المنتدى العلمي في ذكرى مرور 75 عاما 2
المنتدى العلمي في ذكرى مرور 75 عاما
على أول مؤتمر للموسيقى العربية أقيم في القاهرة عام 1932
مطرب المقام العراقي
حسين إسماعيل الأعظمي
الحلقة (3)
من الضيوف المدعوين الذين لم يتسنى لهم الحضور
الاستاذ د.سعد الله اغا القلعة من (سوريا)
- الاستاذ د.فكتور سحاب (لبنان)
ومن الضيوف الذين حضروا وساهموا في ادارة الجلسات
- د. محمد جمال (البحرين) الذي ادار الجلسة الاولى بعد اعتذار د.جابر عصفور عن ادارتها كما كان مقررا ذلك
- د. عيد الفرج (الامارات العربية المتحدة) الذي ادار الجلسة الثانية بدلا من د. سعد الله اغا القلعة
- د. سليمان العسكري (الكويت) الذي ادار الجلسة الثالثة
- د. ناصر الانصاري (مصر) الذي ادار الجلسة الرابعة
- د.عبد الله يتيم (البحرين) الذي ادار الجلسة الخامسة
- د.عقل بلتاجي (الاردن) الذي ادار الجلسة السادسة
- د. عائشة راتب (مصر) التي ادارت الجلسة السابعة
وقبل ان اطلعكم على مضمون بحثي الذي قدمته في هذا المؤتمر , اود ان اطلعكم على منهاج حفلتي في مسرح الجمهورية بالقاهرة يوم 13/3/2007 وكان على النحو التالي
- 1 - سماعي نهاوند , تاليف الموسيقار الراحل منير بشير
- 2 - مقام البنجكاه , سلمه رست مع اغنية تراثية بهذه القصيدة
جسد اشبه شئ بالخــــيال
وفؤاد عن هواكم غيــر سالي
وعيون نثرت ادمعـــــها
لثغور نظمت نظــــم اللأالي
سحرتني يـا ترى من ذا الذي
علم الاحداق بالســحر الحلال
ورمتني فاصابت مقــــتلي
يا سليمى ما لعيــنيك وما لي
قد ذكرنا عهدكم من بــعدكم
فتعللنا بانفـــــاس الشمال
وانقضى العهد جميلا وانقضت
فترة كانت لربات الحـــجال
ليت شعري يوم صدت زيـنب
ادلالاً كان مـــــنها ام ملال
- 3 - اشعار وابوذيات مع اغاني تراثية من سلمي البيات والصبا منها هذه الابيات الشعرية لمعين الدين المعروف بالخطيب الحصكفي
-
اشكو الى الله من نارين واحــدة
في وجنتيه واخرى منه في كبدي
ومن سقامين سقم قد احل دمــي
من الجفون وسقم حل في جسدي
ومن نومين دمعي حين اذكـــره
يذيع سري وواش منه بالرصـد
ومن ضعيفين هجري حين اذكـره
ووده ويراه الناس طوع يــدي
مهفهف رق حتى قلت من عجـب
اخصره خصري ام جــلده جلدي
- 4 - مقام الجمال حجاز وسيكاه / هزام /, مع اغنية يامن لعبت به شمول وقد بداتها بقصيدة المقام بهذه الكلمات
سمراء من قوم عيسى من ابـــــاح لها
قتل امرء مسلم قاسى بهـــــــا ولها
اردت بيعتها اشكو القتيــــــــل لها
رايتها تضرب الناقوس قلــــــت لها
من علم الخود ضربــــا بالنــواقيسي
ناديتـــــــــها يا مها الله يلهمـك
وصلي فكفي النـــــــوى اني متيمك
قالت بلا قلت ان الوجـــــــد يعلمك
فقلت للنفس أي الــــــضرب يؤلمك
ضرب النواقيس ام ضــرب النوى قيسي
الاغنية
من شعر البهاء زهير
يامن لعــــــبت به شمول ما الطف هذه الشــمائل
نشوان يهـــــــزه دلال كالغصن مع النسـيم مائل
********
لا يمكـــــــنه الكلام لكن
قد حمـــــل طرفه رسائل
ما الطف وقتــــــنا واهنا
والعــــــاذل غائب وغافل
والورد على الخـــدود غضن
والنرجس في العـــيون ذابل
والانس كما نحــــب صاف
والعــــيش كما نحب كامل
* * *
اليكم اعزتي الكرام ترجمة مختصرة عن شخصية كل مشارك في المؤتمر .. حسب التسلسل الابجدي للحروف ..
1 – الياس كسرواني (لبنان) يحمل دكتوراه دولة في العلوم الموسيقية بامتياز مشّرف جدا من جامعة السوربون , كما يحمل ماجستير في الفلسفة واجازة في اللاهوت , واضع علم الميوزيميديالوجي(علوم الموسقيى والميديا)
2 – امين بيهم (لبنان) يحمل دكتوراه في الموسيقى وعلم الموسيقى (الموزيكولوجيا) بامتياز مشرف جدا من جامعة السوربون , له ايضا دبلوم دراسات معمقة في علوم البناء وتقنياته وشهادة الهندسة ..
3 – ايزيس فتح الله (مصر) تحمل دكتوراه الفلسفة في التربية الموسيقية , اصدرت 19 كتابا في الموسيقى العربية .. استاذة متفرغة في قسم الموسيقى العربية بكلية التربية الموسيفية ..
4 – بيرت بيروتي حنين (لبنان) تحمل دكتوراه الفلسفة في التربية الموسيقية بدرجة امتياز من جامعة الروح القدس – الكسليك بلبنان الى جانب دبلوم عالي في البيانو ..
5 – جابر عصفور (مصر) يحمل درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف الاولى من قسم اللغة العربية بكلية الاداب جامعة القاهرة , امين عام المجلس الاعلى للثقافة , رئيس تحرير مجلة النقد الادبي ,فصول, عضو المجلس القومي للمراة ومقرر لجنة الثقافة والاعلام بالمجلس القومي للمراة ..
6 – حبيب ظاهر العباس (العراق) يحمل ماجستير في الموسيقى من جامعة بغداد , له مؤلفات كثيرة في الموسيقى , مدير عام ديوان وزارة الثقافة العراقية , عضو المجلس التنفيذي في المجمع العربي الموسيقي , رئيس اللجنة الوطنية العراقية للموسيقى ..
7 – حسين الاعظمي (العراق) يحمل البكلوريوس في العلوم الموسيقية من كلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد , يحضر حاليا للماجستير في العلوم الموسيقية , دبلوم فن معادل للشهادة العالية من معهد الدراسات النغمية العراقي , له عدة مؤلفات , نال جائزة الماستر بيس العالمية من اليونسكو 2003 , غنى في اكثر من 70 بلدا , اسطوانات مدمجة كثير في العالم ..عميد معهد الدراسات الموسيقية في بغداد سابقا ..
8 – رتيبة الحفني (مصر) تحمل اعلى مؤهل في غناء الاوبرا من المدرسة العليا للموسيقى بميونخ , دبلوم تخصص في قيادة الكورال وتعليم غناء الاوبرا من معهد كراينر للغناء بالمانيا , مقرر وامين عام مؤتمر الموسيقى العربية المقام بدار الاوبرا المصرية منذ عام 1992 , رئيسة المجمع العربي للموسيقى , نالت جائزة الدولة التقديرية في مصر .. لها مؤلفات عديدة ..
9 – سعد الله اغا القلعة (سوريا) حاليا وزير السياحة في الجمهورية العربية السورية , دكتوراه في الهندسة , نشر عددا كبيرا من الدراسات في الموسيقى العربية وشارك في مؤتمرات عديدة .. لم يتسنى له الحضور مع الاسف ..
10 – سليمان العسكري (الكويت) يحمل درجة الدكتوراه , رئيس تحرير مجلة العربي في الكويت , عضو في كل من المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب , له مؤلفات عديدة في التاريخ والحضارة العربية والفكر العربي المعاصر ومشكلات النهضة والتقدم العربي ..
11 - عائشة راتب (مصر) تحمل الدكتوراه في الحقوق , وزيرة الشؤون الاجتماعية المصرية من 1971 حتى 1977 واضيفت لها وزارة التامينات الاجتماعية عام 1975 , سفير مصر في كوبنهاكن بالدانيمارك من 1979 حتى 1981 وفي المانيا من 1981 حتى 1984 ..
12 – عباس سليمان حامد السباعي (السودان) يحمل دكتوراه في علم الفنون من المعهد العالي بالقاهرة , دبلوم المعهد العالي للموسيقى والمسرح في آلة الكونترباص والتاليف بتقدير امتياز , باحث ومؤلف في الموسيقى , عضو لجنة التاريخ في المجمع العربي للموسيقى ..
13 – عبد العزيز بن عبد الجليل (المغرب) دبلوم في الغناء الكلاسيكي الاوبرالي والتكوين الموسيقي, له مؤلفات قيمة عديدة في الموسيقى المغربية والاندلسية والعربية عموما , عضو دائم في الهيئة العلمية للمجمع الموسيقي العربي , رئيس جمعية نهضة الموسيقى الاندلسية بمكناس , نال العديد من الجوائز وشهادات التقدير ابرزها درع دار الاوبرا المصرية تقديرا لجهوده في مجال البحث العلمي ..
14 – عبد الله مختار السباعي (ليبيا) دكتوراه الفلسفة في علوم الموسيقى العربية من القاهرة وماجستير في التربية الموسيقية من مشيكان الامريكية , له العديد من البحوث والمؤلفات الموسيقية , .
15 – عبد الله يتيم (البحرين) دكتوراه الفلسفة في الانثروبولوجيا من جامعة ادنبرة , الوكيل المساعد للمطبوعات والنشر في وزارة الاعلام بالبحرين عضو المجلس العالمي لرعاية الثقافة التابع لمنظمة اليونسكو , له مؤلفات كثيرة في الانثروبولوجيا والاثنوكرافيا ..
16 – عقل بلتاجي (الاردن) عضو مجلس الاعيان الاردني حاليا , شغل منصب وزير السياحة والاثار العامة في اكثر من حكومة في الاردن , نال جوائز التكريم وشهادات التقدير وارفع الاوسمة من الاردن والخارج , اسهاماته مشهود لها في مجال الخدمة العامة , عضو مجالس وطنية عديدة ..
17 – غادة شبير (لبنان) ماجستير في العلوم الموسيقية عام 2000, دبلوم الدراسات المعمقة في العلوم الموسيقية 2005 , دبلوم في الغناء الشرقي بدرجة امتياز 1996 , تحضر الان للدكتوراه , حائزة على اجازة في العلوم الموسيقية عام1993 , مغنية بارعة .. لها مؤلفات ..
18 – غازي يوسف ابراهيم (العراق) يحمل بكلوريوس في العلوم الموسيقية من جامعة بغداد , دبلوم موسيقى من معهد الدراسات النغمية العراقي , بكلوريوس في الهندسة الزراعية , مدرس وعازف ناي ..
19 – فتحي الخميسي (مصر) دكتوراه فن موسيقي من موسكو , ماجستير في التاليف الموسيقي من موسكو , له مؤلفات عديدة في الموسيقى كتابة ولحنا ..
20 – فكتور سحاب (لبنان) دكتوراه دولة في التاريخ العربي قبل الاسلام , ماجستير في تاريخ الموسيقى العربية المعاصرة , نائب رئيس المجلس الموسيقي الدولي , له 18 كتابا مؤلفا في تاريخ الموسيقى العربية المعاصرة , يعد الان مع شقيقه الياس سحاب موسوعة محمد عبد الوهاب في خمسة مجلدات .. لم يتسنى له الحضور مع الاسف ..
21 – كفاح فاخوري (الاردن) يحمل دكتوراه الفلسفة في التربية الموسيقية , ماجستير في فن التعليم ودبلوم في نفس التخصص , بكلوريوس اولىفي التاليف والقيادة الموسيقية , بكلوريوس في الادارة العامة , مدير المعهد الوطني للموسيقى الاردني – مؤسسة الملك حسين – منذ سنة 1988, امين عام المجمع العربي الموسيقي منذ سنة1997 , تراس لدورتين متتاليتين المجلس الدولي للموسيقى الذي يتخذ من اليونسكو في باريس مقرا له , انجازات كثيرة في الادارة والتاسيس والمؤلفات ..
22 – محمد القرفي (تونس) دكتوراه في تاريخ الموسيقى والعلوم الموسيقية من السوربون , خريج المعهد العالي للموسيقى والمسرح – سكولا كانتوروم - باريس , استاذ ومؤسس ومؤلف وباحث في علوم الموسيقى ..
23 – محمود قطاط (تونس) دكتوراه في العلوم الموسيقة من جامعة السوربون , باحث في العلوم الموسيقة , المدير المؤسس للمعهد العالي للموسيقى بتونس , استاذ بالجامعة التونسية , مستشار مركز عمان للموسيقى التقليدية عضو دائم في الهيئة العلمية في المجمع العربي للموسيقى , الممثل الاقليمي للمنظمة العربية في المجلس الدولي – اليونسكو – عضو هيئة التحرير في مشروع الاتحاد الاوربي , مؤلف وباحث ومؤسس واستاذ , كرم من قبل جهات عليا كثيرة منها الوسام الثقافي من رئاسة الجمهورية التونسية 1992 ..
24 – مسعودة محمد القرش (ليبيا) حاصلة على بكلوريوس اقتصاد وعلوم سياسية , دبلوم في العلوم الموسيقية , ملحنة معتمدة , مدرسة في معهد الموسيقى والمسرح , باحثة وعازفة , رئيس وحدة الموسيقى في امانة الثقافة والاعلام في بنغازي ..
25 – ناصر الانصاري (مصر) دكتوراه في القانون , دبلوم علوم الشرطة , رئيس مجلس ادارة الهيئة المصرية العامة للكتاب , وكيل وزارة سابق , له مؤلفات عديدة , حاصل على وسام الاستحقاق من جمهورية مصر العربية .. وغير ذلك من الاوسمة من دول عديدة ..
