مسرحية يمامة بيضا لمخرج زاده الوطنية والفن

د. كمال يونس

[email protected]

لم يكن بالمستغرب أن تثير مسرحية يمامة بيضا أشعار و رؤية جمال بخيت عن عودة الوعي لتوفيق الحكيم ، بطولة المطرب علي الحجار، هدي عمار، سعيد طرابيك ، إخراج حسام الدين صلاح ، وتعرض على مسرح ليسيه الحرية بمدينة الإسكندرية، من إنتاج المسرح الحديث  (السلام) وقد حرمت من العرض عليه  في هذا الموسم المسرحي الفاشل بكل المقاييس، بعد عودة المسرح السياحي التجاري الهابط بأنماطه التي عفا عليها الزمن ، وتحكي في قالب استعراضي غنائي عن صمود المواطن مصري أمام التحديات من حوله ، واستعداده أن يفتدي بلده بنفسه ، العرض معبق بالجرأة في الطرح للقضايا السياسية والاجتماعية للمصريين ، من خلال قالب موسيقي وكوميدي ، وحافلة بإسقاطات تبرز ذلك الجدل والنقاش الصاخب،  والسخط الكامن في النفوس علي أداء أحمد نظيف رئيس الوزراء المصري، والنظام المصري ككل ، ففي الوقت الذي تسمح فيه الرقابة علي المصنفات الفنية بعرض أعمال تافهة هزيلة مثل روايح والنمر وولاد اللذينه وغيرها وغيرها ، إلا أن الرقابة أبت إلا أن  تعزف عزفا نشازا، وتطالب بحذف ما اعترضت عليه ، وهو لا يمس الدين ولا الأخلاق ولا ثوابت المجتمع ، ولا يتعارض مع مفهوم الحرية المسؤولة المدركة لدورها ، وقد فات على أعضائها تفهم ماهية الرقابة ، وتغير المناخ المحيط بالشعب ومناخ الحرية والديمقراطية ، وكيفية التعامل مع فن المسرح و مفهمومه ورسالته ، حين تعترض بشدة علي تقليد عزب شو لرئيس الوزراء المصري أحمد نظيف،في حين يوجه النقد للرئيس مبارك دونما أدني حساسيات رقابية ،  ولكن نظيف له وضع خاص ، فهو يواجه بسخط شعبي كامن في النفوس، عبرت عنه النكتة المصرية وهي سلاح فعال وأزلي لتخفيف الاحتقان السياسي ضد غلاء الأسعار ،وسياسات الخصخصة، ولعل صفقة بيع بنك القاهرة ،وتزامنها مع العرض هي ما أججت وأشعلت حساسية الرقابة الحكومية علي المسرحية، وطلبها أن تحذف من العرض لوحة البيع ، والتي صاغها شعرا جمال بخيت وأداها المطرب الكبير على الحجار ، ولا نفهم بأي ولأي مبرر ؟ تعترض الرقابة علي طريقة  تجسيد المونولوجست «عزب شو» لشخصية  أحمد نظيف رئيس الوزراء المصري ، حيث   يقف «شو» علي عمودين خشبيين ليظهر طويلاً، مع استخدام  شاربً وباروكة شعر ومبرر الرقابة أنها توحي بالسخرية من رئيس الوزراء،، كما اعترضت علي جملة ترددها الشخصية هي: «لطيف عفيف بإيدين نضيفة وضمير نظيف» ، كما اعترضت الرقابة علي كلمات أغنية «بيع يا عم» التي تنتقد سياسة الخصخصة، وأثارت أزمة واسعة كبيرة  بين جهاز الرقابة علي المصنفات الفنية وبين مخرج  مسرحية (يمامة بيضا). والتي تقول كلماتها :

