تلاتة في واحد ..
ثرثرة ظالمة في مسرح الطليعة
د. كمال يونس
يقدم مسرح الطليعة بالقاهرة العرض التجريبي المسرح تلاتة في واحد، بطولة رشدي الشامي ، محمد عنتر ، أشرف صالح ، يوسف رمضان ، عبد السلام عبد العزيز ، عايدة فهمي ، باسم شكري ، ليلي مطر ، ميرفت طبانة ، سامح عبد الله ، أنور عبد الحميد ، موسيقي أحمد خلف ، ملابس نعيمة عجمي ، من تأليف وإخراج مصطفي سعد، من أكثر خريجى معهد الفنون المسرحية عام 1976اجتهادا ، وقد سبق للبيت الفني للمسرح أن قدم له عدة عروض تجريبية ( 11 عرضا )هي : الوهم ، معقول ، ليه ما أعرفش ، 30 فبراير 91 ، ما تحاولش ، ملك ولا كتابة ، ما تستفهمش ، هنا نص وهنا نص ، الساعة كام ،وكلها تنتمي لمسرح الاستفهام ، وهو شكل مسرحي يهدف إلي إثارة عقل المشاهد عن طريق استفزازه ، وله الحق أن يوقف العرض المسرحي ليستفهم ويتساءل،وعلي مسؤولي العرض ( المؤلف والمخرج والممثل ) الإجابة عن تلك التساؤلات ، وهكذا يستمر العرض علي أساس إثارة عقل متفرج آخر، مما يجعله يتساءل ويستفهم بدوره ، فالعرض وسيلة وعقل المتفرج غاية، وجمهور الصالة يصبح ذو أهمية قصوى، وله الأولوية ،ولا يقدم مفهوما يدافع عنه ، فهو بعيد تماما عن التلقين ، وعلي المتفرج أن يدرك المضمون بعقله ، وهكذا تطرح عروض مسرح الاستفهام فكرة ومضمونا يثير العقل.
وعرض تلاتة في واحد عرض مثير للجدل فعلا ، فهو يطرح فكرة لمؤلفه ومخرجه علي لسان الحكواتي ( رشدي الشامي )أن تاريخنا مزور ، كتبه كل من هب ودب ،وما سيحكيه إنما هم محض اجتهاد وتساؤل عاد فيها للتاريخ ، أن محمد علي وجمال عبد الناصر وصدام حسين يجمع بينهم أنهم زعامات عربية مؤثرة ، الغدر شيمتهم بأقرب من حولهم سعيا في السلطة ، وخاصة من ساعدوهم للوصول للحكم ، فمحمد علي غدر بعمر مكرم ، وعبد الناصر أطاح بمحمد نجيب ، وصدام حسين أزاح محمد حسن البكر ، ومساعدة الدول الأوروبية لهم بحجة توطيد ملكهم ثم التخلي عنهم ليزول سلطانهم ، فرنسا ومحمد علي ، والروس وعبد الناصر ، والأمريكان وصدام حسين ، وذلك لأنه من وجهة نظر المؤلف تشابههم في طريقة التفكير ، فمحمد علي كان يريد التوسع ومد مملكته وملكه وضم سوريا إليها ، وصدام حسين كان يريد ضم الكويت ، بعد حرب الخليج ، والخطأ الأكبر لعبد الناصر أنه رقي عبد الحكيم عامر من بكباشي ( مقدم )إلي مشير ، وأغلق خليج العقبة ثم انتكس لأن عامر لم يأخذ برأي عبد الناصر وأهمل أوامره بأن يكون الجيش علي أهبة الاستعداد والحذر ، رغم ظن عبد الناصر أن إسرائيل لن تحارب ، وستكون المفاوضات هي سيدة الموقف ، أي حرب سياسية وليست عسكرية ، كما يطرح العرض ،ويعتبرنا عبدة صور الزعماء ، ويحدد أن السبب في هذا كله وما نحن فيه من التردي علي كافة المستويات اقتصاديا وصناعيا وسياسيا واجتماعيا هو طريقة تفكيرنا المتخلفة ، لذا يجب أن نعني بقضية هامة وهي الاهتمام بالمؤسسات التي تعني بتشكيل عقولنا في الحضانة والمدرسة والجامعة والمجتمع والإعلام، ويوجه للمشاهدين رسالة وتساؤل لماذا نظل دائما مبرمجين؟ ، مابين الاشتراكية ، والديكتاتورية ، والديمقراطية المشروطة ، إذن لابد للطفل أن تتربي علي أن يسأل لماذا ؟ ، وكيف ؟، وعلشان إيه ؟، فيعمل عقله ، ويشغل مخه ، وتفكيره كي يصبح قوة حضارية ، فمشكلتنا نحن العرب في عقليتنا النقلية الكسولة ، حتى أصبحنا قطيعا ، وفي نهاية العرض يطاح بالحكواتي الأول لأنه يقحم أراءه السياسية مكان أراء المؤلف ، فيأتي بحكواتي جديد يذكرنا بأن محمد علي هو باني مصر الحديثة ، وعبد الناصر تأميم قناة السويس والسد العالي والوحدة العربية ، وصدام هو محكم السيطرة علي عراق موحد.
