واقع المسرح التونسي والمصري..
واقع المسرح التونسي والمصري..
وكلنا في الهم شرق
د. كمال يونس
في مقاله المنشور بجريدة مسرحنا الأسبوعية المصرية في عددها الصادر يوم الأحد 6/8/2007 ، كشف التونسي د.محمد عبازة الأستاذ بمعهد الفنون المسرحية بالكاف التابع لجامعة جندوبة النقاب عن واقع المسرح التونسي ، وتفشى عدة ظواهر مرضية تفت في عضده منها:
"سيطرة المحالين على التقاعد من ذوى الثقافة المسرحية المحدودة التي تجاوزها الزمن، ولم تلحق بركب الحاضر ، ناهيك عن أفقهم المحدود ، مما لا يمكنهم من صياغة رؤية واضحة عن الأعمال التي يشاهدونها ، أي منفصمين وخارجين عن نطاق الواقع الحي ونبضه" .
وهذا على العكس تماما من التناقضات الواضحة في سلوك القائمين على المسرح المصري، فالكبار للتكريم في المهرجانات التي فاق عددها أيام السنة ، ومع أن هؤلاء الكبار على إطلاع على كل جديد في المسرح، إلا أنهم لا تسند لهم ولا يسمح لهم القيام بإخراج أية مشاريع فنية ، مع العلم بأن المخرج الرائد أحمد عبد الحليم قد أفلح في تنبيه الجمهور إلى أن المسرح المصري ما يزال موجودا ، بعرضه مسرحية الملك لير بطولة النجم يحيى الفخرانى ، وواضح للمراقبين والمتابعين تمردهم ،ورفضهم للكتابات الآنية، عاصفين بجيل كامل من الكتاب المسرحيين إلا ندرة ، تشترك وإياهم في صفة التشويش الفكرى والفنى تجاه الأشكال المسرحية المقبولة ، وفرضهم بكل جبروت وتعنت للقوالب المستهجنة من الجمهور ،ومنحهم الجوائز دون حق في المهرجانات، التي لا تستحق صفة غير كونها مولد وصاحبه غايب وغافل ومخدر، تحت تأثير الاستخدام المحترف للإعلام في خداع الجماهير، وإيهامه بأن هناك نهضة مسرحية وإقبال متزايد من الجماهير التي هجرت المسارح ،عكس ما يشاع إعلاميا من قبل حفنة من كدابى الزفة، لا عقى الصحون من الكاتبين في صفحات المسرح، وطغيان الأفكار التي بثها المسرح التجريبي التخريبي، الذي أطاح برؤيتهم لما ينبغي أن يقدم للجمهور ، من أعمال يستسيغها في قوالب تسمح له بمتابعتها ، مع سيطرة الشباب المتمرد على المسرح التقليدي وجنوحهم إلى القوالب الغربية التي أمعنوا في تقليدها ، دون أن يتعبوا أنفسهم في فهم ماهية التجريب ، ولا الفرق بين تلك العروض التي لا تتسم بصفة الجماهيرية، مع اتهام الجمهور بفساد الذوق، والتباكى أن مزاحمة الفضائيات والسينما قد أطاحت بعرش المسرح في القلوب ، وحذفه من دائرة اهتمام المتفرج مرتاد المسرح، ولم يعترفوا بأنهم هم وحدهم السبب الرئيسي في انتكاسات المسرح الممتدة ، خاصة في حقبة نهلهم من المعين الآسن لمهرجانات المسرح التجريبي من عام 1988 وحتى الآن ، والعجب حين يقبلون على أعمال الرواد الكبار في نهم من كتاب عالميين وعرب ، يتناولونها بإعداد ورؤية واقتباس، تحت مسمى العامل المشترك فيه ظاهريا إخراجهم للعرض، وقد نبهنا إلى خطورته ، والتي تتمثل في الإبادة الجماعية لجيل كامل من كتاب المسرح ، أطاحت بهم القيادات المتعاقبة لمسرح الدولة في مصر، ونستثنى منهم د.أسامة أبو طالب الذي قدم في مهرجان الكاتب المسرحي الأول والأخير حوالي 2. كاتبا ، بعضهم أقصى تماما ونفي في بلده عن دائرة الإنتاج المسرحي، وقمعوا ، ونكل بهم حتى لا ترى أعمالهم النور ، ولم يتبق منهم إلا من لديهم الحظوة والفهلوة التي تبقيهم في دائرة الضوء، إذن نحن أما م مؤامرة حقيرة لتجفيف المسرح المصري من أهم منابع الإبداع أصحاب الكلمة .
