غياب فرق الإنشاد النسائية ( 1 )
غياب فرق الإنشاد النسائية ( 1 )
نجدت لاطـة
نجح النشيد الإسلامي في أن يوجد له موطىء قدم في الساحة الفنية ، على غير ما كان يتوقعه البعض ممن لا يكنون للاتجاه الإسلامي أي ود ّ. وها هي فرق الإنشـاد الإسلامية تملأ البلاد طولاً وعرضاً , فنسمعها في القنوات الفضائية والمهرجانات والأعراس . وها هم المنشدون يُلبون الدعوات من البلاد العربية وأوروبا وأمريكا, وأصبح المنشدون يُستقبلون في المهرجانات كما يُستقبل المطربون الكبار . بل إنه فـي بعض الأحيان يُحتفى بالمنشدين أكثر من المطربين , وعلى سبيل المثال ذكرت الصحف المغربية فـي صيف قبل الماضي خلال مهرجان فني أقيم هناك أن المنشد " أبوراتب " حضر له عشرون ألف متفرج ، وأن المطرب كاظم الساهر حضر له أربعة آلاف متفرج فقط .
وهذا النجاح للنشيد يدلّ على أمرين اثنين :
الأول : اتساع مساحة النشيد الإسلامي وازدياد عدد منشديه وفرقه .
الثاني : ازدياد عدد الجمهور الذي يستمع للنشيد .
لكن الملاحظ أن النشيد مقتصر على فئتين من المنشدين , الأولى : الشباب الذكور . الثانية : الأطفال (الذكور والإناث) أما النسـاء فقلما نجد منشدة , وحتى يكون كلامي دقيقاً لم أجد ولم أسمع عن وجود منشدات إلا في الأردن فقد وجدت ثلاث فرق فقط وهي :
ـ فرقة أم محمود (زوجة المنشد محمد أمين الترمذي) .
ـ فرقة أم الهدى (زوجة المنشد " أبو الهدى " ) .
ـ فرقة أم خالد .
وهؤلاء الفرق الثلاث ليست على مستوى شهرة فرق الإنشاد الذكور , وإنما ـ أيضاً ـ قلّما يسمع بهن أحد ، ويكاد يقتصر نشاطهن على إحياء الأعراس الإسلامية في نطاق محدود جداً ، أما التجمعات النسائية الأخرى فقد خلت من أي إنشاد نسائي ، الأمر الذي يستدعي منا تنشيط الإنشاد النسائي كي يكتمل دور النشيد الإسلامي في كل صوره .
وأحاول أن أبحث عن أسباب غياب المنشدات فلا أجد إلا التصور الخاطىء عند البعض لدور المرأة في العمل الإسلامي ، فنجد التركيز على الذكور دون الإناث في العمل الدعوي أو العمل الإسـلامي العام , باعتبار ـ عند هؤلاء البعض ـ أن أي دور تقوم به المرأة الملتزمة سيُعرضُها للفتنة ، لذا يتمّ إبعادها في كثير من الأنشطة . وإبعاد المرأة الملتزمة من الأنشطة المختلفة من قبل القائمين على العمل الإسلامي هو ظلم كبير في حق المرأة الملتزمة ، وسيسأل الله هؤلاء القائمين على العمل الإسلامي عن هذا الظلم ، لأن الظلم ظلمات يوم القيامة حتى وإن كان المنفذون له من المؤمنين . لأن إبعاد المرأة الملتزمة دمّر العمل الدعوي الخاص بالنساء . واقرأ معي ـ أيها القارئ أو القارئة ـ ما كتبه الشيخ محمد الغزالي في هذا الشأن : ( رفضوا أن يكون للمرأة دور في إحقاق الحق وإبطال الباطل وصيانة الأمة بنشر المعروف وسحق المنكر ، ولم تدخل المرأة الأزهر إلا بعد تطويره الحديث مع أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل طلب العلم فريضة على الرجال والنساء ، وعند أن إفلات النهضة النسائية من قيود الإسلام الحقيقية يرجع إلى هذا العجز والغباء ) . ويقول المفكر الإسلامي ماهر حتحوت : ( لقد أسقطوا المرأة تماماً من حسابات الحركة الإسلامية سواء في تكوينها أو في مجالات النشاط المتاحة لها أو في أسلوب معاملتها ) .
