لماذا كان أبو راتب
لماذا كان أبو راتب
أباً للنشـيد الإسـلامـي ؟ ( 1 )
المنشد أبو راتب |
نجدت لاطـة |
إن لقب ( أبو النشيد الإسلامي ) كبير جداً ، وإن من يستحقه لا بد أن يكون كبيراً جداً أيضاً . لأن لفظة (أب) تعني أن هذا الإنسان حمل أعباء البيت والأسرة بكاملها ، وأعتقد تماماً أن أبا راتب قد حمل أعباء النشيد الإسلامي بمفرده خلال ربع القرن الأخير ، وهذا يجعلني أعود إلى بدايات أبي راتب في الإنشاد .
في عام 1980 في مدينة عمان عاصمة الأردن ، كنا نعيش أنا وأبو راتب وبعض الإخوة في بيت واحد ، وكان أبو راتب يحب الإنشاد كثيراً ، فكنا نراه يكثر من الإنشاد بمفرده ، ولكن لم يكن أحد منا يلقي بالاً له ، وكنت أقول له أحياناً : يا أخي صرعتنا بصوتك ، صوتك غير جميل . لأنه بصراحة لم يكن صوت أبي راتب جميلاً آنذاك ، ولم يجذب صوته أحداً منا . ولم نكن نتوقّع أن يصبح منشداً ، ومن باب أولى أن لا يصبح أباً للنشيد الإسلامي .
ثم افترقنا شهرين ، ثم عدنا للسكن معاً ، وأذكر أن أحد الإخوة فتح المسجلة فانطلق منها صوت جميل ينشد ، فقال أحد الإخوة بلهفة : من هذا المنشد ؟ فقالوا : أبو راتب . فتعجبنا من ذلك وقلنا : هل صار صوت أبي راتب هكذا ؟ فقالوا : نعم .
ومن هنا بدأ أبو راتب يحبو في عالم النشيد .. ولم يمضِ عام واحد إلا وأبو راتب قد أصدر شريطاً ، وقد لقي الشريط استحساناً كبيراً من الكثيرين .
وكان أبو راتب خلال هذا العام ينشد في السهرات الخاصة ، وفي الحفلات التي يقيمها معهد كلية الشريعة في عمان ، لأن أبا راتب كان يدرس فيه .
وخلال هذا العام أيضاً انضم أبو راتب إلى فرقة أبي دجانة .. لإنتاج شريط جديد ، أي بعد الشريط الرابع لأبي دجانة ، ولكن حدثت أمور لا داعي لذكرها فلم يخرج الشريط وتفرقت الفرقة وتشتت . ومع العلم فإن فرقة أبي دجانة التي أنتجت معه الأشرطة الثلاثة الأولى كانت قد تفرقت وتشتت ولم يبقَ منها أحد معه .
فعاد أبو راتب للاهتمام بنفسه شخصياً دون أية مساعدة من أحد ، وإنما اعتمد على دراسته في المعهد الموسيقي قبل التزامه بالتديّن . أي لا فضل لأحد على أبي راتب في تنشأته فنياً . ويمكن القول إن أبا راتب وُلد في النشيد الإسلامي بولادة قيصرية صعبة جداً .. وهذه المسألة تحتاج إلى شرح مفصل حتى يدرك القارئ صعوبة هـذه الولادة القيصرية .
من المعروف أن المنشدين الرواد ( أحمد البربور ، أبو مازن ، أبو الجود ، أبو دجانة ، محمد أمين الترمذي ) أنشدوا وهم في داخل سوريا ، أي أنهم كانوا في بيئاتهم الطبيعية ، وكانوا على احتكاك تام مع عمالقة النشيد الديني مثل ( حسن حفار ، صبري مدلل ، أديب الدايخ ، خانطوماني .. ) وهؤلاء وغيرهم كانوا ينشدون في المساجد والمناسبات الدينية والأعراس . وحديثي هنا يخص مدينة حلب التي كان يعيش فيها كل المنشدين الرواد إلا أبا مازن الذي كان يعيش في دمشق ، ودمشق فيها كذلك بعض المنشدين مثل المنجد .