وقد عبر عن ذلك متفقا في المضمون محمد عبازة بما أسماه مشكلة فقدان مفهوم التخصص بقوله: " لا شك أن عصرنا عصر الاختصاص ، عصر ابتعد فيه الفنان عن أن يأخذ بكل شئ ، وأصبح كل فنان يبدع في اختصاصه الضيق ،نحن في تونس ، وفي المسرح تحديدا لا نؤمن بهذه المسألة ، فالممثل يتصدى للكتابة والإخراج ، والمخرج للكتابة والتمثيل والديكور ، والنجار يتصور الديكور ، فاختلطت الأشياء، وضاع الاختصاص في زحمة الفوضى والاضطراب ، فضاعت مهن ، واختفت أخرى ، وكانت النتيجة عقما في العديد من العروض المسرحية التونسية ، تعرف كل مسارح العالم الأطراف المتداخلة في العرض ، فالكاتب له مجاله ، والسينوغرافي له رؤيته الجمالية والفكرية ، والممثل له أداءته ولغاته ، والموسيقى له إيحاءاته وعوالمه ، ومصمم الملابس له قراءته للشخصيات ، ومهندس الإضاءة يتناغم مع جدلية الخفاء والتجلى ، والمخرج له استراتيجيته في هندسة الأجزاء المكونة للعرض وعناصره ، وهكذا تتحدد الضوابط وتتطور الاختصاصات ، وتكون النتيجة خيرا على الإبداع المسرحي في هذه الربوع من خلال عملية المزج الكيماوي لكل تلك الاختصاصات لتقديم عرض جيد، يقودنا الاختصاص إلى إعادة القيمة للكاتب وإلى النص المكتوب باعتباره مدونة قيم، ومنظومة علامات معرفية ذات حقول دلالية ، يستطيع النقاد الغوص في أعماقها وتركها إرثا أدبيا فنيا جماليا للأجيال القادمة ، فتكون بذلك رصيدا من النصوص يكون متعة ولذة لأجيالنا القادمة تتفاعل معه وتتعامل تلك الأجيال من خلال المناهج الدراسية ( غياب النصوص المسرحية من الكتب الدراسية التونسية بعد بولعراس ومدني )".
ويدعو محمد عبازة رجال المسرح التونسيين ‘إلى الأخذ الجاد بالتخصص ، وعودة الأمور إلى نصابها المنطقي والشرعي في العملية المسرحية بقوله : " لذا ننادى بالالتجاء إلى الردع من خلال ربط دعم الدولة للإنتاج المسرحي بضرورة إشراك المختصين في عملية الإنتاج المسرحي ، وعلى رأسهم الكاتب الذي يبقى عمله وثيقة أساسية ورئيسية في عملية التوثيق للإنتاج المسرحي في تونس ". ويدعو إلى شراء ودعم النصوص المسرحية لمؤلفي المسرح من قبل القائمين على المسرح .
وأتفق تماما مع اقتراحه هذا حتى ترى الأعمال النور، ولا تبقى وحيدة ، مكتئبة، كسيفة البال يعلوها التراب، وتكسوها الحسرة، سواء في مقبرة النصوص التابعة لمسرح الدولة المصري، أو متاهة جحا للنصوص المسرحية ، أو في دليل النصوص الذي تطبعه الثقافة الجماهيرية، ولا يعتد به المخرجين بها ، ولا تجد الأعمال طريقها للنور إلا للموظفين في الثقافة الجماهيرية ، من أول تعيينهم حتى خروجهم للمعاش .
وفي مصر برزت للسطح ظاهرة التعدى على النصوص المسرحية تحت مسميات الورشة ، وكل من هب ودب يدلى بدلوه الغث قبل الجيد ، بدءا بممثلي العرض تحقيقا لإطالة زمن تواجدهم على الخشبة أثناء العرض ، أو الكتابة للنجم الأوحد ، أو يتجرأ المخرج ويعيد كتابة النص أو أجزاء منه حسب رؤيته دونما استئذان مؤلف العرض، الذي ما إن يعترض حتى يوصم بثقل الدم والسماجة والمثير للمشاكل ، وقد يصل الأمر إلى وقف التعامل معه، فلا كرامة ولا حصانة للكاتب أو كلمته ، لست مع قدسية النص ، ولكن هناك حد أدنى من التغيرات التي يجريها على النص بالاتفاق مع مخرج العرض ، بحيث يلتزم الجميع بالنسخة المتفق عليها بين المخرج والمؤلف ، وكم من ثنائيات تكونت بين مؤلفين ومخرجين نتجت عنها عروض رائعة .
وهذا ما ذهب إليه محمد عبازة بقوله : " لعلنا بهذا لامسنا بعض مشاكل الكتابة المسرحية التونسية التي هي كتابة أدبية ، ومادة للعرض ، إذ يكون مهما ذلك الحوار بين الكاتب والمخرج ، والذي يمكن أن يعطى نصا ذا قيمة أدبية عالية ، وفي نفس الوقت مادة قابلة للعرض ، ولنا تجارب وقعت بين بولعراس ، وبين عياد أعطت مراد الثالث ، وبين السويسى والمدني أنتجت ديوان الزنج.
وهكذا يتضح مما ذكره محمد عبازه وما ذكرته ذلك القاسم المشترك الأعظم من تقاسم الداء، ولا أقول تشابهه بل أقول تطابقه ، آما آن للعقلية العربية أن تتصدى لبديهية من بديهيان الحوار، وهى حسن الاستماع ، ثم التدبر ، ثم اخذ الأمر على محمل الجد ، ثم الشروع في الإصلاح بهمة من منطلق المسئولية والضمير ، ولكن يبدو أن الصفة الغالبية بين لما يدور بين المنادين بالإصلاح وبين من هم بيدهم الأمر أنه حوار الطرشان من غير ولا مؤاخذة.