نحو إنشاء مؤسسة للسينما الإسلامية

رسالة إلى الشيخ يوسف القرضاوي :

نحو إنشاء مؤسسة للسينما الإسلامية

بقلم :  نجدت لاطة

فضيلة الشيخ حفظكم الله ...

سمعت منكم خلال مقابلة تلفزيونية أنكم تسعون إلى إنشاء مؤسستين ، الأولى : تهتم بدعم الطلبة المتفوقين في العالم الإسلامي ( و قد أنشأتم هذه المؤسسة في دبي في زيارتكم لها في السنة الماضية ) . و الثانية : تهدف إلى توحيد علماء المسلمين تحت شعار " اتحاد العلماء " لتكون مرجعـاً علمياً للمسلمين كافة .

فجزاكم الله خيراً و نسأل  الله أن يوفقكم إلى ذلك .  

و من الأمور التي نرى أن الأمة تحتاجها كذلك أشد الاحتياج و نأمل أن تدخل في دائرة اهتمامكم إنشاء " مؤسسة للسينما الإسلامية " ، و نعني بذلك أن تتكفّل هذه المؤسسة بإنتاج كل ما يتعلّق بالإعلام المرئي من أفلام و مسلسلات و برامج و أفلام الرسوم المتحركة ، إضافة إلى الأناشيد المصورة و أفلام الفيديو بأنواعها المختلفة .

وتعود أهمية إنشاء هذه الموْسسة إلى كونها تعتمدالصورة الحية ومالها من تأثير ساحرٍ وفعّال على المشاهد اليوم ، فالصحف و المجلات قد تراجع تأثيرها بعد اختراع السينمـا والتـلفـزيون وصولاً إلـى القنـوات الفضائيــة بأقمـارها الصناعية .

وهنا يبرز رأيٌ ذكره الدكتور إسماعيل الشطي حيث يقول : "الإعلام ليس إصدار صحيفة وليس مجلة , الإعلام إصدار رواية سينمائية , مسلسل تلفزيوني , برنامج فكري , برنامج ثقافي , مسرحية إسلامية ,أمور تقدم المتعة والبهجة للناس , وتوضع فيها الأفكار و القيم" . ثم يتساءل الدكتور الشطي : أين الإسلاميون من كل ذلك ؟ .

وتأكيداً لأهمية السينما الإسلامية نجد المخرج العالمي مصطفى العقاد يخاطب الشعوب الإسلامية بدوره فيقول : أعطوني ثمن طائرة حربية واحدة أُغيّر لكم رأي العالم عن الإسلام . والعقاد يقصد بذلك السينما , حيث جاء إلى بعض المسوْولين في الدول العربية عارضاً مساعدته في إنشاء هوليوود " إسلامية " لكنه لم يجد من يصغ إليه .

وقد دفع إدراك البعض لخطورة الدور الذي تقوم به السينما في تشكيل العقل الإنساني اليوم إلى أن يسمى هذا العصر بعصر السينما.

فالتاْثير السينمائي يمتد إلى شتى الجوانب الثقافية والأخلاقية والاجتماعية والنفسية في المجتمع . بل إن الرئيس السوفيتي السابق " خرتشوف " كان يخشى هوليوود أكثر مما يخشى الصواريخ الأمريكية العابرة للقارات .

غير أن إنشـاء مؤسسـة للسينما الإسلاميــة يحتـاج ـ في خطـوة أولى- إلى وجود شخصيـة إسلاميــة معروفـة تقف علـى رأسها لتجلب ثقـة الأمـة بها , ولعـل وجودكم أنتم – فضيلة الشيخ ـ في هذا الموقع سيشجع أصحاب الأموال على الإسهام في تأسيسها .

وسوف ينعكس هذا بصورة إيجابية على تقبل المشاهدين لما تُُُقدمه هذه المؤسسة من برامج وأفلام ومسلسلات لثقتهم بالقائمين عليها, لاعتقادهم أن ما يشاهدونه لن يكون متعارضاً مع التصور الإسلامي والشريعة الإسلامية .

وقد يبدوـ للوهلة الأولى ـ أن إنشاء مثل هذه الموْسسة يحتاج إلى تأسيس بنية تحتية ضخمة ومكلفة من وسائل عرض ووجود كادرٍ كبير من ممثلين ومخرجين ومصورين وكتّاب سيناريو وغيرهم , ويحق للبعض أن يتساءل هنا : أين الممثل الملتزم والمخرج الملتزم والكوادر الفنية الملتزمة ؟ وأي بلدٍ يمكنه احتضان مقر المؤسسة ؟ غير أننا نرى الإجابة لن تكون بالصعوبة نفسها التي طرحنا بها الأسئلة ، و لعل مفتاحها الأول هو العزيمة و الهمة الصادقة .