فالمنشدون الرواد عاشوا في بيئة فنية رائعة جداً ليس لها مثيل في كل البلاد العربية ، وسيد درويش هو أول من يقرّ بذلك لمدينة حلب التي زارها مرتين ليتعلّم فيها فن النغم والطرب على أصوله .
ولكي يدرك القارئ أهمية هذه البيئة الفنية أقول إن هذه البيئة هي التي خرّجت المنشدين الرواد .
فالمنشدون الرواد وجدوا من يأخذ بأيديهم في الإنشاد ، أما أبو راتب فقد كان في الأردن على العكس من ذلك تماماً ، فالأردن كانت في بداية الثمانينيات قاحلة فنياً ، ولا أكون مبالغاً إذا قلت إنه كان لا يوجد أحد من الإسلاميين في الأردن من يجيد الضرب على الدف . أنا هنا أتحدث عن الإنشـاد فقط ، أما الغناء فالأردن فيه حركة غنائية لا بأس بها .
ففي هذه البيئة القاحلة فنياً نشأ أبو راتب ، هذا الشاب اليافع الذي لم يكن بتجاوز عمره الثامنة عشـر ، ووجد نفسه يتيماً كأكبر أيتام التاريخ .
وليت الأمر وقف عند هذا الحد ، وإنما كان أبو راتب مطالباً بأن يأتي بأناشيد تنافس أناشيد المنشدين الرواد التي كانت قد انتشرت بين الجمهور ولاقت استحساناً شديداً . لأنه إذا لم تستطع أناشيد أبي راتب أن تنافس أناشيد الرواد فإن أبا راتب كان سيسقط سقوطاً كبيراً .
ولكن أبا راتب كان ( قدها وقدود ) والحمد لله ، واستطاع بمفرده أن ينقذ النشيد الإسلامي وينهض به ، ويعمل بكل جدّ على إصدار الشريط تلو الشريط ، وقد نالت جميع أشرطته استحساناً لا مثيل له ، إلى درجة أن أحد المشايخ في مدينة عمان رأى إعجاباً شديداً من قبل الجمهور بصوت أبي راتب ، فشـعر أن هذا الصوت أصبح فتنة للنساء لا سيما الفتيات ، فأصدر فتوى تحرّم على النساء سماع صوت أبي راتب لأنه فتنة لهن .
ولكن هيهات هيهات أن يسمع أحد لفتوى هذا الشيخ القادم من المريخ ، فهو لا يفقه حياة العصر الذي نعيش فيه .. فهل من الصواب في شيء أن نصدر مثل هذه الفتوى الرعناء في حين أن الساحة الإسلامية لا يوجد فيها منشـد إلا أبو راتب ؟ وهل هذا في مصلحة الدعوة ؟ أم أن هذا ضد مصلحة الدعوة تماماً ؟ لأن النشيد كان بديلاً رائعاً للأغاني التي أفسدت الأجيال ، فإذا حرّمنا هذا البديل الإسلامي الذي لم يكن عندنا غيره فإلى من ستستمع النساء ؟ هل نتركهن دون سماع الأناشيد إلى أن يخرج منشد ليس له صوت يفتن النساء ؟ أي غباء نحن فيه ؟ إن علماءنا ومشايخنا مطالبون في هذا العصر أن يفتحوا أبواب عقولهم على مصراعيها ويفهموا ويفقهوا الواقع الذي نعيشـه . إن عدداً من علمائنا مغيّب تماماً عن حياتنا المعاصرة ، وقد وجدنا فتاوى دمّرت قطاعات مهمة من العمل الدعوي .
أعود إلى أبي راتب ( وبلاش نرفزة ، فيكفينا ما نعانيه من هزائم في فلسطين والعراق وتسونامي .. ) . ها هو أبو راتب يتألق ويتألق .. وتتسع شهرته حتى تعم البلاد .
وإلى الحلقة الثانية في الغد إن شاء الله تعالى ..