26 – نبيل شورة (مصر) دكتوراه فلسفة تخصص علوم موسيقية عربية من حلوان , عميد كلية التربية الموسيقية جامعة حلوان , امين اللجنة العلمية الدائمة لترقية الاساتذة والاساتذة المساعدين بكليات التربية الموسيقية والكليات المناظرة في مصر , مؤلف وباحث واستاذ ومعد برامج تلفزيونية ومؤسس ونال اوسكار تكريم من وزير الثقافة في مؤتمر الموسيقى بدار الاوبرا ..
27 – نداء ابو مراد (لبنان) مدير المعهد العالي للموسيقى الجامعة الانطونية في لبنان , استاذ دكتور في علم الموسيقى , دكتور في الطب , باحث اكاديمي ومؤلف وعازف كمان , له عدة دراسات منشورة يراس مؤسسة الموسيقى الفصحى العربية , له 14 قرصا مدمجا فيها تجارب عديدة , استاذ وباحث ومؤلف وعازف كبير ..
28 – الاب يوسف طنوس (لبنان) دكتور في العلوم الموسيقية , دبلوم العالي في العزف على آلة الناي , الاجازة الجامعية في علم اللاهوت , مؤلف موسيقي وباحث في العلوم الموسيقية زاستاذ في جامعة الروح القدس , راهب وكاهن في الرهبانية اللبنانية المارونية , له عدة دراسات ..
الحلقة (4)
في هذه الحلقة اضع امامكم البحث الذي قدمته الى المؤتمر
مع ملاحظة انني حذفت بعض الصفحات التي تمثل خطة البحث
اختصارا للموضوع ..
اكتبوا نقدكم بكل الحرية دون تجريح
المقام العراقي
في خمس وسبعين عاما
(1932 – 2007)
بحث مصغر مقدم الى المنتدى العلمي المعد من قبل المجمع
العربي للموسيقى في ذكرى مرور "75" عاما
على المؤتمر الاول للموسيقى العربية
في القاهرة 1932
تقدم به الباحث
حسين اسماعيل الاعظمي
جامعة بغداد / كلية الفنون الجميلة
بغداد
2007
قائمة المحتويات
-- -------------
قائمة المحتويات
المقدمة
الفصل الاول
منهجية البحث والدراسات السابقة
مشكلة البحث
اهمية البحث والحاجة اليه
اهداف البحث
حدود البحث
منهج البحث
تحديد المصطلحات
الدراسات السابقة
الفصل الثاني
المؤتمر وتسجيلات محمد القبانجي الصوتية
مغنون مبدعون
الفصل الثالث
اثر تسجيلات القبانجي المقامية طيلة 75 عاما
توثيق التسجيلات الصوتية في الاذاعة العراقية بعد مؤتمر 1932
اهمية النتاجات المسجلة
تحول في جماليات التعبير
مقارنات جمالية
قيم فنية جمالية
تحولات جمالية
المضامين الاسلوبية بعد عام 1932
من ثمار 75 عاما
المقام المصنوع
حقبة التجربة
قيمة نتاجات المغنين المبدعين
الفصل الرابع
الاستنتاجات
التوصيات
المصادر والمراجع
ملحق رقم – 1 –
ملحق رقم – 2 -
المقدمة
شهد القرن العشرون في العراق ولادة جديدة للموسيقى العراقيةعموماً والمقام العراقي خصوصاً , من خلال ظهور الكثير من الانجازات التكنولوجية وتطورها السريع1* , التي ما انفكت تزداد تطوراً سريعاً جداً بمرور الزمن , ولعلَّ أبرز هذه الانجازات ظهور جهاز التسجيل الصوتي الذي أمسى الانعطافة العظيمة في مسار الحياة البشرية على مدى تأريخها .. فقد إستطاع الانسان من خلاله ان يسجل صوته ثم يعيده ليسمعه ويكرر ذلك مرّات ومرّات ..!! وهكذا كان الحظ بالغ السوء لكل المغنين والموسيقيين الذين عاشوا قبل ظهور هذا الابتكارالعظيم على مدى التاريخ وذهبت اصواتهم ومخلفاتهم ادراج الرياح ..!! وبالمقابل امست الحياة بعد هذا الانجاز الخطير اوفر حظاً بصورة كبيرة لكل الفنانين الذين ظهروا منذ بدايات القرن العشرين حتى حاضرنا ومستقبلنا ..
ومن هذا التاريخ الحديث ولهذه الاسباب , بدات مرحلة جديدة فعلاً في تاريخ تطور موسيقانا وغنائنا , بل الحياة برمَّتها , وبطبيعة الحال امسى التفاعل بين الشعوب اكثر قوة وتاثراً وتاثيراً من خلال تطور اجهزة الاعلام في النشر والتوزيع والاتصال والحفظ .. واختزلت المسافات , واختصر الزمن , بحالة اسرع من أي وقت مضى وبصورة مستمرة متزايدة ..
وعليه فقد ظهرت التسجيلات الصوتية لمغنينا وموسيقيينا الى الوجود وأصبح بالامكان الاستماع اليها في أي وقت نريده ..!!
بصورة موازية , كان الابداع المقامي قبل القرن العشرين تقريباً , ابداعاً يكاد ان يكون محلياً تماماً , او هو كذلك بالفعل , حيث كان التفاعل الدرامي 2* منصبا فيما بين المقامات وتفصيلاتها , في الحذف والاضافة والتغيير والتقديم والتأخير بديناميكية 3*هيكلية محددة الاطر والمعالم .. !! وما أن حلَّ القرن العشرون حتى غدت هذه الديناميكية تزداد تفاعلاً درامياً متصلاً ومتواصلاً مع تطور الاتصال بالبلدان حوالينا والشعوب الاخرى , الامر الذي ادى الى إستيقاظ المقام العراقي من غفوة كانت اشبه بالسبات العميق ..!! ليتفاعل هذه المرة بصورة اكثر وضوحا وتأثيرا مع شعوب المنطقة والشعوب البعيدة الاخرى .. فكان من ثمار هذه الظروف الثقافية والواقعية , ظهور اعظم مطرب في تاريخ غناء المقام العراقي على مدى عصوره هو محمد عبد الرزاق القبانجي الذي احدث انعطافة كبيرة في تاريخ هذا الغناء وامسى رائداً للابداعات المقامية الحديثة .. التي تجاوزت حدود المحلية لاول مرة ..!!
ان هذا النوع الفني من التراث الغناسيقي 4*(المقام العراقي) الذي يستثيره بإلحاح الواقع المحيط وانعكاسات البيئة الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ..الخ والواقع الذي نحمله داخل انفسنا , والذي يتنازعه خلق الخيال والتأملات والاحلام , واستقصاء الواقع , وهو لا يكف عن انتاج اشكال غناسيقية ثابتة وابتكارات اخرى ممكنة , هذا النوع الغناسيقي التراثي – المقام العراقي – هو على صورة المسارات اللحنية التي تدل عليه , أي انه في تطور وتوسع دائمين ..
وهكذا امسى الابداع المقامي 5* في - حقبة التحول - وواقعها الثقافي مع ظهور محمد القبانجي , واقعاً ملموساً ومنحىً حذا حذوه الكثير من المغنين اللاحقين لاستاذهم القبانجي بعد تسجيلاته المقامية التي سجلها منذ العقد الثالث من القرن العشرين .. ورغم المحاولات الكثيرة من قبل مغنين مقاميين كثيرين في شأن الابداع والتطوير خلال القرن العشرين , لكننا نستطيع ان نشخص ابرزهم في هذا الشأن , ونقصدُ بهم - الاربعة المبدعون الكبار – 6* حسن خيوكة ويوسف عمر وناظم الغزالي وعبدالرحمن العزاوي , الذين حذوا حذو استاذهم محمد القبانجي ونحوا منحاه التجديدي الابداعي ..
وفضلا عن ذلك فقد كان ظهور الاربعة الكبار في حقبة مناسبة كما يبدو في ظروفها الثقافية والصناعية , وقد استفادوا هم وغيرهم من بوادر هذه الثورة الفنية الابداعية في هذه الحقبة التجريبية من انتصاف القرن العشرين التي جاءت بعد مؤتمر عام 1932 , فإرتقى عدد التسجيلات المقامية الى ارقام كبيرة مع تأكيد توثيقها وارشفتها 7* سواء من خلال شركات التسجيل الاجنبية او في دار الاذاعة العراقية ..
المقام العراقي ..؟
ماهو المقام العراقي ..؟ وماهو جوهره ..!؟ اعتقد ان هذا الموضوع من أعقد مواضيع البحث واصعبها .. وربما اسهلها في نفس الوقت ، لانه في الحقيقة لايوجد أي رأي ثابت أو رأي موحَّد يبيّن جوهر هذا الموضوع .. فقد صاحب تعريف المقام العراقي اجتهاد شخصي ، تأثر بمؤثرات متنوعة ، لذا رأى البعض أن ( تعريف المقام العراقي ) يعد موضوعاً معقداً وصعباً .. بينما رأى البعض الآخر، انه سهل يسير ، لاداعى إلى الإيغال في فلسفة لا يحتملها هذا التراث العريق .. ولسنا هنا في معرض استعراض تفاصيل وتعاريف تبيِّن ما كتب وما تحدث به النقاد والمتخصصون .. بل سنحاول فقط أن نعطي بعض التعاريف لبعض المتخصصين المقاميين في هذا التراث الغنائي ..(هو مجموعة انغام منسجمة مع بعضها له ابتداء يسمى بالتحرير او البدوة وانتهاء يسمى التسليم وما بين التحرير او البدوة والتسليم مجموعة من القطع والاوصال والجلسات والميانات والقرارات يرتلها البارع من المغنين دون الخروج عن ذلك الانسجام المطبوع)8* وهذا تعريف اخر (هو مؤلفة غنائية لها قواعد محدودة لانتقال المغني من نغم الى اخر ليكون للارتجال الغنائي نصيب فيه) 9* ومن ناحية اخرى تعني شكله ومكوناته وعناصره , فإنه يتكون بصورة عامة من خمسة عناصر اساسية اتفق عليها كل المؤرخين اذ يعتمد عليها كل مقام على حده في بنائه اللحني والموسيقي وهذه العناصر هي .
1- التحرير – يقصد بهذه المفردة , البداية او الاستهلال لغناء احد المقامات , ويأتي هذا الاستهلال غالباً بكلمات او الفاظ خارجة عن النص الشعري المغنى مثل امان .. امان.. او ويلاه .. ويلاه .. الخ , ويعتبر التحرير نموذجاً لحنياً متكاملاً لروحية وتعابير وثيمة 10* المقام المغنى .
2- القطَعْ والاوصال – ويقصد بهاتين المفردتين اصطلاحا , بالتنوع السلَّمي أي التحولات السلَّمية او الاجناس الموسيقية ضمن علاقات لحنية متماسكة والعودة دائما الى سلَّم المقام المغنى (السلَّم الاساس _ الميلودي) وهذه التحولات أو القطع ذات أشكال ثابتة ومحدده في مساراتها اللحنية في غالب الاحيان.
3- الجلسة – وهي النزول الى الدرجات الموسيقية المنخفضة بإسلوب القرار , ولكن بمسار لحني محدد ذو شكل معين يكاد ان يكون ثابتاً , أي ليس أي نزول او أي قرار يعني الجلسة بالضرورة , حيث تشير هذه الجلسة للموسيقيين او توحي للمستمعين ايضا على انه ستأتي طبقات عالية من الغناء أي الجواب او اكثر من الجواب .. مثل - فعل ورد الفعل – أي لابد من حدوث هذه الجوابات التي تأتي ايضا بمسارات لحنية محددة وبشكل معين ليس أي جواب ايضا .. وتسمى هذه الجوابات ب - الميانة – وهي العنصر الرابع.
4- الميانة – ويأتي غناؤها بطبقة صوتية عالية بعد الجلسة مباشرة ذات شكل ومسار لحني معين ثابت , على ان هذه الجوابات او هذه الميانات ليس من الضروري دائما تسبقها جلسة من حيث هي عنصر من عناصر شكل المقام العراقي , فقد تأتي صيحات غنائية عالية لها مقومات الميانة واهم هذه المقومات ثبات هذه الصيحة في المقام المغنى دون الحاجة الى ان تسبقها جلسة , في حين ان النزول الى الجلسة في العنصر الثالث يجب ان تتبعها ميانة في كل الاحوال , اضافة الى ان هناك صيحات عالية من الغناء حرة يستسيغها المغني حسب مزاجه الآني لا علاقة لها بموضوع الميانة خلال غنائه للمقام لانها لا تمتلك مقومات الميانة .
5- التسليم – وهو نهاية المقام ويأتي غالبا بألفاظ او كلمات غنائية خارج النص الشعري , شأنه في ذلك شأن ما يحدث في العنصر الاول ( التحرير )11 *
ومن هذه الناحية يختلف المقام العراقي عن الاغنية المقصودة أو التي نسميها الاغنية الحديثة التي تعكس ثقافة الفرد في المجتمع .. لأنها تجارب محدودة لاتتعدى حدودها الفردية ، وفي حيز زمني محدد .. سواء أكان شاعراً للاغنية أو ملحناً أو مؤدياً لها.. فكلهم افراد معلومون في المجتمع .. في حين أن التراث انعكاس لثقافة المجتمع كله وعلى مدى التاريخ وهو ما تعوِّل عليه كل الدراسات الاكاديمية لمعرفة قيمة تراث هذا البلد أو ذاك .. فمهما كانت قيمة الفرد الثقافية فإنها تبقى ضمن حدودها التأثيرية الفردية ويبقى المجتمع صاحب كلمة الحسم في أيه دراسة بحثية أكاديمية .
