أبو سليمان الخياط

شمس الدين العجلاني

أبو سليمان الخياط

مايكل انجلو العرب

شمس الدين العجلاني*

[email protected]

ترى لو سألنا السادة أعضاء مجلس الشعب عن محمد علي الخياط المشهور بابي سليمان الخياط ، هل يعرفونه .؟ أو سألنا السادة العاملين في وزاره الثقافة أو سألنا نقابه الفنون الجملية نفس السؤال من هو أبو سليمان الخياط .؟ وإنني اشك أن نحصل على إجابة لسؤالنا . 

اخترت سؤال أعضاء المجلس لأنهم يتمتعون بروعه قاعة الاجتماعات التي أبدعها أبو سليمان ، واخترت سؤال وزارة الثقافة لأنها وضعت صوره أبو سليمان( بدون أي تعريف أو تعليق ) في القاعة التي أبدعها في المتحف الوطني و لأنها القيمة على قصر العظم  ، واخترت أيضا نقابة الفنانين لأنها من الناحية النظرية والعملية مسؤوله عن هؤلاء الفنانين أحياء و أمواتا ..؟

من هو أبو سليمان :

أنجبت بلادي العديد من العباقرة في كافة مجالات الحياة ومنهم المرحوم محمد علي الخياط المشهور بابي سليمان الخياط ، الذي أبدعت أنامله فنا رائعا لم يزل شاهدا حتى الآن في العديد من المباني بدمشق ولبنان (قصر بيت الدين )على إبداعات هذا الفنان العربي السوري والذي أطلق علية اسم مايكل انجلو العرب ، ولكن مع الأسف نسينا هذا الفنان ومات ذكره مع الأيام ولم نعد ندري عنه شيئا .. والآن تستعد دمشق لارتداء عباءة الثقافة العربية لمده عام كامل ، أليس من الواجب علينا بهذه المناسبة ان نتذكر ونحي ذكرى رمز من رموز ثقافتنا .؟

ولد  أبو سليمان ، محمد علي الخياط في دمشق عام 1880، وابتدأ عمله في الحفر والتزيين على الخشب زمن العثمانيين و بالتحديد عام عام 1912 .

وفي عام 1920 ذهب إلى لبنان كي يشرف ويعمل بنفسه على إصلاح وتزيين قصر بيت الدين .

وفي عام 1924 كلف بالعمل في قصر العظم التاريخي ، وهناك قام بترميمه وبالحفر على الطريقة الفاطمية والعباسية .

وفي عام 1937 أنيط بابي سليمان أعمال الزخرفة العربية داخل وخارج مبنى مؤسسه عين الفيجة ، فقام بإنشاء قاعة شامية أثرية كبيره في الطابق الثاني من المؤسسة عندما نقل قاعه قديمه من دار أسرة ( سقا اميني )يعود تاريخها إلى عام 1796 م إلى هذه القاعة وأعاد ترميمها وزخرفتها فجاءت آية في الجمال والروعة.

كما قام في عام 1947 بتزيين قاعة البرلمان السوري واستمر العمل فيها حتى عام 1955 فكان تحفة رائعة تشهد بعظمة هذا الفنان وقوة إبداعه .

و يقول عنه مدير الفنون التشكيلية في وزارة الثقافة والإرشاد القومي عفيف البهنسي عام 1959  :

(( منذ بداية هذا القرن ، كان هناك من يعمل بصمت وهدوء .. لبعث فن الحفر والزخرفة العربي ، هذا الفن الذي امتاز بين الفنون التشكيلية العالمية لما فيه من جمال مجرد في التكوين وبراعة عبقرية في التنفيذ .. وأول رائد لهذا الفن .. وأحدث رائد .. بل الرائد الوحيد له : محمد علي الخياط المشهور باسم . (( أبو سليمان )) .. وله آثار فنية قيمة أخذها عن أصول معروفة ، وقد أتقن إخراجها وأجاد في الإفادة من جميع طرق الحفر التي مرت بالتاريخ العربي كالطريقة القديمة والطريقة العباسية والطريقة الفاطمية وغيرها ، وقد قام أبو سليمان بالتأليف فيما بينها وجمعها في اثر واحد مما أعطى إنتاجه طابعا جديدا مستمدا من طبيعة المرحلة التاريخية التي تمر فيها الأمة العربية وهي تتجه لإعادة بناء حضارة جديدة ترتكز إلى ذروات حياتها في تاريخها المجيد . )) .

    و فن أبو سليمان له جذور وأصول في التاريخ العربي ، فقد ابتعد العرب دائما عن رسم الأشخاص واقتصروا على عناصر زخرفية ابتكروها نقلا عن النبات والأشكال الهندسية والخط بمختلف أنواعه ، وقد تفننوا في هذا المضمار تفننا بالغا وتوصلوا في تنويع وتنفيذ هذه الزخارف إلى حد الإعجاز . وقد طبقوا هذه الزخارف على صناعات عديدة تخصصوا بها وأتقنوها وانتشرت في العالم تحمل اسمهم .