لا شك أن هذا الطرح كان اجتزاء للأحداث وانتزاعها من سياقها التاريخي ، والمشابهة ظالمة ، فكل من الثلاثة كان ابن وقته ، وتصرف بما أملته عليه الظروف والوقائع من حوله ، قد تتشابه ، ولكن كان يجب النظر إليها كل في مكانها ، وكل منهم علي حدة ، ظلم تاريخي بين ، والرسالة قاتمة وقاصرة ، ولكن من حق مخرج ومؤلف العرض أن يتساءل ، العرض فيه مطلق الظلم لمحمد علي وإنجازاته ، ولجمال عبد الناصر الذي يكفيه أن الأمة والقيادة كانتا وحدة واحدة ، فعبد الناصر كان قويا حقا بالتفاف شعبه حوله ، استمد منه القوة والعظمة وسطر صفحات تاريخه بما لها وما عليها ، ولكن من الصفحات الوضاءة في تاريخنا الحديث ، آه .. آه.. يا عبد الناصر..تبكيك حجارة السد.. ومياه البحيرة..وحوائط الفصول..وأجران القمح.. و شاطئا القناة.. وطين أرض مرقدك في قلبها..ذراعاك دلتا النيل.. وإحدى رجليك النهر..وتنثني ركبة الأخري عند توشكي.. و نظرة الحسرة تطل من عينيك.. الشرق.. الشرق..تنادي افيقوا.. ترنو الجنوب.. اتحدوا..تحذر الغرب ..لا تختصم..فلا الشرق أفاق..ولا الجنوب استيقظ..ولا الغرب رد..أيا نخلة مثمرة في صحراء تاريخنا..كم رموها .. وتولي التاريخ عنك الرد.
أما صدام.. فهل العراق الخرب بالديمقراطية المزعومة لأعداء الأمة أفضل مما كان حين حكم بلاده؟!!!
العرض المسرحي تلاتة في واحد من عروض الغرفة ، تجريبي ، يندس فيه بعض الممثلين وسط صالة العرض ، يطرحون تساؤلاتهم، ويشترك بعض الحضور ، وهو ليس مسرحا كما قلنا بشكله التقليدي ، فهو أشبه بجلسة من جلسات ثرثرة جنرالات المقاهي ، ما بين مؤيد ومعارض ، أجاد رشدي الشامي دور الحكواتي بموهبة حقيقية وحضور طاغ وتمكن من أدواته الفنية ، في حين كان تواجد عايدة فهمي ( في دور الممثلة ) مقحما علي العرض ، غير مدروس الشخصية ، ما بين المط والتطويل ، ورقصة لزوم تطرية القعدة كما تقول ، أو أغنية من أغاني أفلام حسن الإمام ،والمشهد الذي يجمع بينها وبين زوجها في غرفة النوم ؟!!!، وتكرارها لعبارة خائبة عن اختفاء دور المرأة في حياة الزعماء الثلاثة ، وكيف أنها في حالة محمد علي لتسخين المياه فقط؟!! ، يقصد ما بينها وزوجها من علاقة زوجية، أي ظلم فادع لهم ولزوجاتهم ؟!!!،ولما لا؟ ، فالعرض ظالم وقد ركز علي ما يظنه أخطاء دون إلمام تاريخي كامل بالوقائع والملابسات ، فالعرض يبدو فعلا تزاحم فكري في محاولة لطرحه بطريقة فنية ، ولكن ماذا أضاف ؟، وهل تحققت للعرض ثمرة تقديم متعة فكرية وفنية؟ ، لا أظن ، وقد خرج أثناء العرض بعض الجمهور، ولم يكملوا متابعته.
الديكور( تصميم فادى فوكيه ) مناسب للعرض بسيط وسهل الدلالة وفى الخلف كرسى الحكواتى ، مع استخدام الكراسى الدوارة كى ينظر الجمهور للوراء ، ويتدبر حسب رؤية المؤلف فيما يطرحه العرض ، البرواز الذى يخرج منه الزعماء ، وكرسى محمد على على يمين المسرح فى فخامته ، وعلى اليسار كرسى الرؤساء الكالح البسيط ،
أبرز العرض القدرات التمثيلية والموهبة الحقيقية لكل من محمد عنتر ( محمد على ) ، يوسف رمضان ( صدام حسين ) ، عبد السلام عبد العزيز ( محمد نجيب ) ، باسم شكرى ( أحمد حسن البكر ) .