هكذا كانت فكرة هذا البحث , لإلقاء الضوء على الناحية الابداعية في غناء المقام العراقي خلال 75 عاما المحددة بين المؤتمر الاول للموسيقى العربية في القاهرة عام 1932 حتى عامنا هذا 2007 التي كان رائدها ومثيرها الاول محمد القبانجي ومن بعده المغنون الآخرون وابرزهم الاربعة الكبار ..
الحلقة (5)
الفصل الاول
منهجية البحث والدراسات السابقة
عندما استمع الانسان الى صوته لاول مرة يعاد ويكرر من خلال ابتكاره العظيم – جهاز التسجيل الصوتي – وهو يودع القرن التاسع عشر ويستقبل القرن العشرين , يكون قد اعلن بذلك عن دخول البشرية منعطفا عظيما جديدا من تاريخها .. الامر الذي قاد اكثر التحولات والتطورات والتغيرات في حياة الشعوب نحو آفاق اتسمت بالسرعة المتزايدة على الدوام .. وهي فعلا حقبة تحول وانفتاح بكل ما تستطيع احتواؤه هاتان المفردتان من معان وصفات لا حدود لها ..!
وفي حقبة ما قبل 1932 انتشرت في بغداد بعض التسجيلات الغنائية لعدد من القوالب forms الغناسيقيه الموجودة ضمن انطولوجيه (*) غناء وموسيقى العراق من شماله حتى جنوبه , بواسطة شركات التسجيل الاجنبيه التي كانت تتجول في البلدان لتسجيل تراثها الموسيقي .. وفي هذا الخضم برزت تسجيلات المطرب الكبير محمد القبانجي وعلى الأخص منها تسجيلات مؤتمر الموسيقى العربية الأول في القاهرة عام 1932 – الأمر الذي أصبح منعطفا في تاريخ تطور النواحي الفنية الادائيه وتطورفي أساليب العرض وأمور أخرى ..
-------------------------------
*الانطولوجية .. تنوع المكونات ضمن المجتمع والجغرافيا الواحدة , والمقصود في هذا البحث , تنوع انعكاسات مختلف بيئات العراق من شماله حتى جنوبه , في موضوع الموسيقى والغناء الحاوي على الموسيقى المدنية والريفية والبدوية والصحراوية والسهلية والجبلية والحديثة , اضافة الى موسيقى الاديان والقوميات والاقليات الموجودة في كل محيط العراق ,,
ملاحظة / اختصارا للموضوع تم مسح بعض صفحات خطة البحث من الفصل الاول
الفصل الثاني
المؤتمر وتسجيلات محمد القبانجي الصوتية
--------------------------------------------------------------
ما أن حلَّ القرن العشرون يبشِّر بديناميكية جديدة للحياة ، حتى غدا التطور الصناعي يزداد اتساعا وقوة بصورة عامة في كل مجالات الحياة وغدت الموسيقى والغناء بطبيعة الحال من اكثر ظواهرالحياة تاثراً وظهوراً على ساحة الواقع .. وغدا ايضاً , التطور الملحوظ لاجهزة النشر والحفظ والتوزيع والتسجيل من المعالم الكبيرة التي ميّزت هذه الحقبة الزمنية .. مما حتّم ذلك على الانسان , والانسان المبدع بصورة خاصة , ولأول مرة ان يخرج من طوق المحلية الى آفاق واسعة رحبة اخرى خارج هذه المحلية .. وقد اتاح هذا التطور المستمر في تزايده فرصاً جديدة اخرى للإبداع والتفكير والإبتكار اكثر من السابق بكثير ومن خلال الوسائل الكثيرة التي استحدثت نتيجة هذا التطور المضطرد .. وطبيعي ان الإبداع قد شمل الكثير من نواحي الحياة ، بل الحياة برمتها بفنونها وعلومها .. وكانت الإبداعات الفنية اكثر ظهوراً من غيرها على ساحة الحياة باعتبارها فنوناً تهتم بها غالبية المجتمع .. وكان ما اصاب الفنون التراثية الشيء الكثير من ذلك , وفي اخصِّها كانت الفنون الموسيقية التراثية .. وفي بلدنا العراق كان مطرب المقام العراقي محمد عبد الرزاق القبانجي , الرائد والمثير الأول للإبداعات المقامية ومنعطفاً جديداً في تاريخ التطور التراثي الموسيقي في العراق ، خاصة بعد تسجيلاته الصوتية في القاهرة ابان انعقاد المؤتمر الاول للموسيقى العربية عام 1932 وما تلا ذلك , فقد وضع هذا الفنان الكبير الأسس المتينة لإبداعاته الأدائية التي سار على هدْيِها المؤدون اللاحقون من بعده , الذين برز بعضهم بصورة تميَّز فيها عن اقرانه من المغنين المقاميين ، امثال المغنين (الاربعة الكبار) حسن خيوكة (1912 – 1962) ويوسف عمر (1918 – 1986) وناظم الغزالي (1921 – 1963) وعبد الرحمن العزاوي (1928 – 1983) , فضلا عن مغنين اخرين امثال عبد الهادي البياتي (1911 – 1974) وعبد الرحمن خضر (1925 – 1985) وحمزة السعداوي (1934 – 1995) وعبد الجبار العباسي (1937 - .......) وعبد القادر النجار (1939 – 2000), وأُعتُبِروا أبرز المبدعين من المغنين الذين ساروا على نهج الطريقة القبانجية والطرق الاخرى المعاصرة , في التجديد والابداع في حقبة ما بعد مؤتمر القاهرة 1932 الذي كان منعطفا كبيرا لتطور الموسيقى العربية بصورة عامة ..
المهم في الموضوع ، ان اجمل النتاجات الغنائية المقامية بمختلف انتماآتها الى الطرق الغنائية مثل الطريقة القندرجية 1* او الطريقة القبانجية 2* او غيرهما , وكذلك بمختلف صفاتها واتجاهاتها الذوقية والجمالية كان من نتائجها تثبيت اقوى لشكل المقام العراقي ومضمونه في حياة الإنسان العراقي ، فالفرق في الفن الموسيقي هو في التفصيلات لا في النوع .. وفنون الموسيقى والغناء بما فيها الغناسيقى التراثية كالمقام العراقي , واسطة للتعامل مع واقع الحياة ، أي ما ندعوه عادة بالحقيقة ..
مغنون مبدعون
------------------
كما اوجدت تسجيلات المطرب محمد القبانجي في القاهرة عام 1932 ابان انعقاد المؤتمر ومن بعده تسجيلات المبدعين من مغني منتصف القرن العشرين وبعد انتصافه , املاً وتواصلاً في تسجيل المقامات العراقية باصوات مؤدين مقاميين اعقبوهم كجيل آخر ، فان هذه التسجيلات ايضا قد اوجدت واعطت املاً لمؤدين مغمورين مضى على تجربتهم فترة من الزمن دون تأثير يذكر , فضلاً عن مؤدين جدد , لتنمية طموحاتهم والإجتهاد في السعي في تقديم نتاجاتهم المقامية للإذاعة والتلفزيون … وهذه حقيقة إجتهد وإكتشفها كل المغنين المقاميين المبدعين كالاربعة الكبار وغيرهم بصورة طبيعية عفوية لإظهارها كمحصلة لهذه الحقبة بسبب نجاحهم المضطرد في تأديتهم للمقامات من حيث شكلها ومضمونها 3* التعبيري والبيئي ، وكأجيال تالية ، فقد أتى على تأكيد هذه الحقيقة بالحماسة نفسها مؤدون كثيرون قلَّدوا استاذهم القبانجي وقلدوا بعدئذ الاربعة الكبار وعلى الاخص يوسف عمر في هذا المنحى بصورة تكاد ان تكون متطابقة وحاولوا تطوير حماستهم مثل حمزة الســعداوي وعبد الــرحيم الأعظمي وعبد الملك الطائي وحامد السعـــدي وخالد السامرائي وغيرهم …
هناك حقيقتان على كل حال يجب التركيز عليهما لِما لهما من إتصال وثيق بنجاح وسلامة التسجيلات المقامية التي سجلت بصوت محمد القبانجي في مؤتمر القاهرة عام 1932 من حيث شكلها ومضمونها واداؤها الفني بحقبة انتصاف القرن العشرين او بعدها , ولعلهما تلقيان بعض النور على المشكلات التي يواجهها المؤدي المقامي المعاصر..
فالحقيقة الأولى , هي انه بالرغم من ظهور نتاجات ابداعية لمؤدي حقبة انتصاف القرن العشرين الذين ايقظتهم الابداعات الجديدة في تسجيلات محمد القبانجي في القاهرة 1932 وبشَّروا بمستقبل مرموق في الأداء المقامي ، فان المجال الذي تتيحه هذه النتاجات لنشر وانتشار المقام العراقي خارج حدود المحلية كان قاصراً جداً ما خلا المطرب ناظم الغزالي الذي جعل من تسجيلات المقام العراقي والأغنية البغدادية مشروعا لسماعها من قبل كل جماهير الوطن العربي وخارج هذا الوطن الكبير ..!!
والحقيقة الثانية هي ان بعضا من تسجيلات هذه الحقبة التي تميَّزت بالإبداع الادائي الفني ذات الأنتشار الواسع محليا وعربيا ، التي استفادت كثيرا من فحوى تسجيلات القاهرة المقامية 1932 بصوت محمد القبانجي , قد اشَّرت بشكل واضح نسبة مرتفعة من تسجيلات الدرجة الأولى من حيث المستوى التقني والفني في الأداء ، ولابد من الاشارة الى ان هذه النتاجات الإبداعية وما تلاها من تسجيلات اخرى باصوات مؤدين آخرين ، قد رسمت وفعلت الكثير في سبيل بلورة وصياغة الشكل المقامي الحديث والمعاصر…
ان ما يهمنا هنا على كل حال ، هو ليس سعة او حجم القاعدة الجماهيرية من المتلقين الذين استقطبتهم هذه التسجيلات فقط ، بل العدد الذي اجتذبته من صغار المؤدين الجدد اصحاب المواهب .. هذه التسجيلات التي اسهم فيها بإنتظام مغنون كثيرون من مختلف الحقب الزمنية والاتجاهات الجمالية مثل جميل الأعظمي (1902 – 1967) ومجيد رشيد (1915 – 1982) وهاشم الرجب (1920 – 2003) وشهاب الأعظمي (1918 – 1997) وعبد الهادي البياتي وحسقيل قصاب (المتوفى 1969) وسليم شبث (المتوفى في 31 / 10 / 1981) وعبد القادر حسون (1910 – 1964) واحمد موسى (1905 – 25/8/1968) ورشيد الفضلي (1904 – 1969) وما تلاهم من مغنين … ورغم الحالة التقليدية في تتابع هذه التسجيلات باصوات مؤديها المقلدين لغيرهم من السابقين ، بيْدَ أن من المرجح ايضا ان يعثر المستمع لهذه المقامات المسجلة على بعض من هذه التسجيلات التي تتسم بخصوصية ادائية في معظم نواحيها باصوات بعض المؤدين المبدعين الذين أُنجزت نتاجاتهم عند انتصــاف القرن وما بعد ذلك …
من ناحية اخرى ، يجب ان لا يدهشنا إهتمام النقاد الموسيقيين بهذه التسجيلات المنجزة في هذه الحقبة التي تلت مؤتمر القاهرة 1932، اذا اخذنا بنظر الإعتبار ان هذه التسجيلات كانت في المقدمة عرضة لحركة نقدية نشطت في نفس الحقبة الزمنية التي بلغت هدفها نوعا ما … ان آثار هذا الاهتمام من قبل نقاد الموسيقى والنقاد المقاميين مثل جلال الحنفي و عبد الوهاب بلال وهلال عاصم وعبد الوهاب الشيخلي , تبدو محسوسة في وسائل الاعلام المسموعة والمقروءة والمرئية بعدئذ , التي زخرت بها المجلات والجرائد اليومية في تلك الحقبة من انتصاف القرن ومازالت على هذا النشاط حتى وقتنا الراهن خاصة اهتمام الناقد الموسيقي عادل الهاشمي . ولا مجال للشك في كل الاحوال , بتأثر الأداء المقامي الحديث والمعاصر بنواحيه كافة بنوعية وقوة هذا النقد .
ان هذه الحقيقة قد تكون ضئيلة الأهمية لو انها تُميِّز فقط , ظهور الاربعة المبدعون الكبار حسن خيوكة وناظم الغزالي ويوسف عمر وعبد الرحمن العزاوي , الذين يُعدّون ضمن افضل مغني حقبة ما بعد مؤتمر الموسيقى العربية في القاهرة عام 1932 … ولا يهمنا هنا اذا كان الإهتمام النقدي بمشكلات الأداء المقامي هو الذي ادى الى هذا التطور ، او ان الأثنين لم يكونا سوى انعكاس لحاجة المؤدين الى بعث الحياة في فنـِّهم الأدائي ، فأول ما يهمنا هو حقيقة كون العقد الخمسيني قد شهد مثل هذا التطور في الفكر والمفاهيم الفنية للأداء المقامي او بالأحرى في الغناسيقا العراقية على وجه العموم ، وان النتيجة الجليِّة في أداء المقام العراقي في تسجيلات القاهرة عام 1932 كانت انتعاشاً وتبديلاً وتطوراً في الكثير من التعابير الأدائية والتأمُّلات 4* الحسيَّة والخيالات الحالمة ونحن نودع القرن العشرين ونستقبل القرن الواحد والعشرين , فنحن نستطيع في الأعم الأغلب قياس مدى هذا التطور في
1 - الأساليب الأدائية وتقوية تماسك البنائية اللحنية لمسارات غناء المقام العراقي ..
2 - الخروج عن طوق المحلية في التعبير المقامي وتنوعه ..
3 – تبلور وتطور النواحي الفنية في الاداء والتعبير..
4 – وضوح لفظ الكلمة المغناة ومحاولة التعبير عن معانيها الادبية والفكرية ..
5 – السهولة في التعبير والبناء اللحني ..
6 – الاعداد الموسيقي الجديد في غناء المقام العراقي وهو ما سمي بـ (المقام المصنوع) 5* ..
