كم خسر العمل الإسلامي بموت مصطفى العقاد ؟

كم خسر العمل الإسلامي

بموت مصطفى العقاد ؟

نجدت لاطة

[email protected]

       ما أشد غفلة المسلمين .. وما أشد غفلة الإسلاميين .. جاءهم مخرج عالمي من الطراز الأول وقال لهم : ( أعطوني ثمن طائرة حربية أُغيّر لكم رأي العالم عن الإسلام ) ولكن لم يلقِ له أحد بالاً ، لا المسلمين ولا الإسلاميين .. وذلك لأن السينما عند المسلمين والإسلاميين من الأمور الثانوية في التوجيه والتثقيف ، في حين أن السينما عند الغرب هي من الأمور الأساسية في ذلك ، بل هي من أشد الوسائل تأثيراً في الناس . وقد قال الرئيس الأمريكي روزفلت وهو يفتتح هوليوود عند إنشائها : من هنا سنصنع عظمة أمريكا . وقال الرئيس الأمريكي بوش الأب الذي أشرف على هندسة المراحل الأخيرة من الانهيار السوفييتي أن مدير شركة ( مترو جولدن ماير ) كان يقول له : إن الهمبرجر والجينز وهوليوود وشركات السكاير هي التي حسمت الحرب الباردة لصالح أمريكا . وبالفعل لعبت السينما الأمريكية دوراً كبيراً وخطيراً في بث عظمة أمريكا في نفوس الشعوب ، لا سيما الأجيال الشابة منهم .      

       وقد عرف أعداء أمريكا خطورة هوليوود ، فالرئيس السوفييتي خرشوف قال : أنا أخشى من هوليوود أكثر مما أخشى الصواريخ الأمريكية العابرة للقارات . وقال المخرج العالمي الفرنسي مخاطباً شعبه الفرنسي : ألم أقل لكم منذ ثلاثين سنة أن أمريكا تغزونا بأفلامها ؟؟ .

       وفي المقابل كان يمكن للمخرج مصطفى العقاد أن يلعب دوراً كبيراً في تقديم الصورة الناصعة للإسلام في الغرب وفي العالم ، لأن العقاد رحمه الله مخرج متمرس ومقبول عند الغرب ، ويُنظر إلى أفلامه على أعلى مستوى من التقدير ، تقنيةً وفنياً وموضوعياً . وقد قال فيه المخرج الكبير يوسف شاهين : مصطفى العقاد من أفضل المخرجين في العالم .

       ولكن للأسف خسرنا هذا المخرج العملاق ، ولا يكفي أن المسلمين لم يستفيدوا منه وإنما قتلوه .. لذا حزنت عليه كما حزنت على الشيخ أحمد ياسين رحمه الله وبنفس القدر ، وكما حزنت على صقر فلسطين عبد العزيز الرنتيسي ، وكما حزنت على مهندس الانتفاضة الشهيد يحيى عياش ، بل وكما حزنت على أكبر دعاة الإسلام في هذا العصر ، وبنفس القدر . فأنا أعتقد تماماً أن مصطفى العقاد كان له من الأهمية ( لو قُدم له الدعم المالي ) أكثر من آلاف الدعاة الإسلاميين في الدول الأوروبية والأمريكية ، وكان يمكن لأفلامه  التي كانت في ذهنه أن يقدمها عن الإسلام  أن تكون عملاً مضاداً قوياً لما يقوم به اللوبي الصهيوني في أمريكا وفي أوروبا من تشويه لتعاليم الإسلام ، وخصوصاً بعد الحادي عشر من أيلول سبتمبر . لأن السينما في الغرب هي أفضل الوسائل للوصول إلى قلوب وعقول الغربيين ، لما تحتويه السينما من متعة وتشويق . أما الوسائل الإعلامية الأخرى فهي أقل تأثيراً حتى ولو كانت هذه الوسيلة هي القنوات الفضائية ، لأن القناة الفضائية التابعة للمسلمين لن يشاهدها الجمهور الأوروبي والأمريكي حتى وإن وُجهت وخُصصت لخطابهم . أما الأفلام فلها تأثير كبير في الغرب ، وخير شاهد على ذلك فيلم ( عمر المختار ) الذي أخرجه مصطفى العقاد ، فقد شاهده مئات الملايين من شعوب العالم .

