عبث بعرض أوبرا عايدة

عبث بعرض أوبرا عايدة

د. كمال يونس

[email protected]

ضمن بروتوكول للتعاون الثقافي بين دار الأوبرا المصرية واليابان ، عرضت فرقة أوبرا القاهرة علي المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية أوبرا عايدة بقيادة أوركسترا للموسيقار الياباني هيروفومى يوشيدا، والذي قاد من قبل الأوركسترا السيمفوني لأوبرا الشهامة الريفية وريجوليتو ولابوهيم وتوسكا ، بمشاركة أعضاء مسرح روما والحاصل على جائزة المسابقة الدولية للقيادة التاسعة عشر بإيطاليا ، وجائزة أفضل موهبة أوبرالية بمسابقة جوتوه الثقافية عام 2002 ، والمركز الثالث بالمسابقة الأولى في قيادة الأوبرا برومانيا ، والإخراج للمخرج الإيطالي موريتسيو دى ماتيا المخرج بمسرح فوندازيون بروما ، وشارك كممثل في العديد من العروض منها مقتل دانتون ، والمدينة الصغيرة , وغيرها بالإضافة إلى عمله كمخرج مسرحي لريتشير كاريل ،  دائرة الحب ، الحرية ، علاج الحظ ، كانتانا وصونانا ، كارمن ، الشهامة الريفية , المهرجون ، لابوهيم ، ريجوليتو ، وقد عمل أيضا كمخرج ومصمم للديكور بالعديد من العروض مثل أوبرا ريجوليتو ، سند ريلا ، زواج فيجارو ، توسكا ،  حلاق اشبيليه ، و لاترافياتا التي أعلنت دار الأوبرا المصرية فى برنامجها السنوي أنه سيقدمها فى مصر فى يونيو 2007ضمن البروتوكول المصري الياباني  ، ولكن منذ عشرة أيام فقط !!! أعلنت دار الأوبرا المصرية عن تقديمه لأوبرا عايدة التى لم يقدمها من قبل كما ورد فى برنامج الأوبرا المطبوع.

 وأوبرا عايدة  للمؤلف  الموسيقى الأوبرالي العظيم الإيطالي  جوزيبي فيردي ، وهي من الأوبرات الكبيرة الضخمة المأخوذة عن قصة تاريخية ، توظف فيها كل العناصر الغنائية والموسيقية الأوركسترالية والباليه والإخراج المسرحي في إطار من الفخامة الفنية ، والإبهار ، وهي إحدى ثلاث أوبرات شعبية في تاريخ الأوبرا العالمية مع أوبرا كارمن لجورج بيزيه ، ولابوهيم  لبوتشيني ، والأشهر في أذهان المصريين نظرا لإعدادها وتأليفها خصيصا لتقدم في احتفالات افتتاح  قناة السويس عام 1869 ، ألف قصتها ميريت باشا عالم المصريات الفرنسي الشهير، وكتب نصها الغنائي  الليبرتو انطونيو  جيسلا نزوني ، وقد عرضت علي مسرح دار الأوبرا القديم بالأزبكية في 14 ديسمبر 1871،  متأخرة عن موعد افتتاح قناة السويس بعدة شهور نظرا لظروف الحرب الفرنسية الألمانية ، وحصار باريس ،  واستحالة شحن الملابس والديكورات التي كانت تصنع في باريس ، ولم يتمكن فيردي من الحضور ، وعرضت في أوروبا لأول مرة علي مسرح لاسكالا بإيطاليا في فبراير 1872 .

وقد شارك بالغناء والتمثيل فيها إيمان مصطفى و رفاييلا باتستينى ( عايدة ) ، وليد كريم وبيرو مارين ( راداميس ) ، الفيو جراسيو ومصطفى محمد ( اموناصرو ) ، جولى فيظى و هالة الشابورى ( امنيريس ) ، عبد الوهاب السيد , حاتم الجنيدى

 ( الملك ) ، رضا الوكيل ( رامفيس ) ، جيهان فايد وآية شلبى وجالا الحديدي كبيرة الكهنة ، وتامر توفيق وإبراهيم ناجى ( الرسول ) .