إن الواضح على كل حال , هو ان المؤدين المقاميين في بغداد بل وحتى في محافظات الشمال كركوك والموصل واربيل والسليمانية ودهوك التي تمتاز بممارستها لهذه الألوان الأدائية المقامية ، قد اكتسبوا دفعاً جديداً وروحاً جديدةً واتجاهاً تعبيرياً خيالياً تأمُّليَّاً بصورة نسبية نحو فنِّهم الأدائي ولأول مرة في تاريخ هذا الأداء .
الحلقة (6)
الفصل الثالث
اثر تسجيلات القبانجي المقامية طيلة "75"عاما
ان احدى الوسائل للنظر الى ظاهرة ادائية امتازت برومانسيتها التعبيرية منذ تسجيلات محمد القبانجي في القاهرة 1932 هو اخذها على انها اهتمام اوسع مدى بالمشكلات التي كانت قد غفل عنها كبار مغنينا السابقين رغم واقعية الأسباب ... اذا ما استمرت هذه الظاهرة – والمفروض ان تستمر- فانها قد تخفف من شعور العزلة والريبة والقلق من قضية حفظ وحماية هذا التراث الغناسيقي الذي يسيطر على المهتمين بشؤون المقام العراقي او التراث الغناسيقي بشكل عام في الزمن الراهن …
ان حسنات او سيئات ظاهرة ادائية فنية تكنيكية 1* كهذه تهمنا فقط بمقدار ما يبدو من تأثيرها على مؤدينا المعاصرين من الجيل الحاضر ، خاصة وان فرص تطور الثقافة اصبحت اوسع بكثير … واذا كان هناك اثار سلبية لهذا الاتجاه الجمالي – كما يعبر عنها المعارضون التقليديون – في الأداء والتعبير والفن .! تبدو هذه الآثار بانها تنطوي على إتجاه نحو المحافظة على الأساليب القديمة او نحو إنماء تسهيلات تكنيكية على حساب الموهبة والتعبير والأصالة 2* الأدائية …
ان مثل هذا التفكير هو الذي يؤدي الى الإستنتاجات المار ذكرها ، أي أن مؤدينا المعاصرين في الأداء المقامي الذين يُفترض أن معظمهم قد تعلموا الكثير وادركوا النواحي الفنية في الغناء والموسيقى خلال حقبة تعتبر كثيفة جدا في قياس جودة التسجيلات المقامية التي ظهرت منتصف القرن العشرين , او في حقبة انتصاف القرن العشرين ..
لقد كان من نتائج هذه الحقبة الإبداعية كأمر مسلَّم به هي ان الفنان المؤدي المقامي قد فهم وأدرك تقنيات أدائه حتى تسنى له ان يبدع ويترك لنا آثارا جليلة وكبيرة وعندما تصل عملية الأداء الى هذا المستوى ليصبح الأمر الأدائي لا واعياً تماماً على وجه التقريب ، فان المعرفة التي تكون قد اصبحت جزء من الفنان المؤدي نفسه تعمل على تكييف ذلك ..
وكان من نتائج هذه الحقبة الإبداعية ايضا , التي بدأت منذ تسجيلات القبانجي تقريبا , كأمر ظهر جلياً , ظاهرة الصراع الفني الجمالي بين الطريقة الرشيدية التي كانت في ذروة كلاسيكيتها 3* والطريقة القبانجية القادمة ومضامينها الجديدة ، وكان من نتائج هذا الصراع ، أُفول الطريقة الرشيدية وسطوع نجم الطريقة القبانجية التي بشّرت بقيم جمالية جديدة وقيم فنية متطورة ومفاهيم أدائية تستحق الإهتمام والتقدير ، وكان من هذه النتائج أيضاً ظهور مؤدين مقاميين استفادوا من هذا الصراع ولو بشكل عفوي , في تنويع اساليب ادائهم بشيء من الخصوصية المستقاة أصلاً من هاتين الطريقتين والطرق القديمة الأخرى مثل المغني عبد الهادي البياتي والمغني مجيد رشيد والمغني يونس يوسف ..
من زاوية اخرى فان هذه الأساليب تعتبر إبداعاً يسجله التاريخ للمؤدين الذين تميزوا باسلوب ادائهم المستقى …! وان من اهم الملاحظات الملموسة ان مقدرة المؤدي في التركيز على موضوعه الأدائي هي دليل إبداعه …
ان الخطأ التقليدي للأداء المقامي الذي إستمرَّ لقرون كثيرة مضت ، كان يبدو دائما إفتقاراً للاهتمام بالتكنيك الأوَّلي للفن ، وهذا كما نعرفه عن تاريخ الأداء المقامي لتلك القرون التي مضت ، يمثل تقييداً بالغاً للمؤدين في التقليد الطبيعي.
بهذه الحصيلة من الحديث عن الإبداع الأدائي وبهذا المعنى ، يعد المؤدي المقامي منذ تسجيلات القاهرة المقامية القبانجية ثائراً متمرداً على القيود القديمة التي اصبحت عديمة الجدوى في زمننا المعاصر ، آخذاً بمبدأ التجربة سواء في الشكل او المضمون … ان ذلك الخطأ التقليدي الذي اشرنا اليه عكَسَ الأتجاه البديهي الذي بتنا نعتبره مثالاً للأداء المقامي في العراق … وسيكون هنالك دوماً أسفٌ لضياع فترة الصِّبا وحيويتها ..
على كل حال , نحن لا نقول ان النضج والبلوغ ليسا سوى اول علامات الإتكال ، إلا أن هذا لا يعتبر انحلالاً .. بل انه تجميع للقوى التي لم تستغل حتى تلك الحقبة التي سبقت مؤتمر القاهرة عام 1932 … ومع ذلك فإنه يبدو من المرجَّح الآن كرؤية مستقبلية لحال الأداء المقامي والمقام العراقي بشكله ومضمونه بأننا سنضطر في يومٍ ما وبشكل يستمرالى تطور اداء المقام العراقي ليدنو بصورة مستمرة من اذواق وجماليات العصر4* ومتلقيه ليكون على تماس دائم مع الواقع 5* والمستقبل 6*…
ويجب ان لا ننسى بان المؤدين السابقين قد وطّدوا انفسهم كمؤدي عصرهم البارزين دون شك . وان الأسباب الداعية الى الملاحظات النقدية هذه حول نتاجاتهم وخط سيرها الفني ، هو ان تلك الظروف سواء السياسية او الإجتماعية او الإقتصادية او … او.....الخ التي مرَّ بها بلدنا العراق اكثر إزعاجا لأي مواطن عراقي وعربي عندما يطلع عليها … وهي بالتالي اسباب ثقافية استسلم لها اكثر معاصريها من المؤدين .
من ناحية اخرى ، فإننا نلاحظ ، ان المؤدين الشباب او الأكثرية الساحقة منهم ، الذين ظهروا في النصف الثاني من القرن العشرين ، قد امتازوا في عدم رغبتهم في التحرر من الشكل المقامي الصارم ايضا ، كمعظم سابقيهم ، حيث يبدو لنا ، بان هذا الجيل المعاصر قد أفزعته واستثارته النماذج التي سبقته وثبّطت من عزيمته … ويبدو لنا ، فيما يتعلق الأمر بناظم الغزالي او يوسف عمر او حسن خيوكة او عبدالرحمن العزاوي رغم ابداعاتهم التي تستحق الذكر والتقدير ولكنها في الحقيقة استمرار لابداعات اسلافهم القلائل وتطويراً لها ، فكانت محاولات فنية تقنية ادائية اكثر منها ثورة جديدة على أولئك الأسلاف , او هي تطويراً حقيقياً للثورة القبانجية في الابداع والتغيير بعد تسجيلاته الشهيرة عام 1932 في القاهرة , حيث رافقته فرقة موسيقية تكونت من آلات موسيقية عراقية وعربية من خلال عازفيها المتميزين وهم , عزوري هارون على آلة العود ويوسف زعرور الصغير على آلة القانون ويوسف بتو على آلة السنطور وصالح شميل على آلة الجوزة وابراهيم صالح على آلة الرق ويهودا موشي على آلة الطبلة 7*, بعد ان كان غناء المقام العراقي مقتصرا على فرقة الجالغي البغدادي 8*, وبذلك يكون القبانجي رائدا في خلط هذه الالات الموسيقية في عمل غنائي موحد..
بصورة عامة , يبدو لنا ان هناك املاً كبيراً في ان يتجه الأداء المقامي ومؤدوه نحو علمية الأداء وجماليته العاطفية العصرية ، كما هو الحال بصورة اوضح من غيره عند المؤدي ناظم الغزالي الذي يعتبر منعطفاً كبيراً جداً في إضفاء نواحي ادائية جمالية وفنية في روح الأداء المقامي ، وسنبقى ننتظر من المؤدين اللاحقين نتاجات ادائية مقامية اقوى واكثر اصالة . سواء في بغداد او المحافظات الشمالية برمتها..
ان النصف الثاني لم يخلُ من محاولات ادائية في مثل هذه الإختبارات ، فلو إستمعنا الى مقام المدمي (سلّمه حجاز) لعبد الرحمن العزاوي ونفس المقام من يوسف عمر وناظم الغزالي ، نجد ان كلاً منهم قد حاول ان يدفع بتقنية الأداء الى حدٍ يبزُّ به معاصريه ، كذلك نرى ان الإسلوب الخفي الذي يعبر عن شخصية كلٍ منهم كان واضحا ، ويبدو لنا ايضا ان كلاً من هؤلاء المؤدين وحتى غيرهم إستقوا ادائهم من خبرتهم الخاصة للتعبير عن شخصياتهم ، فعبد الرحمن العزاوي يؤدي منطلقا من كونه مؤديا تقليديا معبرا عن الروح الدينية والدنيوية في مسارات لحن هذا المقام .. ويوسف عمر يؤدي من كونه يتميز بالتقليدية الواقعية المتميزة بالسهولة والوضوح وناظم الغزالي يؤدي من كونه ابداعيا في رؤية معاصرة ، فهذه الإتجاهات الجمالية الفنية التي تميِّز كل مؤدٍ منهم ، تندمج في الحقيقة مع الإسلوب الخفي الذي يعبر عن شخصية كل منهم ، لذلك لوْ عدنا الى موضوع الأكثرية من مؤدي النصف الثاني وتميُّزهم بتقليدية الأداء العفوي ، فإنه يبدو لنا بأن القلة القليلة منهم ، هم الذين يسيرون في وجهة التطوير والخلق والإبداع ، ومحاولة انتشال الأداء المقامي ومؤديه من الأصرار في ادائهم العفوي التقليدي الذين امتلكوه بالفطرة . ومن ثم دعم هذا الموضوع بالعلم والثقافة الموسيقية والمعرفة …
توثيق التسجيلات الصوتية في الاذاعة
العراقية بعد مؤتمر 1932
لقد كانت اولى الحفلات التي اقامها حسن خيوكة من خلال اذاعة قصر الزهور 9* منذ عام 1937 وغنى فيها تشكيلة من المقامات العراقية مثل مقام الأوج ومقام المدمي والأشعار مع الأبوذيات وغيرها ، كانت ترافقه فيها فرقة موسيقية مكونة من آلات تراثية هي الجوزة والسنطور والرق والطبلة والنقارة (فرقة الجالغي البغدادي) ويزاد عليها احيانا بعض الآلات العربية مثل العود والقانون والناي والكمان بالدوزان الشرقي10* لتصبح فرقة موسيقية يطلق عليها غالبا (التخت البغدادي العربي) 11*، واستمر في ذلك حتى دخوله اذاعة بغداد اوائل الأربعينات مؤديا الكثير من المقامات والحفلات على الهواء مباشرة كلما تسنح الفرصة لذلك ، شأنه في ذلك شأن بقية المؤدين المعاصرين ، حيث لم تسجل اغلب او جميع هذه الحفلات وذهبت هباءً مع الهواء ادراج الرياح ..
ان اول بداية ليوسف عمر كانت عام 1952 في الاذاعة العراقية , حيث سجَّل مجموعة من المقامات والأغاني التراثية , واستمر بذلك بانتظام وفي هذه الحقبة قُدِّر لمعظم هذه التسجيلات سواء ليوسف عمر او لغيره ان تسجل وتوثق وتحفظ على المدى التاريخي من خلال الاذاعة العراقية ، لتطور الامكانيات التقنية لاجهزة التسجيل الصوتي , وعلى هذا الأساس فإننا نستطيع على وجه العموم ان نتابع مسيرة هذا المطرب من خلال نتاجاته المسجلة في الاذاعة او في التلفزيون بعدئذ 12*.
اما بداية المطرب الكبير ناظم الغزالي فقد كانت ضمن فرقة تمثيلية اشتهرت في بغداد على نطاق واسع في تلك الحقبة ، وهي فرقة (الزبانية) 13* المنبثقة من طلبة معهد الفنون لجميلة فرع التمثيل حيث كان الغزالي احد طلبة المعهد في هذا الفرع , ولم يدرس الموسيقى ..!!! حتى قدِّر له ان يجرِّب حظه في الغناء ، فنال النجاح العظيم ، الذي لم يحسب له الغزالي أي حساب .. وكانت اولى اغانيه الحديثة (وين الكه الضاع مني) التي لحنها له الفنان سمير بغدادي (وديع خوندة) وذلك بعد دخوله دار الاذاعة العراقية عام 1948… وعند تأسيس الفرقة التمثيلية (فرقة الزبانية) التي كان الغزالي احد اعضائها البارزين … قدَّموا عدة مسرحيات وتمثيليات كان يعدها ويخرجها عميد المسرح العراقي ورائده الكبير حقي الشبلي ، وعليه كانت مهمة ناظم الغزالي ثنائية في كثير من الأحيان ، فهو يمثل وهو يغني ، واستمر الحال حتى استقلاله عن الفرقة واعتماده مطربا من الدرجة الأولى في اذاعة بغداد اواخر الأربعينات … ومن حسن الطالع ان بدايته هذه عاصرت ظهور موسيقيين كبار من خريجي قسم الموسيقى في المعهد والذين قدِّر لهم ان يغيِّروا موازين الثقافة الجمالية للموسيقى في العراق امثال حسين عبد الله عازف على آله الطبلة الإيقاعية وجميل بشير وسلمان شكر ومنير بشير وخضير الشبلي وسالم حسين وغانم حداد وناظم نعيم وغيرهم الكثير ..
