الفضائيات اللبنانية وثقافة الكباريهات
الفضائيات اللبنانية وثقافة الكباريهات
أفلام جنس وبرامج فاسدة وأخلاقيات منحطة
نجدت لاطة
حين جاء عصر القنوات الفضائية خشي البعض من غزو الفضائيات الأجنبية لمجتمعاتنا، لِمَا ستبثه من أفكار وسلوكيات اجتماعية ومشاهد إباحية .. ولكن بعد المتابعة لهذه الفضائيات تبيّن أنه لا خطورة عظمى منها، ويمكن أن أحصر هذه الخطورة في المشاهد الإباحية فقط (ولا يعني هذا التقليل من خطورة هذه المشاهد) ولا توجد خطورة خارج إطار المشاهد الإباحية، لأن هذه القنوات تبث بلغات أهلها، ومن منا يفهم اللغة الإيطالية أو الألمانية أو الفرنسية أو اليونانية أو الروسية أو الأسبانية...؟
وهكذا مع سائر اللغات الأجنبية. بل وحتى اللغة الإنكليزية فما نسبة الذين يفهمونها؟ طبعاً النسبة قليلة جداً مع الإنكليزية، وتكاد تنعدم النسبة مع اللغات الأخرى، ونحن لو بحثنا عمن يجيد اللغة الألمانية ـ مثلاً ـ بين مئة ألف إنسان عربي فما أظن أن عددهم يتجاوز أصابع اليد الواحدة. إذاً فلا خطورة مما تبثه القنوات الأجنبية خارج إطار المشاهد الإباحية. والمشاهد العربي الذي ليس لديه رادع ديني وأخلاقي لا يشاهد في القنوات الأجنبية إلا المشاهد الإباحية. أما البرامج الأخرى كالأفلام والمسلسلات والمقابلات والحوارات والأخبار فلا يفهم منها شيئاً لذا هو لا يشاهدها. بمعنى أن الغزو الفكري القادم من القنوات الأجنبية ينحصر في المشاهد الإباحية فقط.
لكن الأمر يختلف تماماً مع القنوات الفضائية اللبنانية، وكأن القائمين عليها قد تكفّلوا بحمل مهمة الغزو الفكري الغربي لمجتمعاتنا سواء ما كان منه ثقافياً أم اجتماعياً أم إباحياً ! باعتبار أن هذه الفضائيات تبث باللغة العربية (الفصيحة والعامية) والمراقب لها يُدرك تماماً أنها تبث سماً ناقعاً وعلقماً مراً. وسوف أذكر لهذا الغزو نماذج، وهي غيض من فيض.
الثقافة الجنسية المدمرة
في برنامج (عالم الصباح) الذي تبثه قناة (المستقبل) كان موضوع الحلقة عن المشكلات الجنسية عند المراهقين، فذكرت إحدى النساء المتصلات بالهاتف أن ابنها ـ وعمره 15 سنة ـ يمارس العادة السرية، وتطلب الحل لهذه المشكلة. فأجابتها الباحثة الاجتماعية (ضيفة البرنامج) بأنه لا يوجد أي ضرر من ممارسة العادة السرية، و ممارسة هذه العادة تساعد المراهقين في نموهم الجنسي، ولكن إذا حدث إفراط في ذلك فعندها يجب تنبيهه.
وكدت أن أُصعق وأنا أسمع هذه الإجابة، لأن العادة السرية لها مضار جسيمة على الصحة، ولها مساوئ كبيرة على سلوكيات المراهقين، ويوجد نهي عنها في ديننا الحنيف.
وأهم مضارها الصحية ما يلي:
1ـ إرهاق الجسم وترهيله.
2ـ إضعاف الناحية الجنسية.
3ـ إضعاف الذاكرة الذي ينتج عنه ارتفاع نسبة النسيان، ولا يشعر الممارس لها بأضرارها إلاّ عند تقدّم السن وعند الزواج.
