فيديو كليب ( الجروح )

فيديو كليب ( الجروح )

و تألّق المنشـد فهد الكبيسي

نجدت لاطـة

[email protected] 

       الواحد منا يشعر بفرح شديد وهو يرى نجاح تجربة الفيديو كليب الإسلامي ، فقد كنا نتوجس ونترقّب هـذه التجربة بحذر شديد . لأن أناشيد الفيديو كليب التي أنتجتها قناة ( اقرأ ) قبل سنوات كانت سيئة للغاية ، وكنت حين أشاهدها أشعر بالأسى ، وتُفجر في نفسي أسئلة مؤلمة : لماذا كُتب على النشيد الإسلامي أن يكون ضعيفاً ؟ لماذا كُتب على الفيديو كليب الإسلامي أن يكون ضعيفاً ؟ فيأتي الجواب ليزيد الجرح ألماً : الفنون والوسائل الإعلامية المرئية ليست ضمن أولويات العمل الإسلامي .

       ولكن حين شاهدت فيديو كليب ( فرشي التراب ) للمنشد مشاري العرادة ، وهو أول تجربة حقيقية للفيديو كليب الإسلامي ، شعرت بارتياح شديد أذهب عني الكثير من ذلك الأسى . ثم قدّم المنشد سامي يوسف فيديو كليب ( المعلم ) الذي أذهل الجميع ، ثم استطاع سامي يوسف أن ينقل تجربة الفيديو كليب الإسلامي إلى القنوات الفضائية ، بل ويحوز على إعجاب الكثيرين . ثم تابعه على نفس الخط والجودة المنشد موسى مصطفى في فيديو كليب ( الأمنيات ) . ثم توالت التجارب الناجحة كفيديو كليب ( محمد صلى الله عليه وسلم ) للمنشد أحمد الهاجري ، وفيديو كليب ( قلبي شذا ) للمنشد يحيى حوى .

       وهـا هـو اليوم ينجح المنشـد القطري البارز فهد الكبيسـي فــي فيديو كليب ( الجروح ) ، وهو بحق إضافة نوعية جديدة للفيديو كليب الإسلامي .

       تدور معاني أنشودة ( الجروح ) حول همّ الرزق الذي يراود الإنسان وهو يكدح في معاشه ، فتأتي كلمات الأنشودة كنفثات تخرج من روح هذا الإنسان الكادح ، ولكن لا تأخذ هذه النفثات شكل الشكوى التي تعتري الكادح اليائس ، وإنما تكون نفثات سلوى يسلي بها الكادح يومه وهو يجدّ في طلب الرزق :

علـى كثر الهمـوم اللـي

في قلبي ما  شكيت الحـال

و علـى كثر الجروح اللي

تمـادت  أكتـم   العبـرة

وتمتزج هذه النفثات بتصوراته الإسلامية فتتحول إلى مناجاة ذاتية يطبطب بها على روحه كيلا تيأس في هذا الواقع الذي ساءت فيه الأيام وضاقت على الكادحين :

وأنا و الله مـن صغـري

عرفت أن الرجـال  أفعال

وعرفت أن   الفتـى   لله

و ما غير  الله  يفك  أسره

       وتنساب مشاهد الفيديو كليب لتشحن المعاني بمعانٍ أخرى فتزيدها عمقاً وجمالاً ، بل إن المشاهد لتتماهى مع كلمات الأنشودة فتحيلها إلى مشاهد حية وناطقة تلامس شغاف القلوب . ومن هنا تكمن فائدة الفيديو الكليب للأنشودة ، فالصور والمشاهد وحركات المنشد وتعبيراته تلعب دوراً مهماً في رسم صورٍ وأخيلة لا تستطيع الكلمات بمفردها أن توحي بها .

       ومعاني هذه الأنشودة تذكرني بموسيقار العرب سيد درويش حين آلى على نفسه أن يوصل أغانيه إلى الطبقات الكادحة في المجتمع ، فنجده يشجع العمال ويغني لهم :

الشـمس  طلعـت            و المــلك  لله

اجري  لـرزقـك            خليها علـى الله

ما تشـيل  قدومك            والعمـدة و بالله

ويحث الفلاح على الاستيقاظ المبكر والدائب في العمل فيغني له :

طلعت يا محلا نورها          شـمس  الشموسـة

يا للا بنا نملا ونحلب          لبـن  الجـاموسـة

       وتعتبر أنشودة ( الجروح ) لفتة إنسانية رائعة ، وهي بحق نموذج فريد لهذه النوعية من الأناشيد الجادة التي تلامس حياة الطبقات الكادحة التي لم يعد هناك من يأبه لها في زحمة الحياة المعاصرة .

       لأن الأناشيد الروحية والدعوية والجهادية كانت قد طغت على حركة النشيد الإسلامي منذ نشأة النشيد التي كانت قبل ثلاثة عقود ، فكان لا بد من إدخال موضوعات جديدة تشمل كافة مناحي الحياة . فالموضوعات الإنسانية ، بالإضافة إلى الموضوعات العاطفية ـ التي كانت هي أيضاً موضوعات جديدة ـ تعتبران من الإضافات المهمة في حركة النشيد الإسلامي .

       وأنا هنا أنصح الإخوة المنشدين أن يكثروا من الموضوعات الإنسانية ، لأنها ما زالت قليلة ، كي تأخذ هذه الموضوعات حيزاً في موضوعات النشيد الإسلامي ، فالنشيد هو للجمهور بكل أطيافه وطبقاته .

       والنشيد ذو الموضوعات الإنسانية يذكرنا بأناشيد الصحابة رضوان الله عليهم حين رأوا الرسول الله صلى الله عليه وسلم يبني مسجده وبيته فجاءوا يبنون معه وينشدون :

لئن قعـدنا و النبـي يعمل          لذاك منا العمـل  المضلل

وكذلك حين كانوا يحفرون الخندق فنجدهم ينشدون :

لا همّ إن الأجر أجر الآخرة         فارحم الأنصار والمهاجرة

       و الخلاصة إن فيديو كليب ( الجروح ) حقق نجاحاً في كل عناصر فيديو كليب الناجح ، فمن ناحية الكلمات فقد اختار المنشد قصيدة جميلة لها ظلال إنسانية شفافة ، وهي للشاعر المبدع مبارك العنزي . ومن ناحية اللحن فكذلك كان لحن الأنشودة جميلاً ومناسباً لمعاني القصيدة . ومن ناحية المشاهد وتقنية التصوير والإخراج فهي تعتبر ناجحة جداً أيضاً ، فقد استطاع المخرج أن يعطي كلمات الأنشودة أبعاداً أخرى أثّرت كثيراً في نفسية المُشاهِد .