اما بالنسبة الى بداية عبد الرحمن العزاوي المتأخرة نسبيا , فقد كانت بعد لقائه بالخبير المقامي الشهير الحاج هاشم محمد الرجب الذي كان يرأس لجنة اختبار المطربين المقاميين للإنضمام الى الإذاعة والتلفزيون كمطربين مقاميين معتمدين في هذه الدار . الذي استمع الى العزاوي في احدى المناقب النبوية الشريفة 14* وفي هذا اللقاء تم الاتفاق على مثول العزاوي امام لجنة الاختبار في الاذاعة والتلفزيون بعد مفاتحة العزاوي للرجب بهذا الشأن , فوافقت عليه اللجنة بعد الاختبار لتسجيل بعض المقامات , فسجَّل اول مقام له وهو مقام الراشدي (سلّمه جهاركاه) مع فرقة الجالغي البغدادي المكونة من عازفي الجوزة والسنطور شعوبي ابراهيم وهاشم الرجب نفسه ,
ونستطيع ان نقول ان معظم او جميع تسجيلات عبد الرحمن العزاوي في الإذاعة والتلفزيون موجودة ومحفوظة 15*…
ولعل المشكلة الأكثر تعقيدا في موضوعنا هذا ، هي تسجيلات حسن خيوكة المقامية الأولى أي منذ دخوله اذاعة قصر الزهور 1937 وحتى بداية الخمسينات ، غير موجودة ولم يعثر على اثر لها حتى الآن ، وارجح الظن انها لم تسجَّل في وقتها ، فقد كانت حفلات اذاعية على الهواء مباشرة دون تسجيل لها ، لذلك فقد كان خيوكة يعيد غناء هذه المقامات مرَّات ومرَّات حتى سنحت الفرصة لتسجيلها وتوثيقها اواخر الأربعينات حتى بداية الستينات التي لم يكتب له القدر ان يعيش معظمها ، وتقديري الشخصي ، ان خيوكة نفسه لم يضمن ان مقاماته التي غناها خلال الحفلات الحية التي كانت تذاع للمطربين في كل اسبوع قد تم تسجيلها فعلاً على سبيل التوثيق .. لذا عكف على اعادتها مرَّات عديدة حتى سُجِّلت في دار الإذاعة العراقية .. اواخر الاربعينات ومطلع الخمسينات ..
اهمية النتاجات المسجلة
من المؤكد على كل حال ، ان يكون من كبير الخطأ اعتبار مقامات مثل مقام الدشت(سلّمه بيات حسيني) او مقام الأوج(سلّمه هزام) او مقام المدمي او الأشعار مع الأبوذيات او مقام الراشدي(سلّمه جهاركاه) او مقام الشرقي رست(سلّمه رست) او مقام الأورفه(سلّمه بيات حسيني) او مقام الهمايون(سلّمه نكريز) او مقام الأوشار(سلّمه سيكاه) التي غناها كل من المطربين الابداعيين الأربعة الكبار خيوكة وعمر والغزالي والعزاوي … من الخطأ اعتبار هذه المقامات مجرد مقامات صغيرة وبسيطة وليست كبيرة الشأن في تاريخ مسيرة كل منهم الفنية … وذلك لأن الأعمال لا تحسب لسعة حجمها او تعقيداتها بالضرورة ، بل ينظر اليها بشكل اوسع على انها كيف أُديت وكيف أُنجزت وما قيمتها الفنية وقيمة بنائها الديناميكي ومتانة العلاقات الداخلية كعمل موحد. طالما كان غناء هؤلاء المطربين المبدعين للمقامات التي سجلوها ، ناجحا في قيمها الفنية وحبكتها الديناميكية وتماسك علاقاتها كعمل موحد ، وناجحا في اظهار الأمكانيات الفردية لكل منهم في الأداء المقامي ، فان جميع اعمالهم تعتبر ناجحة وتشكل تاريخا فنيا طيبا لهم , بل تاريخا مقاميا منجزا يحسب في القرن العشرين 16* ..
وبالإجمال فإننا نستطيع ان نضيف الى اعمالهم هذه ، الأعمال الكبيرة التي سجَّلوها ، مثل مقام الرست لحسن خيوكة وهو من المقامات الرئيسة والكبيرة الذي يمكن ان نعتبره افضل انجازاته الأدائية دون تردد. وبه اشتهر خيوكة واستقام ، اذ اكد من خلاله انه قادر على اداء المقامات الصغيرة والكبيرة بمستوى ناجح ذي بناء متماسك ..
وكذلك المقامات الكبيرة والرئيسة التي سجَّلها يوسف عمر التي نجح فيها ايضا ، ذلك النجاح الذي اعتبر مميزا بين معاصريه .. مثل مقامات الرست والحجاز ديوان والبيات والمنصوري(سلّمه صبا) والنوى(من النهاوند) والسيكاه و.. و
ورغم ان مقام الصَبا ليس بالمقام الكبير من حيث تفصيلاته الفولكلورية المقامية الأدائية ، بيْدَ انه سلَّم ومقام رئيسي كان قد غناه ناظم الغزالي بجمال خلاَّب بالقصيدة الشهيرة (سمراء من قوم عيسى) في دار الاذاعة العراقية .. ثم غنى نفس هذه القصيدة في الحفلات التي اقامها بالكويت قبيل وفاته بفترة ليست طويلة باسلوب مقام الجهاركاه ..
اما المطرب عبد الرحمن العزاوي فقد ادى هو الآخر مقامات رئيسة وكبيرة بنجاح جيد في الأعم الأغلب .. منها مثلا مقامات العجم عشيران والخنبات(سلّمه يستقر على البيات مع اظهار جنس النهاوند) والحجاز ديوان والرست والسيكاه والمنصوري ..
تحول في جماليات التعبير
لقد بات أمراً شائعاً في أية دراسة تتحدث عن اعمال ونتاجات المطربين المبدعين الذين ظهروا بعد عام 1932 خلف رائدهم ومثيرهم الاول محمد القبانجي , كخيوكة وعمر والغزالي والعزاوي , وناظم الغزالي على وجه التخصيص ، ان يشار الى اثباتات في اداءاتهم المقامية التي يبدو انها تدل على تحول واضح ، من الأساليب الغنائية التقليدية القديمة وجمالياتها التعبيرية التي يبدو انها استهلكت وباتت في حاجة الى رفدها بروح تعبيرية فنية جديدة … الى اتجاه جمالي جديد سمح ومعاصر انطلاقا من روح الابداعات المستجدة في تسجيلات محمد القبانجي عام 1932 لتقبل الأحوال التطورية والثقافية والمستجدات المعنوية في الحياة التي تسير بسرعة كبيرة ، ودقائق نقضيها في سماع مقامات معظم المؤدين الذين سبقوا الغزالي وكذلك المقامات التي غناها الغزالي او زملاؤه المبدعون خيوكة وعمر والعزاوي , لإستطعنا ان ندرك سريعا مدى الفوارق الجمالية والفنية بين هؤلاء المبدعين عن سابقيهم .. وكذلك فإنني ارى ان هذه المقامات التي غناها الغزالي مثل مقامات الحويزاوي(سلَّمه حجاز) والبهيرزاوي(سلَّمه بيات) والصَبا والحكيمي(سلَّمه هزام) وغيرها , او زملاؤه المبدعون , مثل المقامات التي اداها حسن خيوكة كالرست والدشت(سلَّمه بيات حسيني) والمخالف17* او المقامات التي اداها يوسف عمر كمقامات البيات والحجاز ديوان والمنصوري(سلَّمه صبا) او المقامات التي اداها العزاوي كمقامات الراشدي والعجم عشيران وغيرها .. يمكن اعتبارها نقطة انطلاق جمالية وذوقية قرَّبت كلاً من المقام العراقي كغناء تراثي , والجماهير الواسعة لبعضهما .. اكثر من أي وقت مضى ، وبذلك فقد استطاع هؤلاء المبدعون من المؤدين المقاميين ان يصلوا الى مستوى التعميم 18* الذوقي والجمالي والتأثيري في المجتمع , وان يجعلوا المقام العراقي غناءً جماهيريا لكل فئات الشعب الذوقية والإجتماعية على حد سواء .. ان تطورا كهذا يبدو اكثر وضوحا في تسجيلات المقامات التي سجِّلت داخل الإستوديو الإذاعي ، حيث تتسنى دقة متناهية نموذجية في هندسة التسجيل الصوتي ..
مقارنات جمالية
لقد بُحثتْ مقارنات بين نتاجات المغنين المقاميين من الذين ظهروا بعد مؤتمر القاهرة 1932 الاربعة الكبار حسن خيوكة ويوسف عمر وناظم الغزالي وعبد الرحمن العزاوي كمغنين مبدعين من جهة , وبين نتاجات معاصريهم المقاميين من جهة اخرى ، وهناك شبه بسيط ولاريب في بعض خصوصيات الأداء فيما بين الجميع ، إلا أن المغنين الذين عاصروا خيوكة ويوسف عمر والغزالي وعبد الرحمن العزاوي ، كان معظمهم تقليديين جداً ، حتى يخيَّل عند الاستماع اليهم من قبل الجماهير انهم يصورون عقم الحياة المدنية والحديثة والمعاصرة التي امتازت بكثرة التغيُّرات والتحوُّلات في جميع الميادين , من خلال تعابيرهم واساليب عروضهم البائسة ، ان هذه المقارنات على كل حال مهما بلغت درجتها من الصحة يبدو انها اوثق فيما بين المؤدين المبدعين الأربعة الكبار, لِما يمتاز كل منهم باسلوب ادائي ابداعي خاص من حيث المبدأ ومن حيث المنحى ، ان خصوصية ابداع واسلوب كل منهم مغاير للآخر رغم استقائهم من ينابيع ادائية متشابهة , وهنا تكمن قوة ابداعهم ، لتحقيق وحدة العمل الجوهرية ، كعمل مقامي محافظ على شكله ، وقد يبدو ان حسن خيوكة ويوسف عمر وناظم الغزالي وعبد الرحمن العزاوي ، والغزالي وخيوكة على وجه التخصيص ، يعمدون الى التوسع في اضفاء التعابير الخيالية المتسمة بالجمال العاطفي الرومانسي المتأمل لتسجيلاتهم المقامية ، وتبقى الحقيقة مع ذلك ، هي انه بالرغم من كون هذا المزاج الأدائي لكل من هؤلاء المؤدين المبدعين يضيف مستوى آخر بارزا يحسب لهم كقيمة فنية الى الحصيلة العامة لنتاجات غنائية مقامية او حتى غير مقامية لكل مغن من المغنين الآخرين.
الحلقة (7)
قيم فنية جمالية
ان الغناسيقا بأسرها ، تستند الى القيم الفنية المتعارف عليها ، وهي في العادة قيم فنية وُجِدت كضرورات لحاجة المتلقي والمتذوق لهذه النتاجات ، ان عالم المُثل والقيم والأخلاق 19* والتربية والإرشاد .. هو في الحقيقة جزء من العالم الحي للنشاط الإنساني الذي يهدف الفنان الى تصويره في فنِّه . وهكذا لجأ المؤدون المقاميون الناجحون الى هذا التفاؤل الادائي 20* ، عندما كانوا في كثير من نتاجاتهم المقامية يعالجون قيماً جمالية لعالمِنا المعاصر ، وهكذا ايضا نرى ان المغنين المقاميين الكبار السابقين امثال احمد الزيدان (1832 – 1912) وحمد بن جاسم ابو حميد(1233ه1298) وخليل رباز(1924 – 1904) وجميل البغدادي (1876-1953) وعباس كمبير الشيخلي(1883-1971) ورشيد القندرجي (1886 – 1945) ومحمد القبانجي (1901 – 1989) ونجم الشيخلي (1893- 1938) واللاحقين لهم كصدِّيقة الملاية (1900-1970) وجميل الاعظمي (1902 – 1967) وسليمة مراد (1905-1974) وسلطانة يوسف (1910- 1995) وشهاب الاعظمي (1918 – 1997) وعبد الهادي البياتي (1911-1974) ومجيد رشيد (1915- 1982) والاربعة الكبار حسن خيوكة ويوسف عمر وناظم الغزالي وعبد الرحمن العزاوي وغيرهم ، قد ابدعوا في التعبير عن حقبتهم الجمالية في زمنهم المعاش , رغم تميَّز رائد الابداع والتجديد محمد القبانجي والاربعة الكبار في تجاوزهم حقبتهم نحو تأملات المستقبل وهو ما اجمعت عليه كل الكتابات النقدية والاراء الفنية للمتخصصين والعاملين في الوسط المقامي …
على كل حال ، ثمة منطقية في القول ، بان المغني العصري قد استلهم اسلوبه الأدائي الخاص من هذه القيم ، في الوقت الذي يرى فيه الباحث ان يومنا هذا قد تضاءل فيه إيمان فناننا بما كان عليه في الماضي . فقد امست الحياة اسرع منه وحصلت فجوة جمالية ما انفكت تزداد وتتوسع , ليس في مجتمعنا فحسب , بل في كل المجتمعات رغم تفاوتها … وسيبقى الإعتماد على مواكبة هذه الجماليات وروح العصر الذي نعيشه على الإستثناءات الجمالية والإمكانيات الابداعية الفذة للقلَّة من الأفراد الفنانين الذين يوهبون فطرة التعبير عن حقبتهم ، بل عن مستقبلهم … الأمر الذي يساعد على تقريب او ردم هذه الفجوات في الرؤية الجمالية والذوقية … في محاولة جادة لتجديد القيم القديمة باساليب تؤثر في المتلقي المعاصر كأُمور هي من صلب حاضره المباشر وذات علاقة برغباته المعقدة …
على كل حال .. هناك شعور او تصوُّر او ادراك دائم من قبل الفنان خاصة والمتلقي عامة .. بأن عدم الرِّضى هذا يمثِّل حالة الفنون جميعا . هذا بالرغم مما انجزه كل من المغنين المبدعين او استاذهم الكبير محمد القبانجي قبلهم او حتى كل المبدعين الآخرين على قدر ابداعهم بصورة عامة .