في حين أن المرأة المسلمة في زمن العصر الأول كانت تُشارك في شتى المجالات التي تخدم الدعوة الإسلامية , فمن يُنكر دور عائشة رضي الله عنها في توصيل العلم النبوي إلى الناس ؟ ومن يُنكر دور أسماء بنت أبي بكر في الهجرة ؟ ومن يُنكر دور أم عمارة وخولة بنت الأزور في الجهاد ؟
المشكلة أن لدينا خوفاً زائداً على المرأة الملتزمة , فنكاد أن ندفنها بين جدران بيتها حتى لا تتعرض للفتنة ، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعترِهِ هذا الخوف الزائد على أسماء بنت أبي بكر في الهجرة , أو على أم عمارة في غزوة أحد ، وكذلك لم يعترِ خالد بن الوليد خوف زائد على خولة بنت الأزور حين كانت تخترق صفوف الروم في معركة اليرموك فتصل إلى نهاية جيش الروم وتعود ثانية , وفعلت ذلك مراراً , حتى أن خالد بن الوليد رضي الله عنه ذهل من جرأتها وشجاعتها وبطولتها .
أما نحن اليوم فيخبىء كل واحد منا زوجته وأخته وابنته في البيت ثم ننتظر أن يتغيّر المجتمع وينتصر الإسلام . أليس هذا المفهوم بعيداً عن المفهوم الصحيح لدور المرأة المسلمة في خدمة الدين و الدعوة ؟.
فالعمل الإسلامي اليوم يحتاج إلى تضحيات كثيرة ، وخروج المرأة الملتزمة من البيت للمشاركة في الدعوة والأنشطة المختلفة هو جزء من هذه التضحيات .
ولا يخفى على أحد أهمية فن النشيد في عصرنا الحالي ، فمن الخطأ الكبير أن نترك هذا الفن للمنشدين الذكور فقط ، لأن النساء بحاجة أيضاً إلى المساهمة فيه ، وخصوصاً أنه لا يوجد مانع شرعي من ذلك . فكما شاركت المرأة الملتزمة بكتابة الشعر والقصة والرواية ، عليها أن تشارك في النشيد الإسلامي ، وكل هذا يدخل في نطاق الفنون .
و أنا لا أعني هنا أن تنشـد المرأة الملتزمة أمام الرجال أو أن يسمعها الرجال ، وإنما أعني أن تنشد أمام النسـاء فـي الأعراس والمهرجانات والتجمعات الخاصة بالنسـاء . وهـل فـي هــذا شـيء محرّم أو شـيء معيب ؟ وأنا لا أدري كيف تكون الأعراس النسـائية الملتزمة إذا خلت من الإنشاد ؟ وقد سألت زوجتي عما تفعل الأخوات في الأعراس الإسلامية فقالت : نضع شريط ( أبو راتب أو غيره ) وننشد معه الأناشيد المختلفة . فهل هذا أفضل من وجود منشدة أو فرقة إنشاد نسائية ؟
والمشكلة أن الأعراس النسائية الإسلامية تحضرها النساء الملتزمات وغير الملتزمات من قريبات أو صديقات أو جارات العروس وأهل العروس أو أهل العريس ، والنساء غير الملتزمات يرغبن ـ كالعادة في الأعراس ـ أن يغنين أو يسمعن الأغاني ، فإذا كان في العرس منشدة ، قامت بالإنشاد ، وكان ذلك بديلاً عن الأغاني . ولكن إذا لم يكن هناك منشدة نجد أن النساء غير الملتزمات يغنين الأغاني الخاصة بالمطربين والمطربات ، مما يوقع النساء الملتزمات في حرج شديد . لأن هذه الأغاني توحي بظلالها وظلال مطربيها , لاسيما بعض الأغاني المنافية ـ في معانيها ـ لمفاهيم ديننا الحنيف .