وقد اشتهرت سورية ومصر بهذه الصناعة وأقدم القطع المعروفة في الحفر العربي يرجع عهده إلى العصر الفاطمي وعصر نور الدين ، ويعتبر العهد الأيوبي العهد الذهبي للحفر على الخشب نظرا لوفرة الإنتاج وقوته .

أما في عهد المماليك فقد تفنن صناع الحفر على الخشب في ابتكار الأساليب الجديدة والرسوم الطريفة .

قاعه البرلمان السوري :

لقد عرف الفنانون والحرفيون السوريون كيف يوائمون بين شتى المدارس المعمارية  والزخرفية التي عرفها دار البرلمان السوري في أزمنته المتعاقبة بحيث مزجوا بين الفن الفاطمي والعباسي والأندلسي و00 وزينوا بهذا الفن قاعات البرلمان وجدرانه وسقوفه  ومداخله ونوافذه وشرفاته في عملية زخرفية تبدأ بالتدرج والتداخل من المنمنمات والحفر على الخشب إلى النقش على الحجر فالحديد المشغول ثم الرخام والحجر الملون والمطعم وذلك تبعا لوظائف الأماكن والصالات و القاعات والأروقة التي تصل بينها0

لقد كانت جميع المواد المستعملة في جميع الأعمال والإنشاءات الحجرية والخشبية و المعدنية سورية المصدر والخبرات التي درست وعملت في جميع مراحل إنشاء دار البرلمان كانت خبرات سورية0

وكان لأبي سليمان الخياط، الدور الكبير والعمل المضني في الزخرفة الداخلية الدمشقية للقاعة الرئيسية لاجتماعات أعضاء البرلمان فقامت ورش أبو سليمان خلال الفترة من عام 1947 إلى عام 1955 بتزيين القاعة وفرشها بالأثاث التقليدي الذي طوره أبو سليمان في صناعة الخشبيات المرصعة بالفضة والمنزلة بالصدف والمحفورة على الطريقة القيصرية وتابع أولاد أبو سليمان الاهتمام بهذه القاعة على مر الأيام في صيانتها وترميمها، إلى عهد قريب000

لقد قام أبو سليمان بتزيين حيطان وسقوف القاعة بلوحات من الفن العربي الإسلامي ، الذي تأثر بفنون أخرى فخرج في صورته الأبهى والأبدع فكان مزيجا راقيا من الفن الفارسي ، والهندي ، والمصري القديم ، فتميز بالتجريد والعمق 00 انه فن رمزي ، يرمز إلى المعاني العظيمة في هذا الكون 00 ومما زاد من إبداع أبو سليمان و أعطى قاعه البرلمان العظمة والروعة هي قبة البرلمان و الثريا  المتدلاه من منتصف هذه القبة، التي ابتدعها بفكره الخلاق وأنامله البارعة برغم انه لم يكن متعلما أو دارسا للفن ، إنما ورثه عن آبائه وأجداده 0

 أما الخيط العربي الذي ابتدعه أبو سليمان لتزيين البرلمان فقد شغله بالحديد والنحاس والخشب على أشكال هندسية مضفورة، ويعود هذا الخيط إلى أيام بني أمية حيث وجدت على أبواب مسجد بني أمية الداخلية 00

وأشكال هذه الخيوط المسماة بالعربي، هندسية، منها المخمس والمسدس والمسبع... وأشكال العنكبوت وعش النحل العكازي...وهي نوعان، مفرغ وغير مفرغ، ويبدو الأخير كأن أعمال الحفر فيه ملصوقة على أرضية من الخشب ويستعمل للبراويز والتزيينات الحائطية أو طقومة الصالون وجميع قطع الموبيليا.

والمفرغ (المخرم) هو الذي استعمله أبو سليمان للثريات في قاعة المجلس النيابي السوري وقصر لجنة مياه عين الفيجة وبعض البيوت الدمشقية العريقة كبيت توفيق الصحناوي ولطفي الحفار.

جاء بناء دار البرلمان السوري ذروة في استقطاب جهود الفنيين السوريين التي استهدفت جعله معلما من معالم الوطن وتاريخا لأزمنة وفنون متنوعة في العمارة والهندسة الداخلية 0

وأبو سليمان الخياط رجل من بلادي والكثير منا لا يعرفه ولم يسمع به ، ولكن عظمه أعماله شاهده عليه بدمشق ولبنان حيث كانت أهم إبداعاته في قصر العظم و البرلمان ، وفي لبنان أعاد حفر وتزيين قصر بيت الدين الذي لم يزل إلى الآن شاهدا عظيما على أبو سليمان الخياط 0

وأخيرا :

أتوجه إلى المعنيين بالأمر لوضع صوره فنانا الكبير أبو سليمان الخياط مع لمحة عن حياته في مكان بارز في الأبنية الأثرية التي أبدع فناننا في تزينها  علنا نفي هذا الفنان ببعض مما له علينا .. وادعوا وزاره الثقافة بالتعريف على أبي سليمان أمام صورته الموجودة في مكان مهمل في إحدى قاعات المتحف الوطني .. وادعوا نقابة الفنانين لتخصيص حائزة باسم أبو سليمان ، خاصة أن دمشق تستعد لارتداء عباءة الثقافة العربية مع مطلع العام القادم ..

              

    * صحفي وكاتب