أوبرا عايدة تدور أحداثها  في مصر الفرعونية ، وهى  مكونة من أربع فصول ، في المشهد الأول من الفصل الأول ( بهو القصر الملكي بمدينة منف )  تتحقق أمنية راداميس باختياره  لقيادة الجيش أملا أن ينتصر علي الأحباش الذين عبروا بالفعل حدود مصر ، مما سيمكنه من الزواج من محبوبته عايدة جارية امنيريس ابنة فرعون مصر ، والمشهد الثاني ( معبد إيزيس ) حيث تجري الاحتفالات والمراسم لتنصيب راداميس .

الفصل الثاني ( المشهد الأول ) داخل حجرة امنيريس ابنة الملك  شاردة الذهن تفكر في حبيبها القائد راداميس ، فتستدرج جاريتها عايدة لتعرف شعورها نحوه ، فتخبرها بموته ، فيفتضح حب عايدة له ، ثم تخبرها والغيظ يملؤها بأنه علي قيد الحياة ، والمشهد الثاني ( عند أبواب طيبة ) واستعراض موكب الجيش المنتصر ، وقائده راداميس ، وخلفه جموع الأسري ومن بينهم والد عايدة أموناصرو ملك الأحباش ، ويكافئ الفرعون راداميس بتقديم ابنته لراداميس ليتزوجها ، ولا يستطيع راداميس الرفض ، طالبا العون من الآلهة ليبقي له حب عايدة. 

الفصل الثالث ( علي ضفاف النيل ) حيث تتوجه أمنيريس إلي المعبد لتقضي فيه الليلة الأخيرة قبل زفافها لراداميس كما تقضي التقاليد بذلك ، حيث تفاجأ بسماع حديث يدور بين عايدة وأبيها وهو يحرضها علي أن تستغل حب راداميس لها في انتزاع بعض الأسرار الحربية ، وتتألم عايدة فما كان لها أن تغدر بحبيبها ، ولكن والدها يقنعها أن هذا لصالح بلادها ، واعدا إياها إذا ما تم للأحباش النصر فسيصطحبونه معهم إلي بلادهم ، وتطلب عايدة من رادميس هذا بعد أن أخبرها بالطريق الذي يكمن فيه الجيش المصري للأحباش بسلامة نية ، وتعرض عليه اصطحابه معهم للحبشة ، فتستدعي امنيريس الجند ، فيلقي القبض علي راداميس ، وتهرب عايدة.

الفصل الرابع ( المشهد الأول .. قاعة القصر الملكي ) يصور حزن الأميرة علي حبيبها الخائن لبلاده ، حيث ينتظره الحكم بموته ، وتحاول أن تجعله يعدل عن حبه لعايدة ، كي تنقذه ، ولكن راداميس يرفض وفاء وحبا لعايدة ، ( المشهد الثاني ..ذو مستويين )  الأعلى ( المعبد )  تدور فيه مراسم وطقوس دينية لإعدام راداميس ، في حضور امنيريس التي ترتدي ثوب الحداد ، والأسفل ( القبر ) الذي سيدفن فيه حيا كجزاء لخيانته ، ويلتقي عايدة التي تسللت إلي داخل القبر ليموتا سويا .