ومن نافلة القول أن العالم العربي و الإسلامي يمتلك بنية تحتية مقبولة من قاعات عرض ، وبعض الدول لديها تجربة عريضة في مجال الإنتاج السينمائي ، و ممكن الاستفادة من وجود هذه القاعدة الصناعية للسينما للانطلاق في بناء مشروعنا المقترح .

ويمكن ـ على الصعيد الممثلين مثلاً ـ الاستفادة من الشباب الملتزم الذين برزوا في مسرحيات ناجحة قاموا بها في إطار النشاط الثقافي في الجامعات . بالإضافة إلى الاستفادة العالية التي من الممكن تحقيقها لو قبل الكثير من الفنانين و الفنانات التائبين أمثال ( حسن يوسف و محمد العربي و محمود الجندي و مجدي الإمام و عفاف شعيب و سهير البابلي و ياسمين الخيام و مديحة حمدي و صابرين و غيرهم ) العمل جنباً إلى جنب مع هؤلاء الشباب الموهوبين . و لعل بوادر هذا الاستعداد واضحة لدى بعض الفنانين التائبين ، فقد قدّم الفنان حسن يوسف و الفنانة عفاف شعيب في الآونة الأخيرة مسلسل ( إمام الدعاة ) يحكي سيرة الشيخ الشعراوي ، و نال إعجاب الكثيرين .

و يكفي أن نعلم أيضاً أن الفنانة ياسمين الخيام جاءت إلى الشيخ محمد الغزالي رحمه الله خلال أحداث البوسنة و الهرسك تستفتيه في جواز ذهابها إلى البوسنة وإخراج فيلم عن مأساة هذا البلد المسلم ، فقال لها الشيخ : " هذا هو الجهاد نفسه " . و لعل الذي دفع الفنانة ياسمين إلى ذلك رؤيتها لفيلم ( المنقذ ) الذي أخرجه الصربي بيتر برايدارج عن حرب البوسنة ، حيث قلب فيه الحقائق كلها ، فأظهر المسلمين أناساً متوحشين يقتلون الأطفال و يغتصبون النساء .

وبتوفر التمويلات اللازمة لنشاط هذه المؤسسة بعد إنشائها لن يكون من الصعب جلب الكوادر الفنية المؤهلة للعمل السينمائي من مخرجين و مصورين و مهندسي ديكور و غيرهم . في حين يتيح الإنتاج الأدبي لرابطة الأدب الإسلامي العالمية لكتّاب السيناريو المحترفين تحويل الروايات الإسلاميـة المعاصرة والتاريخية إلى سيناريوهات سينمائية ، مع الاستفادة ـ بالطبع ـ من الإنتاج المتوفر في الأسواق خارج إطار رابطة الأدب و الذي لا يتعارض مع التصور الإسلامي .

و نعترف أن صعوبات عديدة قد تعترض تسويق الأفلام و المسرحيات المنتجة ، لكنها لن تلبث أن تزول بمجرد النجاح الجماهيري لما تعرضه المؤسسة من إنتاج .  و ظهور القنوات الفضائية و تنوعها يخفف من حدة التسويق ، حيث نجد العديد من هذه القنوات تحرص على عرض المضمون الجاد و الممتع .

ونحن متفائلون كثيراً بأنه سيكون للسينما الإسلامية جمهورها العريض الذي قد يكون هو نفسه جمهور السينما الحالية في العالم الإسلامي . لا سيما حينما يدرك هذا الجمهور أن الممثلين التائبين هم أبطال العمل المعروض ، فيتوفر لديه شعور عام بالجدية و إحساس بمتعة التمثيل المتقن . بمعنى أنه سيكون للسينما الإسلامية جمهور عريض لا يقل عن جمهور السينما الحالية , وأذكر أني حضرت ـ مرة ًـ عرض مسرحية " الهجرة " على قاعة كلية الشريعة في الجامعة الأردنية والتي قام ببطولتها بعض الشباب الملتزم وكان منهم المنشد أبو راتب , فكان الازدحام شديداً على باب القاعة , علماً باْن الدخول كان بالتذاكر وليس مجاناً , وقد بقي العرض أسبوعاً تقريباً .

