اللحظات الحاسمة
مركز الميماس للثقافه والاعلام
قيد الانشاء
سعاد جروس
في الفيلم المصري «زيارة السيد الرئيس», يصل خبر سري إلى المسؤولين في إحدى قرى الصعيد بأن الرئيس سيمرّ في قريتهم الواقعة على خط السكة الحديد, فتبدأ الاستعدادات لحدث هو الأهم في حياة قرية نائية وفقيرة. وبلمح البصر تختفي مظاهر البؤس من شوارعها لتحل محلها الزينات والأنوار ورايات الفرح وأعلام الفخار. لينتهي الفيلم بمفارقة مفرطة في سخريتها ومرارتها؛ يعبر قطار الرئيس سريعاً خاطفاً الأبصار دون أن يتمكن أحد من أبناء القرية رؤية حتى القطار.
في سوريا نحمد الله على أن زيارات السيد الرئيس التفقدية إلى المناطق البعيدة والمؤسسات الحكومية القريبة, ليست خاطفة كزيارة الرئيس في الفيلم المصري, بل تمتد لساعات في معاينة مباشرة للواقع, ووضع الاصبع على الجراح. وكالعادة, استعداداً للزيارة, وفي اللحظات الحاسمة, يبلي المسؤولون بلاء حسناً, تختفي السلبيات بلمسة سحرية, وتتوافر الإيجابيات, وتبدو الأمور على ما يرام¬ ربما فقط لهم ¬معتقدين أنها ستجنبهم كبس ورص وشد أذن للانتباه إلى استفحال ظواهر الإهمال. بل قد يتوهمون أن الزيارات التفقدية,
فرصة لتسليط الأضواء على عبقرياتهم الفذة في النجاحات الخاطفة.
لو أن مستشفى المجتهد كان في الواقع كما بدا في شريط الأخبار المصورة الذي نقل زيارة الرئيس بشار الأسد في 22كانون الثاني €يناير€ لما أطلق عليه اسم «المسلخ», مع لازمة تعرف به بأن «الداخل مفقود والخارج مولود», وربما تساءل الكثيرون عما إذا كان مستشفى دمشق الظاهر في الصور ملمعاً ونظيفاً هو ما غيره «المجتهد» الذي خسر رصيده كأقدم مستشفى في دمشق, ليصبح المستشفى الذي لا بد منه للفقراء والمعدمين ممن لا رجاء لهم في الحياة الدنيا, يقصدونه كأقرب طريق إلى الدار الآخرة, يتكومون في الغرف والممرات مع ذويهم بانتظار رحمة الله التي لولاها لما خرج مريض واحد يسير على قدميه من مستشفياتنا العامة, وحتى الخاصة أحياناً.
ولعل ما بذله المعنيون لتحسين ما لا يمكن تحسينه وتغطية السما بالعمى في هذا المستشفى, لهو وحده معجزة جديرة بالتقدير, ومهما كانت هذه المعجزة الشفائية, فلا بد أن نخشى من نكسة, رغم اعتقادنا بأن السيد الرئيس لن يدعها تمر كما يرغبون بسلام روتيني, خصوصا وقد أكد إتمام عمليات الترميم ضمن المخطط التنفيذي وفي المدة المحددة, فالأموال التي استهلكها هذا الترميم الذي طال واستطال تكفي لبناء مستشفى جديد, ولم يعد هناك مجال لمزيد من التراخي.
حتى أن المرضى البؤساء من الذين التقاهم الرئيس لم يتمنوا الشفاء كما تمنوا أن يدوم تأثير زيارته لأطول فترة ممكنة, ليحصلوا على اهتمام وعناية غريبة عن تقاليد مكان اكتسب سمعته بقدر ما منح مرضاه من شقاء وعلاجات غير مضادة للأمراض ولا الموت. فثمة شعور بأنه ما ان يخرج الرئيس من الباب حتى يعود كل شيء كما كان وأكثر من الشبّاك. كما حصل حين زار الرئيس منطقة القصير في محافظة حمص
لتفقد مشروع سد زيتا القريب من الحدود السورية اللبنانية, حيث سويت وبسرعة البرق الطرق الوعرة الملتوية الحافلة بالمطبات لتصبح كراحة اليد, لتسير سيارة الرئيس على اسفلتها بارتياح, لا تنط ولا تحط. ولا ينبع من المطبات الخطرة سؤال محرج, عن سبل أخرى لمكافحة التهريب غير هذه المطبات؟ أو سؤال عن معدل الحوادث المروعة المسجلة أسبوعياً؟
لا نعتقد أن الزيارة مرت على مسؤولي المحافظة بسلام, فقد اعفي منهم من اعفي, لكن ليس قبل عودة المطبات والعود ليس أحمد, إذ عادت أعرض وأعلى, تخلع ظهر ركاب السيارات والجرارات والموتوسيكلات والبسكليتات, في الذهاب والإياب سواء أكانوا مهربين أم أناساً عاديين, ولسان حالهم يقول, ليت الرئيس يزورنا مرة أخرى.
المؤكد أن الزيارات الميدانية للسيد الرئيس ومتابعته شخصياً لسير عمل المؤسسات الحكومية للوقوف على حقيقة تنفيذ المشاريع يكتسب أهمية كبيرة, كونه يضع المعنيين أمام مسؤولياتهم, بوضعهم تحت مراقبة أعلى سلطة, فلا مجال للتملص والتهرب, ولا الفبركة والكولكة, مما يعطي للمواطن ثقة بمشروع الإصلاح. كما حدث لدى زيارة الرئيس إلى المصرف التجاري التي أعطت دفعاً للعاملين ليبذلوا جهداً مضاعفاً وحضتهم على تسريع إنجاز مشاريع كبيرة ومهمة, إذا ما أرادوا لهذا المصرف البقاء على قيد المنافسة في السنوات المقبلة.
إلا أن ذلك لا يجنبنا الخشية من اصرار بعض المسؤولين على تجيير الزيارات لزيادة نفوذهم, وتلميع صورتهم كما تلمع الأبنية والأدراج في حملات النظافة الخاطفة, بدل الاهتمام بعملهم وتحمل مسؤولياتهم كاملة, بحيث لا يضطرون لبذل جهود استثنائية طارئة لا شك في انها تفقد صلاحيتها, مع رئيس لا أحد يعرف متى أو أي مكان سيكون هدفاً لكبسة على حين غرة.
الكفاح العربي