ولكن المخرج الإيطالي للعرض فشل فشلا ذريعا فى تحقيق إيقاع عام للعرض ، فتجلى العرض عن وهن فني لما أصاب العرض من عدم اتضاح رؤيته كمخرج فى تناول هذا العرض وأبرز دليل على ذلك عدم استخدام الخشبة التى يقدم عليها العرض وتاهت منه أبعادها وتجلى هذا فى استخدامه للثلث الأمامي ، حيث تدور الأحداث فى وسط زحام من قطع الديكور التى لم يحسن توزيعها مما سبب ضيقا شديدا، أعاق حركة المشاركين فى العرض ، فتارة يترك فراغا يشبه متوازي الأضلاع ، وتارة مثلث ، وأخر مستطيل مستعرض ، ولم يقم وزنا ولم يحسن استخدام العمق والارتفاع ، وضيق على رقصات الباليه بالعرض فأثر ضيق المساحة التى تؤدى فيها الرقصات على جودة الأداء ، وأطاح بدلالاتها ، وشغل الخلفية بهرم هزيل ومسلة وتماثيل فرعونية ، وكتل ديكورية بسلالم للصعود والنزول منها وإليها ، أي فشل الديكور وظيفيا  بشكل عام فى تعميق الدلالات الدرامية للعمل ، أما الإضاءة فقد انفصمت تماما عن العمل لم تجار الأحداث ولم تضف إليها أية أبعاد درامية ، الملابس تنوعت ألوانها التى تزاحمت مما أضاع مدلولاتها ، وأطاح بالدلالات اللونية وتفاعلها مع الشخصيات وأغطية رأس السيدات بدوية أكثر منها فرعونية ، وملابس الكهنة خالية التأثير والمدلول وكذلك ألوان ملابس الأميرة والملك والكورال حتى أنها باتت فوضى لونية ولم يتحقق للمشاركين فى العرض بسبب قصور رؤية المخرج أي  تناسق وتوازن فى الأداء الدرامي وتنافر الأداء كل فى وادي، ماعدا الفصل الثالث والرابع ، ولم يحسن توزيع الكورال وأبطال العمل على المسرح فبالكاد تستدل على الأميرة وهى على سريرها من ازدحام الفتيات حولها ، ولم تكن جلسة الملك  باللائقة والمقبولة فنيا ولا منطقيا ، وحوله رعاياه يحيطون به من كل جانب ومن وراءه ومعه ابنته الأميرة ، وقد تداخلت ألوان ملابسهم وغرق الجميع فى بحر لونى متداخل خاليا من التأثيرات الدرامية ، ومن العجب يتسع المسرح فى المشاهد التى يقل فيها عدد المشاركين فى المشهد كما فى الفصل الثالث والرابع ، ويضيق نظرا لاستخدامه لمساحة أضيق في وجود العدد الهائل من الكورال ، بعض الدلالات كانت تافهة وسطحية جدا ولم تؤد أي دور فى تعميق العمل دراميا مثل الستارة السوداء التى أمسكت بها الفتيات ليمنعن الأميرة من رؤية ما سيحل بحبيبها ، والفتيات المتشحات بالسواد اللاتي كن يرافقن عايدة فى دخولها وخروجها كتعبير عن أحزانها ، والأدهى حين يدخل القائد لرؤية عايدة حبيبته ملقيا سيفه على الأرض ثم يلتقطه بعد ذلك ليشهره فى وجه الحراس ، وأيضا حين يدخل لمقابلة عايدة وقد أحاط به الحراس ثم يدفعهم عنه بعيدا ، وأما مشهد مارش النصر وهو من المشاهد الرئيسية للعرض فقد كان هزيلا ، وخاصة فى دخول الأسرى وتواجد الملك ، ودخول القائد المنتصر ، وما أجاد ولا أحسن تقديم الشخصيات بل سطحها مثل الكاهن الأكبر والوجه المصبوغ بالبياض ، والحواجب السوداء ، ولا أدرى لما سقط الكاهن على الأرض فى ذلة وخنوع حين اتهمته الأميرة بالظلم بعد أن أصدر قراره بالحكم على القائد بالموت ، مما لا يتناسب مع وضع الكهنة فى مصر القديمة وسطوتهم ، وأما فى مشهد المقبرة فقد جعل الأميرة تدخل المقبرة ومعها جواريها وهى تقف على المستوى المرتفع  , والحبيبان اللذان  خلد ت تلك الأوبرا  حبهما على أرض المقبرة ، مظاهر الخلل فى رؤية المخرج لعمله تتضح أكثر فى الفصل الأول والثاني بصفة عامة .

أما الرقصات التى صممها عبد المنعم كامل فلقد أحسن فى ابتكار الرقصة فى الافتتاحية والتي تعبر عن مضمون المسرحية وتنازع المرأتين على الرجل الأميرة والجارية التى يحبها ولكن الأداء الحركي لم يكن متوافقا ، وفى باقي الرقصات كما أوردنا ضيق المساحة المتاحة لتأدية الرقصات أضاعت مضمونها ورونقها وبعدها الدرامي .

ولا يخفى أن مدة الأيام العشرة التى أعلن فيها عن تقديم أوبرا عايدة ، والتي تعتمد أساسا على الإبهار ليست بالمدة الكافية لتقديم عمل كهذا ، مما يضعها فى مقارنة مع العروض السابقة لعايدة ، والتي شاهدها جمهور الأوبرا من قبل ، وبلغت الغاية فى العظمة والرونق والجلال الفني بشهادة النقاد العرب والأجانب ، والتي قدمها المخرج العالمي المصري  عبد الله سعد ، وبالطبع النتيجة فنيا ليست فى صالح المخرج الإيطالي ، مما يدفعنا إلى ترديد قول أمير الشعراء أحمد شوقي : أحرام على بلابله الدوح .. حلال للطير من كل جنس .