وقد يخيّل للبعض بأنه ستكون هناك صعوبة في إيجاد المكان المناسب لهذه الموْسسة فأقول إن ذلك لن يكون صعباً ، المهم أن نجدّ في البحث والطلب ولا نيأس . ولعل المكان المناسب المرشح لذلك هو مصر ، لعوامل عديدة أهمها وجود الفنانين التائبين الذين سيكون لهم دور كبير في نجاح الموْسسة .

وتتناول موضوعات السينما الإسلامية مشكلات المسلمين المختلفة وفق التصور الإسلامي , فتجمع بين الفائدة والمتعة والتشويق مع كونها موجهة إسلامياً ، فكما أن السينما العالمية الحالية تحركها في الأغلب ـ أصابع يهودية ، فكذلك ينبغي للسينما الإسلامية أن تكون موجهة إسلامياً . ولكن لا يعني هذا أن تكون السينما موجهة بطريقة تعليمية مباشرة ، لأن المشاهد سيرفضها ويملّ منها .         

ولا يجب أن تثير الموضوعات كذلك خلافاً بين المسلمين ، ولا أن تصطدم مع الحكومات ، بل تبتعد كل البعد عن السياسة والحكام ، لكي تحافظ الموْسسة على بقائها واستمراريتها  .

وفيما يخص المال الذي هو العنصر الأهم في إنشاء المؤسسة فيمكن أن يجمع عن طريق الأسهم كأية شركة تجارية ، فكما نجحت فكرة البنوك الإسلامية  وانتشرت في معظم بلدان العالم فكذلك يمكن للسينما الإسلامية أن تنجح . و نظن أن المسلمين ـ لا سيما الإسلاميين منهم ـ قد أصبحوا واعين لأهمية السينما أكثر من ذي قبل .

ولكي نضع الفشل جانباً في هذا المشروع أقول إن السينما الإيرانية الحالية استطاعت أن توجد لها مكاناً مرموقاً بين السينما العالمية ، و حصدت العديد من الجوائز في كثير من المهرجانات السينمائية العالمية . مع أنها انطلقت وفق المنهج الإسلامي في الشكل و المضمون ، فعلى سبيل الشكل ظهرت المرأة بكامل حجابها ، و على سبيل المضمون ابتعدت قضاياها عن الجنس و العنف اللذين هما سمتان أساسيتان في السينما الأمريكية . و يحدونا أمل كبير في أن تنجح ـ كذلك ـ السينما الإسلامية ، فتأخذ مكاناً لائقاً بها بين السينما العالمية .

إن من الأسباب التي جعلتنا نوجه ـ أيضاً ـ هذه الرسالة إليكم فضيلة الشيخ هو أن هذه المؤسسة ـ في حال إنشائها ـ سوف تحتاج إلى فقيه ترجع إليه كلما استشكل عليها أمر شرعي . فالعمل السينمائي تعترضه إشكالات كثيرة كظهور المرأة  واختلاط الممثلين و الممثلات و غير ذلك من الأمور الشائكة التي تتطلب وجود مراقب شرعي واعٍ بأمور العصر و مستوعب لمقاصد الشرع و جريء في الفتوى لا يخاف في الله لومة لائم .

فضيلة الشيخ .. أرجو أن ينال هذا الموضوع منكم اهتماماً كبيراً ، فالفن السينمائـي أداة خطيرة فـي تشكيـل و توجيـه عقل المشاهـد كما سبق توضيحـه .

وإن " هوليوود " لا تختلف في شيء عن البيت الأبيض في محاولة تأثيرهما العالمي ، فهذا يوجّه العالم سياسياً و عسكرياً ، و تلك توجّه العالم أخلاقياً و اجتماعياً و ثقافياً بل و سياسياً أيضاً .

وكلمة أخيرة ، أليس من العيب علينا نحن المسلمين الذين صنعنا أعظم حضارات الدنيا ألاّ نوجد البديل الإسلامي لهذا الكم الهائل من الأفلام و المسلسلات التي تغزو عقول المسلمين و هم في داخل بيوتهم ؟ .

ونحن نعتقد أن نجاح مؤسسة السينما الإسلامية المقترحة سوف يدفع بآخرين إلى إنشاء مثيلات منافسة لها تدعم خيارات التنوع الجاد في العمل السينمائي الإسلامي من جهة أولى ، ومن جهة ثانية سيدفع نجاحها كذلك مؤسسات الإنتاج السينمائي التجارية الأخرى إلى التوجّه نحو تحسين إنتاجها على مستوى الشكل والمضمون والنوعية .