وتمكن المساوئ السلوكية للعادة السرية في التخيلات التي يتخيّلها المراهق وهو يمارس هذه العادة، فهو يعيش حالة زنا. مما يضعف لديه رادعه الديني والأخلاقي أمام النساء، ويصبح وكأنه يتمنى الزنا.
أما من الناحية الدينية فقد ورد أن الرسول صلى الله عليه وسلم حذّر من الاستمناء(أي العادة السرية) ولو كان مباحاً في الشرع لأرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه أسهل من الصوم. والله عز وجل خلق في الإنسان طبيعةً فسيولوجية تعمل على النمو الجنسي عنده، وهذا من رحمة الله بالإنسان، فحين يمر الإنسان بمرحلة المراهقة تبدأ الأفكار الجنسية تراوده وتضغط على نفسيته، فيأتي الاحتلام في النوم وينفّس عنه هذه الأفكار. لأن الاحتلام هو عملية جنسية متكاملة تحدث في عالم المنامات، ولكن تنتقل إلى عالم الحس واليقظة، فيجد المحتلم بعد النوم بللاً على ثيابه، بمعنى أنه قام بعملية جنسية ولدّتها الأفكار والمشاهدات في اليقظة.
فالاحتلام في النوم هو المساعد على النمو الجنسي عند الإنسان لا سيما في مرحلة المراهقة التي يبدأ عندها الشعور بالرغبة الجنسية. أما ما قالته الباحثة الاجتماعية في قناة المستقبل فلم يقل به أحد لا طبيب ولا فقيه ولا عاقل.
والمشكلة الكبرى أن الذين تابعوا البرنامج وسمعوا إجابة هذه الباحثة الاجتماعية سوف يحثون أبناءهم على العادة السرية، لأنها ـ كما زعمت الباحثة ـ تساعد المراهق على نموه الجنسي.
فمثل هذه الأفكار تُشكّل عند المشاهدين ـ الآباء والأمهات والأبناء ـ ثقافة جنسية خاطئة، وتنشئ سلوكيات منحرفة ومدمرة عند المراهقين.
ـ الفن الهابط
تحت مسمى " الفن " تبث الفضائيات اللبنانية سهراتٍ فنية هابطة، وتبدأ السهرات من ليلة الجمعة إلى ليلة الأحد، يستضيفون فيها عدداً من الفنانين والفنانات. وتأخذ هذه السهرات عناوين مختلفة تدل مسمياتها على مضمونها، مثل: ستديو الفن، يا ليل يا عين، القمر على الباب،.. الخ. وهي لا تمتٌ إلى الفن بصلة، وإنما هي كباريهات مئة بالمئة، وهكذا يحدث في الكباريهات، وأظن أن الإنسان المنحرف أخلاقياً لا يشعر بفائدة الذهاب إلى الكباريهات ما دامت هذه السهرات موجودة أمامه تظهر في الفضائيات اللبنانية مجاناً.
وفي الفترة الأخيرة استحدثت قناة LBC سهرة جديدة، تحت عنوان( ساعة بقرب الحبيب)، يستضيفون فيها فناناً ويكون الجمهور الموجود في القاعة كله من الفتيات،وإذا كان الضيف فنانةً يكون الجمهور من الشباب فقط. وتقدّم مجموعة من الأسئلة إلى الجمهور، والفائز منهم تكون جائزته قضاء ساعة كاملة مع الفنان الضيف أو الفنانة الضيفة خارج الاستديو، كأن يذهبان إلى الشاطئ أو المطعم أو أي مكان آخر.
