أنا وشرين عبد الوهاب!

أنا وشرين عبد الوهاب!

فراس حج محمد /فلسطين

[email protected]

لا تصدقوني إن أخبرتكم أنني التقيت بشرين عبد الوهاب، لأنني فعلا لم ألتق بها، وربما لن ألتقي بها أبدا، فهي من هناك، وأنا من هنا، والفارق الجغرافي السياسي أبعد من وهم لقاء بيني وبينها، فلا يعقل أن تنزلَ من علياء نجوميّتها لتفكر بلقاء شخص هو أنا!

ولكن صدقوني إن قلت لكم إن شرين عبد الوهاب صاحبة الصوت الأنثوي الناعم المجدول بعطر الياسمين، وصاحبة الجسد الأسمر المائل إلى الفضة أحيانا أو الخمريّ أحيانا أخرى على ما وصف يوما كاظم الساهر تلك المرأة التي "فرشت رمل البحر ونامت وتغطّت بالشمس". صدقوني إن قلت لكم أنها ذكرتني بذكريات كثيرة، ذكريات ما زالت دماؤها تنزف خضراء لم تجفّ، ذكريات من لغة مسافرة عبر دمائي تتسطح على جسد مفعم بالروائح الأنثوية القارسة التي ما زالت تسيل في دمي، وأشعر بحرارتها مانعة النوم من مقلتيّ!

هذه الشرين عبد الوهاب تلك المرأة/ الولد كما أسميتها عندما شاهدت لها فيلما لم تكن فيه إلا شعثاء غبراء ذات ملامح ذكورية، تنتقل نقلة نوعية في أنثوية صارخة، ليصبح كل ما فيها عبقريّاً في أنثويّته، جسمها كله من أخمص قدميها وحتى قحف رأسها، مرورا بطئيا على كل تلك التضاريس الممتلئة بالأنثى التي صارت تسمى شرين عبد الوهاب، المنطلقة، المفعمة حيوية واشتياقا وأملاً!

لم أنتبه لها إلا في بعض أغنياتها التي صارت تتفوق فيها على كثيرات من مغنيات الإغراء من أليسا وحتى هيفاء وهبي، دلعها خاص، وحضورها خاص، ولذلك فإن لألحانها وكلمات أغانيها مذاقا خاصا تستمتع به الأذن، وتلذذ به الأفكار، وتترنح به سكرى كل المشاعر الوجدانية، لتشعر بغفوة على الغيوم وأنت تسمع لحظة لحظة!

هذا المساء حضرت إلي شرين عبد الوهاب، صدقوني، لقد أتتني وزارتني، حضرت بكاملها عندما تبلجت وهي تغني "كلي ملكك"، فكم كانت الكلمات بسيطة وجميلة وقريبة، كم أثارت شجوني وشجون كثيرين ممن يعانون مما أعاني منه، فكم شخصا سواء أكان ليلى أم قيسا سمع من الطرف الأخر "كلي ملكك" وفي لحظة تصبح "كشْ مفشْ" تتبخر كل الكلمات وتموت كل المعاني، وتصبح نسيا منسيا، وينسيان كل تلك الورود التي زرعت في حدائق الروح، لتجف رويدا رويدا، وتغدو يباسا تذروه أدران الرياح وأشجان النواح!

أتت إليّ شرين عبد الوهاب ومعها ما معها من جنون الصحو في رذاذ الاشتياق، ولكن من يعاني كلّ أنواع العطش كيف سيرتوي من أغنية لا تمكث إلا بضع دقائق ليسيطر الصمت بعدها رهيبا جارحا مرا، وربما تحدرت دمعة محروقة في فضاء يغيم بكل ما يتمناه المرء ولا يدرك شيئا منه؛ لا كله ولا جله، ولا بعض بعضه، فكم كان حضورك قاسيا يا شرين عبد الوهاب، فهلا سمحت وغادرت، فليس لي طاقة على احتمال البعض منك، فكيف بحضورك بكامل ما أنت فيه، وحافظي على مسافة الأمان بين مركبتين، فالفرامل أحيانا تخدع سائقيها؟! 

إيّاك أن يخدعكِ النص فتتوهمين للحظة أنني قد نمتُ مع شرين! فلا تحسبيها كما هي في البال! هي مجرد أغنية أثارتك فيّ ليس غير!