فحين توجد المنشدة أو فرقة الإنشاد في العرس فلا يقع شيء من المخالفات الشرعية , ويصبح العرس إسلامياً حقيقة .
إذن فالتجمعات النسائية بحاجة إلى وجود أخوات ملتزمات يمارسن الإنشاد , بحيث يكون لهن دور مرادف للدور الذي يقوم به المنشدون الذكور.
ويبرز هنا سؤال كبير بحجم زلزال تسونامي : بأية صيغة ستنشد المنشدة الأناشيد والأشعار ؟ لأن الموجود كله خاص بالذكور . فهل إذا أرادت أن تنشد أنشودة جهادية ستنشد أنشودة " أبو راتب " التي مطلعها :
ماضٍ وأعرف ما دربي وما هدفي والموت يرقص لي في كل منعطف ِ
أم أنها ستقلبه إلى ( ماضية .. ) ؟
و الأمر نفسه إذا أرادت أن تنشد أنشودة روحانية مثل أنشودة " أبو الجود " ( إلهنا ما أعدلك ) التي منها :
يا مخطئاً ما أغفلك عجّل وبادر أجلك
فهل ستقلبه إلى ( يا مخطئة .. ) حتى تكون صادقة فـي مناجاتها مع رب العالمين ؟
والأمر نفسه إذا أرادت أن تنشد في أحد الأعراس النسائية أنشودة غزلية ، فكيف ستنشد أنشودة المنشد موسى مصطفى التي مطلعها :
هـلا يا ريم الفلا يا زينة يا نشـمية
يا أم عيون مكحّالة و الكحلة ربانية
كم المرأة المسلمة الملتزمة مظلومة في عصرنا ؟! فإذا أرادت أن تناجي ربها بأنشودة ..ناجته بلفظ الذكور .. وإذا أرادت أن تترنم بصفات فارس أحلامها ترنمت بعيون امرأة ؟ أليس هذا إجحاف كبير في حق المرأة المسلمة ؟ ألا يجعل هذا المرأة المسلمة تعيش في حالة انفصام شخصي ؟ فإلى متى ستظل هذا السلطة الذكورية هي المهيمنة على نسائنا ؟
وأنا هنا لا أضع اللوم على الإسلاميين الذكور فقط ، وإن كان اللوم الأكبر يقع عليهم أولاً ، وإنما أضع كذلك اللوم على النساء الملتزمات اللواتي لا يطالبن بحقوقهن ، فالمثل يقول : ما حك جلدك مثل ظفرك .
النساء غير الملتزمات أخذن حقهن في هذا الجانب وزدن عليه كثيراً حتى خرجن عن المنهج الشرعي ، فالمطربات يغنين للحبيب وليس للحبيبة . أما المرأة الملتزمة فعواطفها مطمورة في التراب . النساء غير الملتزمات وقعن في إفراط ، والنساء الملتزمات وقعن في تفريط . وهذا كله ليس من المنهج الإسلامي ، لا الإفراط ولا التفريط .
أنا لا أدري كيف ستقدم المرأة الملتزمة ـ المطمورة العواطف ـ حياةً سوية تكون قدوةً وأنموذجاً للنساء عامة ؟
على أية حال .. إذا اقتنعت المرأة الملتزمة بما كتبته بخصوص حقها بالنشيد ومعانيه فلا بدّ أن نقنع الشاعرات الملتزمات بكتابة ما يفيد النشيد الإسلامي الخاص بالمرأة فيما يخص المعاني الروحية والإنسانية والجهادية والعاطفية وما ينفع في الأعراس والمهرجانات النسائية .
فماذا ستكتب الشاعرة الملتزمة ؟ وماذا ستنشد المنشدة ..؟ هذا ما سنعرفه في الجزء الثاني ...
يتبع إن شاء الله...