عادات مستهجنة
هناك عادة غير متعارف عليها في مجتمعاتنا العربية والإسلامية وهي المصافحة والتقبيل بين الرجال والنساء، ولكن هذه العادة منتشرة في بيئة محدودة في لبنان لاسيما البيئة المسيحية. والفضائيات اللبنانية تنقل هذه العادة وكأنها شيء عادي غير مستهجن،غير مبالية بجمهور المشاهدين الذي يستهجن هذه العادة. فنجد المذيعين والمذيعات في الفضائيات اللبنانية يصافحون ضيوف وضيفات البرامج ويقبلونهم، وعندما يتنقل المذيع إلى الشارع نجده أيضاً يصافح الفتيات اللواتي يجري معهن مسابقات ويقبلهن. مما يصدم شعور المشاهد العربي الذي يستهجن هذه العادة المستوردة.
مَشاهد العري والجنس
مَشاهد العري والجنس هي الأكثر شيوعاً في الفضائيات اللبنانية، فحتى المذيعات يظهرن بثياب قصيرة وضيقة وكأنهن في غرف النوم. وهذه المشاهد تكثر في البرامج الآتية :
ـ الرياضة الصباحية : وتقدم في قناة LBC من قبل (هيفا) مع مجموعة من الشباب والفتيات. والمصور لا يكتفي بتصويرٍ عن بُعد للمدربة (هيفا) التي تلبس هي وبقية الفتيات مايوه البحر خلال تأدية التمارين الرياضية وإنما يُوجه الكاميرا بطريقة الزوم (مقربة) نحو الأماكن الحساسة في جسد المرأة، ولكن ليس إلى الوجه واليدين باعتبار هذه الأعضاء لا تغري كثيراً وإنما يوجه الكاميرا نحو الفخذين العاريين ومنطقة البطن والصدر، بطرقة إغراء خبيثة.
ـ عروض الأزياء النسائية : وليت الأمر وقف عند عرض الألبسة الخارجية، وإنما تعدّى الأمر إلى عرض الألبسة النسائية الداخلية. ولا أدري ماذا بقي بعد ذلك، فقد نرى في الأيام القادمة برنامجاً خاصاً عن حالات الجماع بين الزوجين تحت بند الثقافة الجنسية.
ـ الأفلام والمسلسلات الأجنبية المترجمة والمدبلجة : في أحد المشاهد كانت البطلة عارية الصدر ولكن أُخذت اللقطة جانبياً فظهر الثدي عارياً تماماً. وهذا يحدث لأول مرة في تاريخ التلفزيونات العربية.
غياب القضية الفلسطينية
في شدة الأحداث وفي حصار رام الله ومذبحة جنين كانت الفضائيات العربية كلها بلا استثناء تُتابع أخبار الحصار والمذبحة أولاً بأول. والعالم الإسلامي من المغرب العربي إلى أندونيسيا وإلى الجاليات المسلمة في أوروبا وأمريكا كانت في حالة غليان ومظاهرات عارمة. في حين كانت الفضائيات اللبنانية في حالة غياب عن ذلك، ولا تذكر الأحداث الفلسطينية إلا في نشرات أخبارها وفي بعض البرامج وبشكل مبتسر. أما سهرات الهز والرقص والغناء ومقابلات الفنانين والفنانات فبقيت على حالها. هنا رقص وعري وقهقهات حمراء، وهناك في جنين دماء ودمار وأشلاء. وقد خرج علينا المذيع (ميشيل) في برنامجه(ميتشوشو) يقول في لهجة ماكرة : نحاول في برنامجنا أن نأخذ استراحة ونُعيد البسمة إلى مشاهدينا بعد هذا الجو الحزين الذي يُخيّم علينا تجاه ما يحدث لإخواننا في فلسطين. والبسمة تعني عنده العودة إلى الهز والرقص والغناء والمسابقات الفارغة، مع أن حصار جنين لم يكن قد انتهى بعد.
ألا يشعر القارئ معي أن أمريكا وحلفاءها يتسللون إلى شعوبنا من خلال هذه الفضائيات المشبوهة؟
وقبل أن أختم مقالي لا بد من التنويه أن قناة (المنار) اللبنانية تختلف كلياً عن الفضائيات اللبنانية التي تحدثت عنها فهي غير مشمولة فيهم.