       وقد كان العقاد رحمه الله يجهّز نفسه لإخراج فيلم عن صلاح الدين الأيوبي ، وذلك ليبيّن للعالم عظمة تعاليم الإسلام التي تجسدت في أخلاق صلاح الدين الأيوبي وهو يجابه الصليبيين ، وكان يقول بخصوص هذا الفيلم : إن هذا الفيلم هو أفضل رسالة للغرب عما يحدث في فلسطين الآن .

      وقد طرح رحمه الله فكرة إنشاء هوليوود إسلامية في الشرق الأوسط ، ولكن حين يطبق الجهل على العقول والقلوب فلن يلقي المسلمون أهمية إلى قيمة هوليوود إسلامية ..

       وكان يمكن للإسلاميين أن يستغلوا مصطفى العقاد أفضل استغلال ، فيقدموا له بضعة ملايين فقط ، ومن خلال أرباح الفيلم الأول يمكن إنتاج فيلم ثانٍ ومن ثم ثالث ورابع وهكذا .. ولكن لم يفعلوا ..

       والمشكلة أن الإسلاميين في الدول الأوروبية والأمريكية يسعون إلى بناء مسجد قد لا يصلي فيه إلا العشرات أو المئات من المسلمين المغتربين هناك ، وقد تصل تكلفة بناء المسجد إلى مليون دولار أو مليونين أو عشر أو عشرين .. وتكون هذه التكلفة من التبرعات من شتى الأطراف ( مسلمين أو جمعيات خيرية أو من الأغنياء في دول الخليج ) ، وتكون النتيجة أن يرتاد هذا المسجد عشرات أو مئات ، ولا يرتادونه من أجل العمل الإسلامي أو الدعوي ، وإنما من باب الصلاة به فقط ، وهذا شأن معظمهم .

        وحين يقال لهؤلاء الإسلاميين : تعالوا واسعوا إلى إنتاج أفلام تصحح نظرة الإسلام في الغرب ، لا تجد أحداً منهم يتحرك أو حتى يقتنع بالفكرة .. والعجيب أنهم يرون بأم أعينهم تأثير الأفلام في الجمهور الغربي . لذا أنا لا أعرف ماذا أسمي هؤلاء الإسلاميين ، هل أشك في نياتهم ؟ هل أتهم عقولهم ؟ أترك الجواب للقارئ . لأن مصطفى العقاد كان يمكن له أن يخدم الإسلام خدمة عظيمة في الغرب ، وكان يمكن خلال سنوات قليلة أن يقدم عشرات الأفلام التي تصحح بشكل كبير نظرة الغرب إلى الإسلام ، وبالتالي يمكن تسهيل عملية دعوة الغربيين إلى الإسلام . بمعنى آخر .. أفلام مصطفى العقاد أفضل وسيلة دعوية لخطاب الغرب .

       ولكن المشكلة أننا قتلناه .. قتلنا أفضل وأكبر داعية للإسلام في الغرب ..

       رحمك الله يا أيها المخرج الكبير .. أعرف أنك الآن تشكونا إلى الله على ما فرطنا في حقك .. خذ راحتك في الشكوى فنحن نستحق أكثر من ذلك .. ولا تظن أن الله غافلاً عن جهلنا وعن غفلتنا .. فها هو الله يرسل إلى المسلمين أعظم الزلازل وأكبر المجازر ( تسونامي ، زلزال باكستان ، مجازر الفلوجة والقائم ، الشيشان ، البوسنة ، أفغانستان ، وفلسطين الجرح الدائم ) .