حمام القيشاني (5)
حمام القيشاني (5)
د. منير الشامي
وهو أسوأ الأجزاء ويكاد يكون خالياً من الأفكار مهمته أن يزوج ويطلق لأبطال المسلسل ويقدم هيامهم وانزعاجهم متناسياً الأحداث السياسية. وسنعرض لأهم الأحداث من خلاله.
1 – عهد الوحدة ليس فيه أي إنجاز. كل ما فيه اعتقالات الشيوعيين، والتعذيب الشديد الواقع عليهم يتلو ذلك اعتقالات القوميين السوريين، وملاحقة النشطاء منهم في سورية ولبنان. ثم التركيز على شخصية عبد الحميد السراج بصفته السيد المطلق في سورية.
2 – استطاع نذير أبو الورد أن يصل إلى الوزير السراج ويعلم أن رئيسه بهجت رماح لا يلاحق المجرمين من الشيوعيين والقوميين والبعثيين، ويطلق سراحهم تلبية للمغنية في الكباريه نيلي. وأصبح أبو الورد جاسوساً أعلى من رماح الذي اقتيد للسجن بهذه الوشاية.
3 – القرار للمومسات وليس للمؤسسات. ورجال المخابرات يتحركون برغبة نساء الكباريهات.
4 – دخول صراع المخابرات السورية والمصرية والانتقال إلى مرحلة المشير عبد الحكيم عامر وعبد الحميد السراج. وابتدأ الصراع الخفي بينهما، وكل واحد يريد أن يستأثر بالسلطة.
5 – لم يذكر عن الإخوان المسلمين في عهد الوحدة إلا كلمة واحدة. لقد صار لهم سباعي جديد هو عصام العطار. وتجاهل لدورهم الإصلاحي الكبير في مسجد جامعة دمشق. وإعلان المواقف الإصلاحية وانتقاد الفساد الأخلاقي الذي كان له دور ضخم في تربية جيل إسلامي جديد.
6 – الصراع العنيف بين البعثيين وعبد الناصر، حيث استقالوا جميعاً، وعلى رأسهم أكرم الحوراني الذي كان نائباً لرئيس الجمهورية. واستقالة الوزراء البعثيين الستة. وانضمامهم إلى صفوف الملاحقين والمضطهدين. وسجن زعمائهم في آخر عهد الوحدة.
7 – ختام عن الوحدة باستقالة السراج الذي مضى إلى القاهرة. وعاد خائباً، وسيطرة المشير سيطرة كاملة مع المصريين على السلطة. وإبراز انزعاج السوريين من ذلك.
8 – ذكرت قرارات التأميم وتوزيع 25% من أرباح الشركات على العمال والموظفين. وفرع عامة الشعب في ذلك.
9 – القوميون السوريون يحقدون على البعثيين بأنهم الذين سلموا السلطة والبلد لعبد الناصر. فمتى ستعود سوريا حرة من هذا الاستعمار.
10 – عواطف عامة الشعب مع عبد الناصر، مثلهم شوكت القناديلي أبو الشيوعي عزو. وأبو لطفي أبو الشيوعية عنايت. وأم سهام القومية السورية. ولا يرون زعيماً مثل عبد الناصر. وهو الذي وحد العرب.
لقد كان الجزء الخامس مقسماً بين الوحدة والانفصال، حيث ينتقل القسم الثاني من الجزء الخامس للحديث عن الانفصال. إذ كان طمساً كاملاً لهذه المرحلة من التاريخ السوري مع إظهار الملاحظات التالية:
1 – الحزبيون جميعاً سروا من ذهاب عبد الناصر، وانتهت ملاحقتهم. ومضى عزو الشيوعي ليدرس على حساب الحزب دكتوراه في روسيا. في الوقت الذي كان يقوم بتجارة كبيرة. رامياً المبادئ خلف ظهره.
2 – عامة الشعب حزينة على الوحدة، وحزينة على عبد الناصر وهم الذين لا يرتبطون بأي حزب.