ان على كل فنان ان يدرك استحالة وصول عصره ، او أي عصر آخر ، الى معرفة الحقيقة النهائية او المطلقة لواقع التعبير عن هذا العصر او ذاك .. لأن الزمن مستمر وان التحولات سائرة بلا هوادة .. ولكن تبقى محاولات الوصول الى اقصى ما نستطيع من الابداع والتطور ومواكبة العصر الذي نعيش فيه للِّحاق بالرَّكب الحضاري والتعبير عن حياتنا من ماضيها حتى حاضرها ومستقبلها
تحولات جمالية
ان الجماهير المتذوقة للغناسيقا قبل العقد الرابع من القرن العشرين ، كانت راضية عن جمالياتها ومقتنعة بالاساليب الأدائية المطروحة 21*… إلا أن ذلك الرِّضى اصبح منعطفا بعد مؤتمر القاهرة عام 1932 مع احتمال انطباق ذات الامر على مجمل الشعوب العربية , وبذلك فقد كانت الأسئلة التي بدى ان الفنانين قد طرحوها عن وعي او دون وعي ..
- ايّ من قيم الماضي الفنية والجمالية هي المناسبة ؟
- وعلى أي اساس تقوم تلك القيم ؟
- وهل هناك قيم جديدة يمكن ان نجعلها اكثر ملائمة لحاضرنا ومستقبلنا .؟
- وهل هي ايضا مناسبة ؟
- او هل هي ذات ارتباط بالتعبيرعن ظروفنا الحديثة والمعاصرة ؟22*
هذه الأسئلة ومثيلاتها ، كان يبدو انها تكمن وراء فنيَّة وجمالية وامكانية كل من حسن خيوكة ويوسف عمر والغزالي وعبد الرحمن العزاوي في العراق … او أي مبدع آخر حتى في المجالات الإبداعية الأخرى ، فنون او غير فنون , ان تأثير الاحداث الجسام هذه على المجتمع اثَّرت على المبدعين الراحلين كما انها بالتأكيد ستؤثِّر على سيماء وخلجات المعاصرين وتطبع على مجمل الانتاج مسحةً متميزة تدل على التأثير العميق لطبيعة هذه الاحداث , اما المبدعون فنظرة متفحصة الى خيوكة مثلاً نراه يعبِّر عن هذا التأثر في غنائه بهدوء بالغ وفي احساس دقيق من فيض العاطفة وشجن خلاب جميل بصدق واضح عن تجربة كبيرة وهامة في حياته … فهو يعبِّر عن مأساته ويعاتب التاريخ والقدر اجمل عتاب خُلُقي تعبيري , ومن خلالها يتبنى مآسي المجتمع عموما بروح رومانسية لا يُملُّ منها أبداً ، فهو يتخذ كل حياته مجالاً رحباً في بناء اسلوبه الأدائي في المقامات التي سجَّلها بصوته الرقيق
المضامين الاسلوبية بعد 1932
ان اهم ما يميِّز المبدعين عموما في التعبير عن الحقيقة والواقع المعاش ، واهم ما يميِّز محمد القبانجي وتلاميذه المبدعين حسن خيوكة ويوسف عمر وناظم الغزالي وعبدالرحمن العزاوي او غيرهم من المؤدين المقاميين .. هو استعمال اسلوب تعبيري ندرك من خلاله انهم يدركون ويفهمون مشاكل المجتمع ، فيوسف عمر يعتمد على وسائل اسلوبيه محافظة على روح البيئة البغدادية واشد محافظة على الشكل المقامي باصوله التقليدية ، فمهمة يوسف عمر تبدو مهمة تاريخية كان واجبها نقل هذا التراث الغنائي والموسيقي من السابقين الى اللاحقين بكل امانه دون زيادة او نقصان من حيث الشكل , لكنه تلاعب في المضمون حيث عبَّر بصورة حاكى فيها اذواق عصره وكسب من خلالها جماهيرية طاغية .. ولعلَّ الأمر يقترب كثيرا من هذا المعنى بالنسبة الى المطرب عبد الرحمن العزاوي الذي كان يتمتع بشاعرية جميلة في تعبيره الأدائي اوصلته الى الجماهير بصورة مباشرة .
اما الغزالي فقد كان يعتمد على وسائل اسلوبية منوعة بين الوصف الافتراضي والمخاطبة المستفيضة للموضوع والحضور المسرحي والأناقة التي يهتم بها كثيرا وكذلك في اختيار مادة كلامه المغنى من كلمات الأغاني او الزهيريات23* او القصائد الشعرية ذات المفردات الغنائية والمعاني المناسبة.
على كل حال – ان أياً من المغنين المبدعين لايكتفي بمجرد تصوير بسيط لهذا الثالوث (الماضي والحاضر والمستقبل) بل ان كلاً منهم يرى ان موضوعه التعبيري قد صدق فيه وجاء عفويا وانعكاسا طبيعيا للواقع المعاش ورؤية متعددة الأشكال لهذه الأزمنة ..
ان غناء المقامات او الغناء التراثي بصورة عامة لايقوم على مبدأ توضيح اتجاهات وافكار يسبق توقعها ، بل العكس صحيح ، لأن الصدق في التعبير هو محور القضية ...
من ثمار- 75 – عاما
(المقام المصنوع)
إن الفترات الزمنية التي ظهر فيها محمد القبانجي وتسجيلاته المقامية 1932 واللاحقين من بعده ، تعتبر إنعطافاً في الفن العراقي بحق , لوقوع بعض الأحداث الفنية المهمة ، منها تأسيس الإذاعة العراقية اوائل الثلاثينات وفي نفس الزمن تأسيس معهد الفنون الجميلة الذي تخرَّج منه ناظم الغزالي ممثلاً … وكان قد عاصر الغزالي منذ فترة الدراسة كزملاء في المعهد فنانون موسيقيون أصبحوا فنانين كباراً لهم شأن كبير في الموسيقى , إستطاعوا ان يُنهِضوا بالفن الموسيقي الى أعلى المراتب الفنية والعلمية والجمالية ، وخلاصة القول نلاحظ ان التسجيلات المقامية التي أُنجزت في الفترة المعاصرة لخيوكة والغزالي وعمر والعزاوي الواقعة في عقود الاربعينات والخمسينات والستينات من القرن العشرين ، كانت على نوعين من الأداء … اذ يمكن ان نلقي بعض الضوء على هذه التسجيلات من ناحية اخرى … حيث ان المقامات التي اداها المطربون المقاميون في الحقب السابقة لمؤتمر القاهرة عام 1932 ، كانت قد اديت كما وصلت كموروث غناسيقي من حيث الشكل والمضمون أباً عن جد ، من السابقين الى اللاحقين ، دون تدخل العقل بصورة مباشرة في ادائها ، وأعني بذلك انها أُدِّيت بوعي عفوي تلقائي تقليدي من حيث اداء القالب التراثي (form) مع الموسيقى , أي مقدمة موسيقية بسيطة او بدونها .. وهو ما نلاحظه في تسجيلات رشيد القندرجي ومغني جيله بل وحتى تسجيلات محمد القبانجي الاولى التي سجلها في المانيا في عشرينات القرن العشرين , كانت بداية جيدة لتطور العمل الفني بصورة عامة ثم يتابع الموسيقيون المطرب حتى نهاية المقام ثم تأتي الأغنية التي تتبع المقام (بسته)24 * دون ان نستمع الى وضع او إدخال تحليات او إضافات تذكر لمثل هذه الأعمال المقامية لأجل ابراز دور الموسيقى ، حتى يصل الأمر في معظم الأحيان الى إستغنائهم عن إجراء التمارين الكثيرة (البروفات) لأعمالهم قبل تسجيلها..!! 25* وهذا يعني من جانب آخر ان دور الموسيقى كان ثانوياً ..!! ولكن ما ان تخرَّج طلبة الدورات الأولى في قسم الموسيقى بمعهد الفنون الجميلة حتى ظهرت ثمرات طموحاتهم الفنية والذوقية ، فبدأوا اولاً باعداد مسبق للأعمال الغناسيقية بصورة عامة إعتمد على حيِّز جيد من التفكير الموسيقي ومن جماليات الذوق المعاصر وبصورة ملفتة للسمع والنظر .. ذي علاقات فنية متماسكة جماليا ، وبناء فخم من الإعداد المتقن ، بحيث عادت الى الموسيقى قيمتها الحقيقية , وأعتقد ان معظم المطربين المعاصرين لهذه الحقبة كان لهم حظَّاً في انتاج هكذا اعمال معدة فنياً وموسيقياً وقد أطلق على هذه المقامات من قبل النقاد والمتخصصين في الشان المقامي ب (المقامات المصنوعة او المقام المصنوع) ولعل المطربين المبدعين, والغزالي على وجه الخصوص , كانوا أوْفر حظاً في إنتاج اعمالهم بهذا الإسلوب الفني . وبلاشك ان الرؤية الجمالية والاحساس الكبير بفنية الاداء التي يمتلكها ناظم الغزالي بالفطرة يشاركه كذلك حسن خيوكة في هذا الأمر إضافة الى الزميلين الآخرين يوسف عمر وعبد الرحمن العزاوي قد ساهمت هي الاخرى متفاعلة مع مضامين وجهود العمل الغنائي الذي قاموا بادائه وسُجِّل لهم كمقامات عراقية ستبقى تسمع الى زمن يطول كثيرا …
وضمن هذا الموضوع يجدر بنا ان ننتبه عند سماعنا المقامات التي انجزها ناظم الغزالي الى انها ظاهرة فريدة من نوعها من حيث الاداء الفني والتأملات الرومانسية التي كان رائدها حسن خيوكة والذي كان ناظم الغزالي معجبا به26* , ومقامات الغزالي مثل مقام الحويزاوي ومقام البنجكاه(سلّمه رست) ومقام الصبا ومقام المخالف ..
وفي مقام الحويزاوي (سلَّمه حجاز)الذي يغنيه الغزالي بقصيدة للبهاء زهير , نلاحظ قيمة الإعداد الموسيقي ودوره الفني في النتاج مع اغنية (وشبان مني ذنب) ..
ويصل ناظم الغزالي قمة ادائه الفني في مقام البنجكاه الذي بزَّ فيه من ناحية الاداء الفني كل معاصريه بقصيدة جعفر الحلي ..
وكذلك مقامات حسن خيوكة مثل مقام الرست بإعداده المميَّز ومقام الدشت ومقام الأوج ومقام المدمي والشعر مع الابوذية27* ..
إضافة الى المقامات التي اداها يوسف عمر مثل مقام العجم عشيران والأشعار مع الأبوذيات ومقام الإبراهيمي(سلّمه بيات) ومقام الكرد ..
وكذلك مقامات عبد الرحمن العزاوي مثل مقام الحكيمي(سلّمه هزام) ومقام الشرقي رست ..
تسجيلات مقامية تعتبر خطوة الى الأمام في سبيل تنمية العنصر الذوقي والجمالي ، ان هذه التسجيلات في منحاها الإعدادي الفني التي سار عليها معظم المعاصرين واللاحقين من المؤدين المقاميين ، كانت منعطفاً ابداعياً جديداً بحق…
ان حيرة بعض من الجماهير الذين يكنُّون أقل إحترام للإبداع والتجديد. تنتج عن ميل مجتمع شديد التمسك والمحافظة على الشكليات والتقليديات للإبقاء على جماليات إنتهى رونقها ، واذواق وتعابير باتت صلتها بالحياة الحاضرة واهية او شبه معدومة او معدومة في بعض الأحيان … عكس ميول مجتمع يمتلك وعياً ثقافياً ورؤية متحررة الى إنكار كل بناء تعبيري جمالي شكلي تقليدي مستهلك فقدَ مقوِّمات وجوده في العصر الراهن .
هذه هي المتناقضات التي فتش عنها الباحث وسال عنها واطلع على المصادر في التسجيلات المقامية التي خلفها لنا كل المؤدين تقليدين وتجديدين .. إنها دراما بين الجميع .. دراما يحتدم صراعها على طول الزمن بين القديم والجديد ، وهذا هو شأن الحياة وإحساسنا بها.
الحلقة (8)
وهي الاخيرة
حقبة انتصاف القرن العشرين
إن قضية الأداء في حقبة انتصاف القرن العشرين التي تعتبر امتداداً اصيلاً لحقبة التطورات والتغيرات والتحولات في العقود الاولى للقرن العشرين التي كانت هي الاخرى منعطفاً للبشرية جميعاً والتي كانت بوادرها في العراق منذ اواخر القرن التاسع عشر متزامنة مع السرعة المذهلة في تطور الصناعة والتكنلوجيا بصورة عامة واجهزة الحفظ والنشر والتسجيل والإتصال
ان هذه الحقبة ستبقى مستمرة بشكل اكثر إدهاشا وذهولاً كلما مضى الزمن ، طالما ان الحياة ومتغيراتها اصبحت سريعة بصورة تكاد ان تكون تعجيزية بحيث اصبح اللحاق بها او مواكبتها امراً صعباً يحتاج الى وعي وثقافة متحضرة ومتفتحة …
إن حقبة انتصاف القرن العشرين هذه تفترض الحيرة بصورة مباشرة ، إذ تفترض ان الوسائل والإمكانيات الثقافية والفنية والموسيقية عاديَّة ولاتُلبِّي كل الطموحات في بلورة ابداعاتنا وتأصيلها لمعالجة مشاكل المجتمع العاطفية والذوقية ، ان المشاكل الفنية موجودة في كل مجتمع ، وهذه هي مشكلتنا ولابد لها ان تكون قابلة للحل الابداعي … ان هذه الحقبة ايضاً تفترض علاوة على ذلك ، بان المتلقي يكون قد قطع شوطاً هاماً في عملية الفهم والإدراك الذاتي اذا ما تعلَّم ان يحيا بالمعرفة ، وهذه هي (التجربة)28* التي ينبغي ان يعيشها الجميع ..
