو لها بالشفاء" لا تكون بين قوين ، بل هي من الحوار ، فكيف تدعو لها بالشفاء
وهي لم تقل شيئا ، وإذا كانت تقول شيئا فهذا يدخل في الحوار لا بين قوسين.
وقُصارى القول في هذا الجزء
أنّ المابين قوسين عند بودشيشة لا يصف الحادثة الممكن مشاهدتها بقدر ما يُصوّر
أفكار الكاتب التي يُفكّر فيها لشخصياته ناسيا أنّ مثل هذه الجمل لا يمكن ترجمتها
تمثيلا على الركح في أغلبها زيادة على طولها المُمل وكل الأمثلة السابقة قليل من
كثير يمتد على طول المسرحيّة.
فإذا أضفنا لها
بعدا آخر تتضح الرؤية في مستوى العمل أكثر.
قلنا أنّ المسرحيّة
انضوت على ثلاثة فصول، وكلّ فصل على مشهدين، غير أنّ المؤلّف هنا يُقسّم المشاهد
تقسيما فظاً ، فإذا كانت المشاهد تُقسّم حسب الأحداث المهمّة مثلها في ذلك مثل
تقسيم الفصول ولو كانت نوعية الأحداث هنا أقل أهمية. إلاّ أنّ هذا ما لا نجده عند
الكاتب، فهو ينهي المشهد الثاني ويبدأ المشهد الثالث من الفصل الثاني لسبب بسيط هو
دخول شخصية ثالثة (نزيهة) على الشخصيّتين الموجودتين أصلاً (ياقوت وزعرة) وهذا غير
صحيح رغم أنّ الكثير من كُتّاب المسرح يفعلون الأمر ذاته. بل الصحيح هو أنّ دخول
شخصيّة جديدة هو تكملة للمشهد القديم لا بداية لمشهد جديد، هذا من جانب الشكل أمّا
من جانب الأحداث في حدّ ذاتها (المضمون) فإنّ المشهد الثاني ينتهي بخروج زعرة وبقاء
ياقوت وحدها، أما الثالث فيبدأ بدخول نزيهة على ياقوت وزعرة هذه الأخيرة التي قال
لنا المشهد الثاني أنها خرجت ، وسهل جدا أن يُخرج الكاتب نفسه من هذا الخطأ بجعل
شخصية زعرة في آخر المشهد الثاني تبقى مع أختها ولا تُقرّر الخروج.
من جهة أخرى فإنّ
المنظر في كلّ المسرحيّة واحد سوى في الفصل الثالث في مشهده الأوّل أي أنّ خمسة
مشاهد حدثت بالمنظر نفسه مقابل مشهد واحد فقط حدث بمنظر مغاير وهذا لا يستقيم ، حيث
لا يمكننا أن نُغيّر ديكور مسرحيّة كاملة من أجل مشهد واحد ينتهي سريعا ليعود
الديكور الأصلي إلى مكانه.
خاصة أنّ الديكور
هنا هو الكوخ مع ما يحمله هذا من ثقل لا يمكن أن نُغيّره من على الركح لجلب ديكور
آخر يماثله في الحجم والثقل لبضع دقائق والعودة من جديد إلى الديكور السابق دون
تغيير الفصول.
وغياب هذه الفكرة
جعل الكاتب يستسهل تغيير المنظر بكلّ تبسيط.