3 – ابتدأ نقد الحزبيين والشخصيات التي برزت في الانفصال، الكزبري، الدواليبي، حزب الشعب إلغاء التأميم.
4 – طمس المسلسل أن البعث العربي الاشتراكي قد أيد الانفصال ووقع زعيماه الحوراني والبيطار على وثيقة الانفصال مع كل الحزبيين والسياسيين الآخرين.
5 – طمس المسلسل الدور المشرف للإخوان المسلمين الذين رفضوا التوقيع على وثيقة الانفصال وحدهم من بين جميع السياسيين.
6 – طمس المسلسل حقيقة الحريات. والانتخابات. والديمقراطية التي لم تر سوريا مثيلاً لها في تاريخها. وإنما يذكر السياسيين. أصحاب مصالح. كما يركز المسلسل على الخلافات بين سورية ومصر في الجامعة العربية.
7 – في الجزء الرابع فضح المسلسل الدنيا بهزيمة التيار الإسلامي بالانتخابات. وانتفش بانتصار القوميين، بينما أصابه الموت أمام انتصار التيار الإسلامي في زمن الانفصال. ونجاح الأستاذ عصام العطار فوق السياسيين جميعاً. وبأصوات أذهلت جميع السياسيين. ولم يسبقه إلا خالد العظم والكزبري.
8 – أبرز المسلسل ملاحقة المخابرات في عهد عبد الناصر، واعتقال ثلاثة آلاف منهم. وكان تعذيب نذير وسجنه صورة عما أصاب المخبرين في هذا العهد. وجرت اعتقالات للناصريين. لكن سرعان ما كانوا يخرجون من السجون.
9 – بقيت المخابرات تحت سيطرة بنات الهوى والكباريهات. وليس هناك أي فكرة أو هدف أو قضية خلال عهد الانفصال أو خلال عهد الوحدة.
10 – بقيت أجواء الحزبيين التي تمثل. الانحراف الخلقي. والعلاقات والصداقات. والتبذل في اللباس. وجهلهم كل شيء عن الإسلام، ولا وجود له عندهم.
11 – القرآن لا علاقة له بالأمة إلا عند الموت. حيث يقرأ على الموتى. وهذا هو دور الإسلام في الأمة. حيث أبرز الأمة كلها بلا دين، وبلا تيار إسلامي، وبلا فكر إسلامي.
12 – شوه الإسلام ودعاة الإسلام من خلال أكف شخصيتين في المسلسل. فهما أضيق الجميع أفقاً وأكثرهم تعصباً. وأحرصهم على مصالحهم الضيقة. ويأتي الشيوعيون ليحرروهم. فهم يحرمون قراءة الفكر القومي وقراءة الفكر الشيوعي والفكري التحرري ويستهزئ بهم القوميون والشيوعيون والتحرريون وبعقليتهم الضيقة.
13 – ظاهرة الصوم تظهر أحياناً. في المجتمع أما ظاهرة الصلاة فلم تبرز إلا مع أبي لطفي أبي الشيوعية عنايت. وعنايت تبرز نفسها بأنها ليست ضد الدين، وأنها تصوم رمضان.
14 – أبو شوكت. الذي يمثل ظاهرة الشعب. وأحد كبار تجاره. غارق مع المخابرات. ومع بنات الكباريهات بالسهرات الليلية الحمراء، وشرب الخمر والغناء والرقص.
15 – نعترف بأن المسلسلات السورية تقف عند حدّ معين في التهتك. والأمور الجنسية فلا تتجاوز علاقات العشاق. تقبيل العاشق ليد معشوقته. وهي أرقى بكثير من المسلسلات المصرية الماجنة والمتهتكة التي تبرز الرقص الخليع. والتقبيل الدائم. والإسفاف في التبذل.