على كل حال .. فإن الوسائل والإمكانيات المتاحة التي بها يحصل الإكتشاف والإبتكار والإبداع ، هي مادة مضمون الأداء ، سواء مضمون أداء خيوكة او يوسف عمر او الغزالي او العزاوي او غيرهم من المبدعين عموماً ، هي الإكتشاف بأن العنصر الثقافي والجمالي للمتلقي لم يعد يقتنع او يرضى بالنتاجات التي تعتمد على الفطرة والعفوية فقط ، والملاحظة الأخرى هي ان الإكتشاف الآخر في هذا الأداء هو فهم وإدراك المتلقي لحاجته الثقافية والذوقية والجمالية لأكثر اساليب الغناسيقى …
كذلك فإن الأداء في حقبة انتصاف القرن العشرين قد إقترب في التعبير عن قضية الإنسان العراقي الحديث والمعاصر في بحثه عن الإعتبار وسط خواء القيم الفنية القديمة . وهكذا نرى ان (التجربة) اوصلتنا في هذه الحقبة الى إدراك أن المعرفة العلمية للموسيقى ودراستها امر لابد منه .. وبدون ذلك ستبقى حتى إبداعاتنا الإستثنائية دون الطموح بكل تأكيد ، وأبسط ملاحظة في ذلك ما كان من تفوق حقبة انتصاف القرن العشرين على ما سبقها من اساليب الأداء العفوي والنقل الببغاوي للمادة المقامية التراثية الذي يحتم بناء جاذبيته بالدرجة الاولى على مقاييس القيم الفنية القديمة …
ان ادخال الفكر الموسيقى في عملية الأداء والإبداع ومزجه مع مضامين الفطرة كمادة ادائية تراثية ، يعالج مشكلة الفن والجمال والذوق المعاصر بصورة مباشرة . وهكذا فإن (التجربة) في إعداد المقام العراقي وباقي الأغاني عند ادائها بإسلوب الحقبة كالمقامات التي أُعدت موسيقياً لخيوكة والغزالي ويوسف عمر والعزاوي وغيرهم من المعاصرين ، تُظهِر جمالية هذه (التجربة) وجعلها بداية فنية جمالية سار على نهجها اللاحقون وأضافوا إليها ، لتجديد المواقف الجمالية التي تجري فيها الإبداعات الأكثر شمولاً …إنها أكثر إبداعاً ، لا لكونها أكثر معاصرة في التعبير عن جماليات الحقبة ، بل إن الأساس الجمالي الذي إقترن بالمعرفة والدراسة الموسيقية قد جسَّم وشخَّص الإسلوب القريب في التعبير عن ذوق ملائم لها …
هذه المقاييس الأدائية الفنية والجمالية في التعبير عن ( التجربة) والتحولات التي إتسمت بها ، والتي أصبح بموجبها الإدراك الفني والجمالي ، لا مجرد مشكلات عاطفية بسيطة ، انها مشكلة أحاسيسنا بكل ما يحيط بنا ، وهي أيضاً مشكلات جماليات الإنسان المعاصر في مجتمعنا …
على كل حال ، إن هذه المشكلات هي بالتالي مشكلاتنا جميعاً في عصرنا الراهن ، وستبقى كذلك اذا لم نعِ هذه المشكلات خاصة ونحن نعيش في مجتمع نامٍ يحتِّم علينا الوعي والإدراك الكبيرين بما مطلوب منا في اللِّحاق بركب الحضارة التي يعيشها إنسان اليوم في دول العالم المتقدم ، فلابد إذن ان نعي وجودنا وندرك قيمتنا ونعمل ما بوسعنا.
لعل هذا هو أقرب ما بإستطاعتنا الوصول إليه في تلخيص الموضوع ووجهات النظر النقدية ، او ما أُلقي بعض الضوء حول الإنجازات الفنية المقامية لأبرز المطربين المبدعين في القرن العشرين بعد استاذ الجميع المبدع الاول محمد القبانجي ، ونعني بذلك - حسن خيوكة ويوسف عمر وناظم الغزالي وعبد الرحمن العزاوي – الذين تعد نتاجاتهم المقامية من أفضل الاعمال المرموقة في فن أداء المقام العراقي في القرن العشرين , والذين إستطاعوا مع استاذهم القبانجي بنتاجاتهم توجيه الذوق الجمالي والفني في بلدنا الى تيار خيالي تأملي رومانسي لأول مرة فيه كل التفاؤل والامل .
قيمة نتاجات المغنين المبدعين
ومن ناحية اخرى ، فنحن لا نقِّيم التسجيلات المقامية التي خلفها لنا محمد القبانجي ولاحقيه على اساس الإنجاز الفردي ، بالرغم من امكانية تشخيص ان الاغلبية الساحقة من تسجيلات محمد القبانجي وتسجيل مقامات الرست والدشت والأوج لحسن خيوكة ومقامات البنجكاه والحويزاوي والصبا لناظم الغزالي ومقامات العجم عشيران والابراهيمي والبيات ليوسف عمر ومقامات العجم عشيران والحكيمي والشرقي رست لعبد الرحمن العزاوي … هي من افضل ماتم إنجازه من تسجيلات غناء المقام العراقي من الناحية الفنية والذوقية والأدائية في القرن العشرين , ان لم تكن افضلها فعلاً ، إلا أنه من العسير الإثبات ان هذه التسجيلات الغنائية المميَّزة التي خلفها لنا هؤلاء المطربون الكبار ، بأنها اقوى تاثيراً من جميع التسجيلات التي ظهرت من خلال اداء المطربين الآخرين في القرن العشرين ،
صحيح ان القيمة النهائية لكل من هؤلاء المطربين المبدعين خيوكة والغزالي و عمر والعزاوي فضلا عن استاذهم القبانجي ، تتمثل في تفوق تسجيلاتهم المقامية ، ولكن هذه القيمة تقوم ايضاً كامتداد لذلك التفوق في المجموع الإجمالي الرائع لأعمالهم ، وهو تفوق فني وذوقي قد لايمكن لغيرهم من السابقين والمعاصرين مجاراة هذه الأعمال … ومثل هذه القيمة توجد ايضاً في مكانة هؤلاء الفنانين المبدعين في تلك الخصائص الفنية والذوقية التي جعلت منهم مطربين كبار لايختلفون عن الجيل الذي سبقهم فحسب ، بل يتفوقون عليه بلا شك .
ان الأحداث التي واجهها وعاشها إنسان القرن العشرين في بلدنا العراق ، قد فرضت إعادة تقييم واختبار للمباديء الفنية والجمالية والأدائية التي قام عليها الفن الغنائي والمقام العراقي على وجه الخصوص في بلدنا … وان كلاً من المبدعين المقاميين ، يمثل بإسلوبه وطريقته الخاصة في الأداء المقامي ، طليعة حركة التقويم الفني والجمالي والدقة الأدائية في نواحيها التقنية في المقام العراقي ، وبالرغم مما يبدو إختلافهم في نواح ادائية وتعبيرية وجمالية كثيرة ، إلا أن تشابههم وغايتهم في منحاهم التجديدي والإبداعي يرجح على الفروقات ، فإذا ما تعسَّر علينا النظر إليهم كمطربين مبدعين او تجريبيين او طليعيين ، فما ذلك إلا لأن قيمتهم قد نالت الإعتراف من الجميع وباتت جزء من التراث ..
ان كلاً من محمد القبانجي ولاحقيه المبدعين عبد الرحمن العزاوي وحسن خيوكة ويوسف عمر وناظم الغزالي قد دعى من خلال نتاجاته الغنائية , لإتخاذ موقف واضح في إعادة النظر إلى الأمور العلمية والفنية والجمالية في الأداء المقامي في العراق ، بالرغم من انهم لم ينكروا القيم السابقة وكذلك القيم الموجودة في عصرهم ولم يتجاهلها كل منهم ، بقدر ما أصرُّوا على تمحيصها بدقة في ضوء المتغيرات وتحولات عصرهم … ولعمري فان هذه هي ميزة الفنان المبدع ، فكانوا من اوائل المؤدين الذين رأوا هذه الحاجة وحاولوا إنجازها ، لذلك فان خلاصتهم تعطينا مبرراً كي نطلق على محمد القبانجي استاذ الجميع وكل من ناظم الغزالي وحسن خيوكة ويوسف عمر وعبد الرحمن العزاوي لقب مجدد او مبدع او استاذ من اساتذة المقام العراقي.
الفصل الرابع
الاستنتاجات
--------
1 –التوصيات
المصادر والمراجع
1. البحث الموسيقي , مجلة المجمع العربي الموسيقي , المجلد الثاني – العدد الاول , خريف , 2002 – شتاء 2003
2. البحث الموسيقي , مجلة المجمع العربي الموسيقي , المجلد الثالث – العدد الاول , صيف وخريف 2004 ..
3. البحث الموسيقي , مجلة المجمع العربي الموسيقي , المجلد الرابع – العدد الاول , شتاء وخريف 2005..
4. البحث الموسيقي , مجلة المجمع العربي الموسيقي , المجلد الخامس– العدد الاول , شتاء وربيع 2006 ..
5. سالم , كمال لطيف ,أعلام المقام العراقي ورواده ، مط النهضة , بغداد , 1985
6. الوردي , حمودي , الاغاني القديمة , بغداد
7. سحاب , د.فكتور , مؤتمر الموسيقى العربية الاول في القاهرة 1932
8. قوجمان ,ي , الموسيقى الفنية المعاصرة في العراق , اكت للتراجم العربية , لندن , 1978
9. رشيد , د. صبحي انور , الآلات الموسيقية المصاحبة للمقام العراقي ، بغداد , 1989
10. الاعظمي , حسين اسماعيل , المقام العراقي الى اين ..؟ , المؤسسة العربية للدراسات والنشر , بيروت , 2001
11. الاعظمي , حسين اسماعيل , المقام العراقي باصوات النساء , المؤسسة العربية للدراسات والنشر , بيروت , 2005
12. الرجب , الحاج هاشم محمد , المقام العراقي ، مط المثنى , بغداد , طبعتي 1961 و1983
13. العامري , ثامر , المقام العراقي ، بغداد , 1988
14. خليل , شعوبي ابراهيم , المقامات ، مط اسعد , بغداد , 1963
15. العلاف , عبد الكريم , الموال البغدادي , مط المعارف , بغداد , 1964
16.العامري , ثامر , محمد القبانجي , دار الشؤون الثقافية العامة , بغداد , 1987
16. السعدي , سعدي حميد , محمد القبانجي , بغداد , 2005
17. الوردي , حمودي , مقام المخالف ، مط اسعد , بغداد , 1969
18.الرجب , الحاج هاشم محمد , من تراث الموسيقى والغناء العراقي , بغداد , 2002
19.سالم , كمال لطيف , ناظم الغزالي ، بغداد , 1986
20. محمد , كاظم جاسم , يوسف عمر ، بغداد , 1987
الملاحق
ملحق رقم – 1 –
اسطوانات المؤتمر الموسيقي الاول في القاهرة عام 1932
شركة جرامافون(صوت سيدة) علامة الكلب البريطانية بصوت محمد القبانجي والفرقة الموسيقية
1 – مقام الرست , شعر يا يوسف الحسن
2 – اغنية ما دار حسنه بشمر
3 - = الويل ويلي
4 - = لتظن عيني تنام
5 – مقام منصوري , شعر كيف يقوى
6 – مقام الابراهيمي , شعر راحت ليالي الهنا
7 – مقام مخالف , شعر مالي ارى الهم
8 – اغنية امسلم
9 – شعر مع ابوذية , شعر ارى آثارهم
10 – مقام بهيرزاوي , شعر من يوم فركاك
11 – مقام مدمي , شعر يا صاح ربعي جفوني
12 – مقام همايون , شعر طهر فؤادك
13 – مقام شرقي دوكاه , شعر يا ناعس الطرف
14 – مقام حسيني , شعر طلت يا ليل
ملحق رقم – 2 –
شركة بيضافون (على الكهرباء)
1 – تقاسيم اوج وطاهر وحديدي وسيكاه وحليلاوي وعريبون , آلة السنطور , العازف يوسف زعرور
2 – تقاسيم عشاق ومحمودي وراشدي وجبوري واوشار , آلة الجوزة , = صالح شميل
3 – تقاسيم حكيمي ودشتي ولامي , آلة العود , = عزوري هارون
4 – تقاسيم حجاز وخنبات وبنجكاه , آلة القانون , = يوسف زعرور
5 – تسعة اوزان , آلة الدف , العازف ابراهيم صالح
6 - = = , آلة الطبلة , = يهودا موشي
انتهى بعون الله
سادتي الافاضل
في نهاية الحلقة الثامنة وهي الاخيرة من البحث الذي قدمته في مؤتمر القاهرة الذي عقد في اذار الماضي في ذكرى مرور 75 عاما على اقامة اول مؤتمر للموسيقى العربية في القاهرة 1932 , اطمح بالمزيد من تعلقاتكم وملاحظاتكم ونقدكم للموضوع كي استفيد منها ولتعم الفائدة للجميع رغم ورود الكثير منها وانا اشكر كل من بعث لي بتعليقه ..