يا عم بيع بيع .. ما هي متباعة متباعة ..وحياتنا عملوها بضاعة

باعوا حياتنا ومصانعنا .. باعوا حديدنا وتسليحنا

حتي قمرنا اللي جامعنا .. باعوه ولاد البياعة

باعوا الكتاب والكلية .. باعوا الخيال والحرية

باعوا سيرتنا الهلالية.. باعوا الدوا والسماعة

 ياعم بيع بيع ..ماهي متباعة .. باعوها ولاد البياعة

ألم تتعلم الرقابة وتفقه من الدرس وخاصة ونحن في عالم العولمة والفضائيات المفتوحة  وتترك العرض علي حاله، وخاصة أن تلك اللوحة لوحة البيع ضرورية في البناء الدرامي ويتفاعل معها الجمهور بأقصى درجات التفاعل ويرددونها ويصفقون لها ، ولو كانت ظروف العرض تسمح لطالب الجمهور بإعادتها مرارا وتكرارا ، كان علي الرقابة ألا تفتعل هذه الأزمة وترك العرض علي حاله حتى يقال بأن هناك ديمقراطية تنفيسية وترويحية ومزيلة للاحتقان والغضب ، فمتي تكلم الناس وعبروا عن مشاعرهم المكبوتة وغضبهم من حكومة نظيف وأداء حكومته فلا ضير ، ولا هي الحكاية إيه وعلي إيه ،ولكن يبدو أن أعضاء الرقابة لا يعيشون في مصر،  وقد قدموا من كوكب آخر، أو زمن آخر ، ولا يدركون أن الشعور الشعبي متأجج ضد أداء حكومة نظيف وما قبلها وعليه العوض ومنه العوض ، ورب ضارة نافعة فما أن سمع الجمهور بواقعة الرقابة تلك إلا وسارع وبادر لحضور المسرحية حتى أن يوم الخميس  الموافق 23/ 8 / 2007 شهد حجزا  بقيمة 10000 جنيه 2007، ليقبل الجمهور عليها ليشاهدوا العرض الكوميدي الموسيقي الذي يمس مشاعرهم ويعبر عنهم ، وهذا المسلك مصري صميم في التعبير السلمي عن مشاعره بالعناد الهادئ خفيف الظل0

و مخرج العرض حسام الدين صلاح المشاكس الدؤوب الذي لا يعرف التنازل ، صاحب الرؤية الإخراجية والفنية المتميزة ،المتبني دوما تقديم العروض المواكبة للأحداث ، والتي تعزف علي نبض مشاعر الجماهير ،إذ يشارك الشعب أفراحه وأتراحه ، ويمس العصب المكشوف دوما بحرفية فنية واقتدار شديدين ، وله سابقة عرض مسرحية قاعدين ليه بطولة سعيد صالح وقد حققت  107 ليلة عرض،  وكانت من  أكثر العروض نجاحا ومقاومة وإقبالا من الجماهير عام 2006، ويخشي المخرج المشاكس من أن هذا العرض سوف يلقي مصير مسرحية «القضية ٢٠٠٧» ، بعد سلسلة من المشاكل بين مخرجها ورئيس البيت الفني للمسرح ونقيب الممثلين الحاكم بأمره علي استبعاد  بعض الفنانين ، وهو تدخل سافر ليس له ما يبرره ولا هو حلال لفيفي حرام علي مروي؟!! ( سياسة الكيل بمكيالين ، وازدواج المعايير )، تقولش جابوا رئيس بيت فني للمسرح أمريكاني !!!، ثم استبعادها من العرض علي مسرح السلام الخالي من العروض هذا الصيف ، رغم أنه منتجها، وتعرض في مسرح مهجور في الإسكندرية ( مسرح الليسيه )، مع قلة الدعاية للعرض في شوارع الإسكندرية ،وأخير التضييق علي الفنانين المشاركين في العرض بعدم صرف المرتبات والمكافآت إلي الآن، ورئيس البيت الفني لا يحرك ساكنا ، ولكنه يصرح علي استحياء بأنه سيعرضها علي مسرح السلام أواخر رمضان المقبل ، ليته يصدق في هذا الوعد من وعوده ، وليته بما عرف عنه من ذكاء يستثمر نجاح العرض جماهيريا  في صالحه بعد أن تضاءلت أسهمه ، وفشلت كثير من عروضه بنجومها الآفلة ،  وعادت بالمسرح إلي ظلمات مسارح الأفيهات وهز البطن واللامضمون، والإيرادات التي لا تحمل مدلولا سوي استقطابها للسياح العرب ،وخاصة بعد رفع أسعار تذاكر الصفوف الأولي للضعف وقال إيه عايزين يدرسوا سر الإقبال الجماهيري ، ونقولها للمسئولين عن مسرح الدولة في مصر وشلة النفاق الإعلامي الذين يحيطونهم ، حقا إذا لم تستح فأفعل وروج وصرح بما شئت،  وأنت المدرك أنه المخالف  المخالف الحقيقة، ولكن التاريخ لا يرحم.