16 – الحديث عن صراع القوميين والشيوعيين. وسيطرة الشيوعية والشيوعيين بأنهم المثل الأعلى للأمة في الأخلاق في التضحية، في تطبيق المبادئ: في الديمقراطية في البعد عن العنف وأنهم مضطهدون، مناضلون مخلصون، لا ذنب لهم إلا وفاؤهم لمبادئهم. فقد اضطرت الشيوعية رجاء أن تتخلى عن خطيبها الديني الأستاذ بكلية الآداب الذي تحدث عن الثورة. وعن حرب أعدائها. فتركته حتى لا يزجها مع رفيقاتها الشيوعيات.
17 – مع أن القوميين السوريين انتهوا من تاريخ سورية بعد وفاة المالكي. والمحاكمات للحزب على جريمة القتل إلا أن المسلسل حريص على أن يبرز دورهم المستمر ونضالهم العظيم في عهد الانفصال وفي عهد الوحدة، وحبهم الشديد لوطنهم سوريا. في الوقت الذي يطمس يه الإسلام والتيار الإسلامي ويُسلخ من الوجود.
18 – ثم يتحدث المسلسل في آخر حلقة له عن انقلاب 8 آذار. وينفي الوجود الناصري كله. الذي شارك في الانقلاب فقد كان قائد الجيش الفريق محمد الصوفي ورئيس الأركان اللواء راشد قطيني من الناصريين. وإبراز الانقلاب على أنه ثورة البعث العربي الاشتراكي.
19 – حرص المسلسل على تسمية ووصف انقلاب 8 آذار، بأنه ثورة وليس انقلاباً وأنه هو الذي سيحرر العرب من الانفصال والاستغلال. حيث يكون المخرج هاني الروماني هو الناطق باسم حزب البعث.
20 – إرفاق موت شوكت القناديلي الذي جاوز السبعين من عمره. مع يوم ولحظة انتصار انقلاب 8 آذار. وتتقدم أم سهام لتبيع وطنيات جديدة. انهار شوكت وأمثاله من الجيل القديم الذي انتهى. وجاء الآن دور الجيل الجديد جيل الشباب الذي سيحرر سورية. ويعيد لها كل أمجادها. وإبراز شوكت على انتهاء الدور القديم بوفاته. ووفاته قبل الحج الذي كان يحلم به. وحرصه على التوبة النصوح بعد الحج. وأن هذا الجيل ضائع في ملذاته وشهواته. فهم بين أربع نساء ينام مع كل واحدة. ولا يدري من تكون زوجته. ويحرص على أن يكون زير نساء.
21 – لقد كان هذا الجزء الخامس يحمل كثيراً من الدجل وتزوير الحقائق. ولم تتجاوز الموضوعية فيه 50% وإن كان صادقاً 80 % في تقديم المخابرات وسيطرتهم وانحرافاتهم. وانحرافات الحزبيين الأخلاقية. فهو تاريخ مهمته أن يرفع من شأن الشيوعيين إلى مصاف الأبطال. ونجح في ذلك. فهم أعظم الناس نضالاً في التاريخ السوري. ويرفع شأن القوميين السوريين ويعيد لهم اعتبارهم وتقديمهم شعلة من الوطنية والإخلاص للمبدأ. وقد نجح في ذلك. وأن يرفع من شأن البعثيين. ويقدمهم بأنهم قادة النضال للوحدة. وأصحاب الثورات التصحيحية. ونجح في إخفاء سلبياتهم.
وكان من مهمته. طمس التيار الإسلامي، واتهامه بالعنف، والتعصب. والبحث عن المصلحة وعدم وجود أي تأثير له في تاريخ الأمة. وقد نجح في ذلك.
ولكن التاريخ يبقى أكبر من المسلسلات، والوثائق والوقائع أكبر من التزييفات، وضمير الشعب أكبر بكثير من أهواء الحزب. وشطار الفن. وعندما ينال الشعب حريته، عندها سيقول كلمته:
)فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض(.
)والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون(.