الإذاعيّ العربيّ بين الأمس واليوم

د. عبدالله الفَيْفي

د. عبدالله بن أحمد الفَيْفي

[email protected]

الفرق بين المذيع والإعلاميّ يتمثّل في أن للإعلاميّ مفهومًا أشمل، فصاحب هذا اللقب ذو باع في ضروب من الإعلام المرئيّ والمسموع والمكتوب.

وليس العمل الإذاعي في ذاته بالأمر الهيّن، بالنظر إلى المقوّمات الواجب توافرها في المذيع وتأثيره العميق في جماهير المتلقّين.  وهو تأثير يشمل اللغة والثقافة والشخصيّة.  ولهذا كانت العناية الكبيرة في الماضي في شأن من يُجاز من المذيعين: صوتًا ولُغةً وسمتًا وثقافة، كما هو الحال في شأن من يُجاز من المطربين.  فكان المذيع إذ ذاك نجمًا، وخرّجت الإذاعة من ذلك الجيل لغويّين بارزين وأدباء كِبارًا.  وهو ما انحدر مستواه اليوم كثيرًا، كمؤشّر ثقافيّ على الانحدار العامّ في أشياء كثيرة.  لقد كان يُحاسب المذيع حسابًا عسيرًا في السابق على أدنى خطأ لغويّ أو عيب أدائي، فيما بات الخطأ يُسمع الآن، حتى في آيات القرآن الكريم، ولا اكثراث لذلك، لا من وسيلة الإعلام ولا من الجمهور.  واللغة العربية  تنتهك اليوم ليلَ نهار؛ وصار شيئًا معتادًا أن يسمع الناس المذيع والمذيعة، والممثّلين والمغنين، بل ربما الأدباء والشعراء والوزراء، يتحدّثون مستوى لغويًّا واحدًا هو لغة الشارع، بها يُذيعون ويكتبون في الأرض وعبر الفضاء الواسع.  بل وصل الأمر ببعض بلدان الوطن العربي إلى تقديم نشرات أخبار باللهجات العاميّة. 

وإذا كان للصحفي من يكتب له مقالاته ويصحّح له إملاءه-  إن كان المنشور يحترم اللغة وأهلها- فليس للمذيع من ذلك من شيء؛ فهو ينفث في آذان الناس لغة مريضة لم يُحسن نحوها، ولم يفقه طريقة النطق الصحيح بها، ولم يتربّ على التعبير السليم بلغة أنيط به التعبير بها.  هذا إلى فقرٍ مدقع أحيانًا في التأسيس الثقافي وسماجة فاضحة في الذوق وفي الفكر.

لأجل هذا فإن من يراجع تاريخ الإذاعات العربية سيدهش لانحدار مستوى المذيعين، الذي يعكس ما آلت إليه معايير اختيار من يشغلون هذه الوظيفة الحسّاسة من اهتزاز، فبعد أن كان الإذاعي- من قارئ نشرة الأخبار إلى المعلّق الرياضي- في مستوى متميّز جدًّا من الكفاءة الصوتيّة والأدائية واللغوية والثقافية، أصبح الجميع على شَفا جرف هارٍ من ذلك كلّه.  هذا مع أن دور المذيع باللغة العربية أخطر من دور المذيع بلغة أخرى؛ من حيث هو يمثّل هذه اللغة في مجتمعٍ شحّ تعامله بها، فصار تلقّيها مرتبطًا بهذا الإذاعيّ أو تلك الإذاعيّة؛ حتى لقد اقترنتْ العربية الفصحى في مخيلة الناشئة والعامّة بلغة المذيعين وطريقتهم في الإلقاء.  ومن عاصر بدايات الإذاعة العربيّة يذكر من نفسه أن العربية قد امتزجت في نفسه إبّان نشأته بهذا المذيع أو ذاك ممّن أُعجب بلغتهم وتأثّر بطريقتهم في الإلقاء، فإذا جاء يستخدم اللغة حاكاهم وتقمّص أصواتهم وطرائقهم في التعبير. 

فأيّ لغة يسمعها الناشئة اليوم؟!  

وماذا يحاكون في هذا الخضمّ من الأصوات المعتّقة بالعامّيّة، أو بالتكلّف والتصنّع ونمطيّات الجمل الممطوطة بلا مضمون، والاهتمام الزائد بالشكل في التلفاز؟ مع أن المقوّم الأوّل للمذيع هو لغته وصوته لا صورته وشكله، وعلى الرغم من أن تأثير هؤلاء قد لا يقلّ عن دور المدراس في ضعف اللغة وقوتها في عالمنا العربي.

أمّا السؤال عن مذيعي المفضّل أو مذيعتي المفضّلة، فلعلّ الإجابة تُستشفّ ممّا سبق؛ إذ لا أجد الآن من يلفتُ نظري، أو بالأصح يسترعي سمعي.  وأمّا في الماضي فأبرز المذيعين السعوديّين- في تقديري- كان المذيع (بدر كريّم).  ولعلّ تأخّر إسهام المرأة بقوّة في هذا المجال لم يجعل لها  مكانة تُذكر فيه.  غير أنه يمكن أن يُشار في هذا السياق- مثلاً- إلى المذيعة (هُدى الرشيد)، من (القسم العربي في هيئة الإذاعة البريطانيّة).

              

* هذه مادة طُلبت من مجلة "سيدتي"، ضمن تحقيق حول "المذيعين والمذيعات العرب".  غير أن المشاركة تعرضت للاختزال، والتصرّف، وتقويلي ما لم أقل، وفق ما نُشر في المجلّة، العدد 1437، السبت 20 سبتمبر 2008= 20 رمضان 1429هـ، ص61.  وتلك شنشنة نعرفها من بعض الإعلام العربي، للأسف الشديد!  وهنا المادة كما أُرسلت إلى المجلّة.