ودمتم لاخيكم
حسين اسماعيل الاعظمي
هوامش المقدمة
1* التطور .. evolution نمو بطيء متدرج يؤدي الى تحولات منظمة ومتلاحقة تمر بمراحل مختلفة ترتبط فيها كل مرحلة لاحقة بالمرحلة السابقة كتطور الفنون والافكار والاخلاق والعادات ..
2* الدراما .. الصراع والتفاعل بين ضدين , يلد فعل ورد فعل ..
3* الديناميكية .. نعني بذلك الحركة الفنية المستمرة المتصلة المتنوعة في دائرة العمل الفني الموحد ..
4* الغناسيقى .. مختصر لكلمتي الغناء والموسيقى ..
5* الابداع .. ابتكار او استحداث شيء جديد يرضي جماعة ما , بحيث يختلف نوعيا عن الاشكال السائدة والتكيف للموقف المتغير ..
6* الاربعة الكبار .. للباحث كتاب مخطوط موسوم ب الاربعة الكبار في المقام العرقي يتضمن دراسة مفصلة عن ابرز اربعة مغنين مقاميين ابداعيين بعد محمد القبانجي وهم حسن خيوكة ويوسف عمر وناظم الغزالي وعبد الرحمن العزاوي ..
7* الارشفة والتوثيق .. قبل ظهور جهاز التسجيل الصوتي اواخر القرن التاسع عشر وتطوره باستمرار , كانت الاعمال الغناسيقية تؤدى وتنتج دون تسجيل لها او توثيق صوتي يحفظها , سوى ماكان يمكن تدوينه بالنوتة والكتابة الموسيقية , وهكذا ذهبت الكثير من الجهود العظيمة في الغناء والعزف الموسيقي ادراج الرياح , وعليه منذ هذا التاريخ جهود الحفظ والارشفة تنتظم وتبرمج بمناهج مكتبية علمية , حتى بدأ تداول مصطلح التوثيق او الارشفة منذ بداية القرن العشرين ..
8* الرجب, الحاج هاشم محمد , ط2, بغداد , 1983 , ص64
9* ابراهيم , شعوبي , دليل الانغام لطلاب المقام , وزارة الثقافة والاعلام , ط1985 ,ص7
10* الثيمة .. توضيح فكرة الموضوع الرئيسي ..
11* انظر كتاب – المقام العراقي – للحاج هاشم الرجب في طبعته الاولى 1961 و الثانية 1983 ببغداد .. وكذلك كتاب – دليل الانغام لطلاب المقام – تاليف شعوبي ابراهيم خليل في طبعته الاولى ببغداد 1982 .. ايضا انظر كتاب – الالات الموسيقية المرافقة للمقام العراقي – للدكتور صبحي انور رشيد في طبعته الاولى ببغداد 1989.. كذلك كتابي الباحث – المقام العراقي الى اين ؟ في طبعته الاولى ببيروت 2001 ص 124 .., وكتاب المقام العراقي باصوات النساء في طبعته الاولى بيروت 2005 وكتب اخرى متخصصة ..
هوامش الفصل الثاني
1 * الطريقة القندرجية .. نسبة الى المطرب رشيد القندرجي الذي اسس طريقة غنائية في المقام العراقي اصبح لها اتباع من المغنين وللباحث كتاب مطبوع موسوم (الطريقة القندرجية في المقام العراقي واتباعها) ..
2 *الطريقة القبانجية .. نسبة الى المطرب محمد القبانجي الذي اسس طريقة غنائية في المقام العراقي اصبح لها اتباع من المغنين وللباحث كتاب مخطوط موسوم (الطريقة القبانجية في المقام العراقي واتباعها) ..
3 *المحتوى والشكل content and form كل شيء في الطبيعة والحياة لها محتوى وشكل , فالاول هو الجانب الاكثر اهمية حيث يعبر عن جوهر الشيء ويظهر خواصه وصفاته , اما الشكل فهو التنظيم الداخلي للمحتوى اذ يربط العناصر المكونة للمحتوى في كل موحد ولا وجود للمحتوى بدونه ..
4 * التأملية .. speculation فلسفة مثالية لا تعترف بمعطيات التجربة , بل تنظر الى التأمل الذهني الخالص كمصدر وحيد للمعرفة .. والتأمل contemplation. Medltation استغراق الذهن في موضوع الى حد يجعله يغفل عن الاشياء الاخرى بل عن احوال نفسه , والتأمل عند الصوفيين درجة سامية من درجات المعرفة ..
5 * المقام المصنوع .. سياتي الحديث عنه لاحقا في الفصل الثالث من هذا البحث ..
هوامش الفصل الثالث
1* التكنيك .. الاداء الفني المتقن للحركة(تقنية) وغالبا ما يكون الحديث عن التكنيك والتكتيك الذي هو الاداء الخططي لمجموعة من المهارات ..
2* الاصالة .. originality امتياز الشيء على غيره بصفات جديدة صادرة عنه , وهي القدرة على الابداع والابتكار في النتاج الفني ..
3* الكلاسيكية classicism في الكلاسيكية التقليدية يكون الميل في الادب والفن الى مراعاة الاشكال التقليدي والاصول التي استقر عليها العرف ومن شأنها الاهتمام بوضوح الفكرة وعذوبة الاسلوب وتناسق العبارات وموضوعية فكرة العمل الغنائي او الموسيقي والتركيز على توازن البناء ,,
4* العصر .. age حقبة من الزمن محددة بتواريخ معينة او صفات خاصة ..
5* الواقع .. reality درجة دوام المعاني التي يتم اكتشافها في اية تجربة او التي تتصل باي شيء او شخص او فكرة او قيمة فهو الوجود الفعلي ..
6* المستقبل .. الزمن القادم المجهول , والمستقبلية futurism نزعة نحو الجديد والمجهول والمستقبل اساسها الخروج على المألوف والرغبة في المغامرة ..
7* معلومات موجودة في عدة كتب منها (الموسيقى الفنية المعاصرة في العراق) ل ي , قوجمان , صادر في 1978 بلندن وكتاب محمد القبانجي لسعدي حميد السعدي الصادر في تشرين الثاني 2005 ببغداد ..
8* الجالغي البغدادي .. تعاف الناس على تسمية الفرقة الموسيقية الصغيرة التي ترافق غناء المقام العراقي بجالغي بغداد , وكلمة جالغي تركية الاصل ترجع الى التعبير المركب من (جالغي طقميسي)الذي يعني جماعة الملاهي , وتتالف هذه الفرقة الموسيقية من الالات التالية ..
1 – السنطور
2 - الجوزة
3 – الطبلة
4 – الرق
5 – النقارة
9* اذاعة قصر الزهور انشاها الملك غازي عام 1937 في بغداد (سالم , كمال لطيف , اعلام المقام العراقي ورواده , مكتبة النهضة , بغداد , 1985 , ص107)
10 * الدوزان .. اي نصب الآلة الموسيقية وضبط وانسجام اصواتها ..
11 * التخت البغدادي .. فرقة موسيقية تجمع الآلات العراقية التراثية كالجوزة والسنطور مع الآلات العربية كالعود والقانون والناي , دون ضم الآلات الغربية ..
12* سالم , كمال لطيف , اعلام المقام العراقي ورواده , مكتبة النهضة , بغداد , 1985 , ص107
13 * فرقة الزبانية .. خلال تلمذة الغزالي في معهد الفنون الجميلة منتصف الاربعينات , كوَّن الغزالي مع زملاء له في المعهد فرقة تمثيلية اسموها بالزبانية وهم ناجي الراوي وفخري الزبيدي وحامد الاطرقجي وخليل شوقي ومحمود حسين القطان وانظمَّ بعد ذلك حميد المحل اضافة الى ناظم الغزالي الذي كان ابرزهم (انظر كتاب – ناظم الغزالي سفير الاغنية العراقية – لكمال لطيف سالم ص22) والجدير ذكره ان اعضاء هذه الفرقة اصبحوا جميعا من الفنانين العراقيين المشاهير ..
14 * المناقب النبوية الشريفة والشعائر الدينية –
أ - الاذكار – مفردها ذِكِر يجتمع فيه الصوفيون ويقرعون دفوفا خاصة وترافق هذه الدفوف آلة ايقاعية تسمى الخليلية ويردِّدون قصائد نظِّمت باللغة الدارجة في مدح الرسول الاعظم (ص) وقد تشعب هؤلاء الى عدة طرق منها الطريقة الرفاعية نسبة الى السيد احمد الرفاعي والطريقة القادرية نسبة الى الشيخ عبد القادر الكيلاني والطريقة السهروردية نسبة الى الشيخ عمر السهروردي والطريقة البدوية نسبة للسيد احمد البدوي والطريقة النقشبندية ومؤسسها الشيخ محمود النقشبندي وقد اخذها من الطريقتنين السهروردية والسرهندية واصبحت طريقة واحدة سميت باسمه .
ب- التهاليل – مفردها تهليلة وهي ان يقف الصوفيون على شكل دائرة ( حلقة ) ويذكرون اسماء الله الحسنى باصوات منسجمة واوزان خاصة وينبعث من بينهم مؤدي مقام ينشد قصائد لشعراء صوفيين ويتوسط الحلقة رجل مرتد لباساً خاصاً وهو لباس المولوية يستدير بمكانه بسرعة وهو واقف ويعمل بيديه حركات متنوعة حيث يفرش في الدوران رداءه العريض وسط هذه الحلقة اما الواقفون فهم يوحدون بلفظه دايم الله حي , وبلفظه لا اله الا الله , حسب اصول متبعة , اما رئيس هذه التهليلة فيسمى شيخ الحلقة او المرشد .
ج- المناقب النبوية الشريفة- مفردها منقبة وتتلى فيها المدائح النبوية وتتكون من اربعة او خمسة فصول ويرتلها رجل يسمى ( الملا ) يجلس قرب البطانة المكونة من ثمانية او عشرة اشخاص وهم يرددون الاشغال الملحنة حسب المقام الذي ينشده الملا او مؤدي المقام ( خليل ، شعوبي ابراهيم ، المقامات ، وزارة الارشاد ، مط اسعد ، بغداد 1963 ، ص 35-36 ) .
15* سالم , كمال لطيف , اعلام المقام العراقي ورواده , مكتبة النهضة , بغداد , 1985 , ص93
16* مكالمةهاتفية اجراها الباحث المقيم في عمان مع الخبير المقامي احمد شاكر سلمان المقيم في بغداد يوم 16/12/2006)
17* مقام المخالف .. * مقام المخالف .. هو احد المقامات العراقية الخاصة بالعراق ولا يستعمل في اي بلد آخر, وهو ليس سلَّما سباعيا بل عقدا خماسيا يرتكز على درجة السيكاه (مي كار بيمول) .. وهذا هو عقد المخالف بالنوتة ادناه ..(العباس , حبيب ظاهر , نظريات المويبفى العربية , بغداد , 1988)
18* التعميم .. generalization عندما تبدي التجارب الفنية مثلا صحة حالة ابداعية من الحالات دون وجود حالة تناقضها او تتعارض معها , فان تلك الحالة تنتقل الى مستوى التعميم الجماهيري , وهو اطلاق الصفات المنتزعة او المجردة على جميع الظواهر التي تشترك فيها ..
19 * الاخلاق .. ethics وهي القواعد والاصول التي يسترشد الناس بها في علاقاتهم المتبادلة , لا بقوة الالزام القانوني وانما بقوة الواجب واحترام الرأي العام واواصر الضمير ..
20* التفاؤل .. optimism موقف من مواقف الفرد يتسم بالتنظيم الاجتماعياو الحياة بصورة عامة في اهمية النواحي الجيدة ويتسم بالامل .. وفي المفهوم العام هو عكس التشاؤم ..
21* مناقشة بين الباحث والخبير المقامي الحاج هاشم الرجب في بيته يوم19/6/2003
22* نفس المصدر السابق ..
23* * الزهيري .. نوع من انواع الشعر الشعبي , يتكون من سبعة اشطر , الاشطر الثلاثة الاولى تنتهي بكلمة هي بمثابة القافية متفقة في اللفظ ومختلفة في المعنى , والاشطر الثلاثة الثانية تنتهي بكلمة اخرى جديدة متفقة في اللفظ ومختلفة في المعنى ايضا والشطر السابع ينتهي بنفس كلمة الاشطر الثلاثة الاولى وبمعنى جديد ..
24*البستة .. تعني الاغنية الخفيفة التي تتبع المقام بعد ادائه وهي من نفس سلمه وتعبيره طبعا – وهي كلمة فارسية معناها (الربط) أي انها تربط بالمقام المغنى(الاعظمي , حسين اسماعيل , المقام العراقي الى اين ؟ , المؤسسة العربية للدراسات والنشر , ط اولى , بيروت , 2001 ,ص80)
25* ان التطور الفني الذي حصل في حقبة انتصاف القرن العشرين في شان الاعداد الموسيقي للغناء في العراق عموما وفي غناء المقام العراقي على وجه التخصيص , تطور مرة اخرى في العقود الاخيرة الواقعة بين منتصف الستينات حتى نهاية القرن ..
26* سالم , كمال لطيف , ناظم الغزالي , مط اشبيلية الحديثة , ط اولى 1986 , ص13
27* الابوذية .. الابوذية..نوع من انواع الشعر الشعبي , تتكون من اربعة اشطر , تنتهي الاشطر الثلاثة الاولى بكلمة موحدة في اللفظ ومختلفة في المعنى بمثابة القافية , وينتهي الشطر الرابع بكلمة تنتهي بحرفين هما (الياء والتاء المربوطة) مثل مفردة , المنية, خطية, سوية, علية, وطية......
28* * التجربة .. experience التدخل في مجرى الظواهر للكشف عن فرض من الفروض او للتحقق من صحته , وهي جزء من المنهج التجريبي , ويقال تجريب او تجربة , اختبار منظم لظاهرة او اكثر وملاحظتها ملاحظة دقيقة ومنهجية للتوصل الى نتيجة ما وصل اليه المجتمع من فهم وادراك ومعرفة سواء بالفطرة او بالدراسة ..