ضياع اللغة العربية في العروض المسرحية
ضياع اللغة العربية في العروض المسرحية
د. كمال يونس
إن الحنين الجارف للأداء المسرحي بالعربية الفصحى لهو فى حقيقته اتجاه محمود،ولكن من خلال متابعة دقيقة للأداء تبرز عدة ظواهر تستحق أن نتناولها بالدراسة فى عروض قدمت باللغة العربية الفصحى خلال مهرجان المسرح العربى الذى نظمته الجمعية المصرية لهواة المسرح ، أو خلال المهرجان القومى الثالث للمسرح المصرى والتى قدمها البيت الفنى للمسرح، المسرح القومى روميو وجوليت ، والشباب ما أجملنا ،الطليعة البؤساء، أو عرض الحضيض الذى قدمه طلاب المعهد العالى للفنون المسرحية ، وهو ما جعل لجنة التحكيم توصى بضرورة الاهتمام باللغة العربية نطقا وأداء وضرورة الاستعانة بالمصححين ، وعروض الهواة الفتى الطائر، والمسرح الجامعى هانيبال،التى أوصينا فيها أن تستعين الجامعة بأقسام اللغة العربية بكلية الأداب للتصحيح .
وأول تلك الظواهر أن كثيرا من تلك العروض لبعض من المعدين عن ترجمات أغفلوا ذكر أصحابها ، أو مقتبسين أغفلوا ذكر العمل الأصلى الذى اقتبسوا عنه ،أو مؤلفين ممن لديهم الجرأة على القول بأنهم يكتبون للمسرح دون رصيد لغوى يمكنهم من استخدامها بشكل صحيح، أو استساغة معانيها ، وبالتالى إيفاء الأداء اللغوى مع الانفعال الخاص بالشخصية المؤداة حقه.
وثانيها وأبرزها : كثرة الأخطاء الفادحة نطق العربية نحوا وصرفا مما يدلل على سوء تعليم اللغة العربية فى المدارس والجامعات ، وهجر الشباب لها فى ظل بعد الخطاب الإعلامى عن استخدام العربية وتشجيع اللهجات المحلية فى الفضائيات والقنوات الفضائية الرسمية، إلا فى نشرات الأخبار وبعض البرامج الدينية أو الثقافية.
ثالثا : ظاهرة العودة إلى أنماط التمثيل القديمة من علو الصوت والمبالغة فى الأداء ، مع انفصال المشاعر عن الحوار المؤدى وهنا البعد عن تفهم الحوار بالفصحى أو أداؤه بتقليد أعمى للأنماط القديمة الراسخة فى الذهن عن الأعمال الفنية القديمة ،مما يؤدى إلى تساقط الحروف فى حالة جمل الحوار الطويلة والمنولوجات، خاصة تلك التى تكون معبقة بالمشاعر من حزن أو فرح أو تهدج صوت بالبكاء أو الحديث الهامس فى إغفال هام، أوعدم دراية بذوق الوقف المسرحى ، أو تقطيع جمل الحوار ، أو تفهم ماهيتها ووظيفتها فى إبراز المعانى وتوصيلها للجمهور، ومع تساقط تلك الحروف تصعب المتابعة على الجمهور، وبدلا من اكتساب جمهور جديد يتذوق العربية ينتهى الأمر برفض الجمهور وملله ونفوره من تلك العروض الثقيلة التى يعتمد معظمها على كتابات لبعض عشاق الألفاظ المتحفية المهجورة، والتى تضمها كتب التراث، وقد بعدت تماما عن الاستخدام اليومى ، أو الإعتماد على ترجمات قديمة مليئة بتلك الألفاظ، مما يثقل على أذن الجمهور حيث يلجأ الممثل لعلو الصوت والأداء بصوت عال لا يتناسب والموقف الدرامى، وذلك دليل على سوء فهم ناتج عن عدم دراسة وتعمق فى الشخصية مع افتقاد الممارسة الفعلية للأداء بالفصحى أو استخدامها.
رابعا: اللجوء إلى العامية حتى فى المسرحيات المكتوبة بالعربية الفصحى بغية الإضحاك سواء فى الحوار أو الأغانى مما يجعلها منفصمة عن الواقع ولم تنج منها مسرحية الملك لير، أو هاملت من إخراج د.هانى مطاوع ، وروميو وجوليت إخراج د.سناء شافع، مما يدلل على قصور الجهود المبذولة لتقديم لغة سائغة يفهمها الجمهور.
ولم يحفل أحدمن المهتمين بأن يذكر أن ترجمة مسرحية الملك لير للدكتورة فاطمة موسى كانت من عناصر نجاح المسرحية الساحق وإعادة عرضها عدة شهور كل عام مع إغفال معظم النقاد لذلك والحديث فقط عن براعة الفخرانى ونجوميته التى لأ أنكر طبعا دورها فى نجاح العمل وإنجاحه.
وفى مقالة لى بعنوان الترجمة المسرحية بين التقليد والتجديد أشرت إلى مواصفات الترجمات التى من وجهة نظرى يمكن قبولها جماهيريا ،وهنا يجب وتجدر الإشارة على أن المترجم للنص الأدبى المسرحى قد يكون منفصما ومنفصلا عن الإحساس بجمهور المسرح وقابليته اللغوية ورغباته، وبعض المترجمين حين يتصدى لترجمة مسرحية شعرية يزيد من صعوبة الوضع حين يلجأ إلى صيلغتها شعرا فيلجأ لغريب من الألفاظ المتحفية محافظة منه على الأوزان سواء أكان شعرا عموديا وهو نادر الإستخدام لرتابته أو اللجوء للشعر المنثور أو النثر المشعور أو الشعر الحديث وهو الأيسر فى الاستخدام ولكن الحشو المقيت بالألفاظ الوحشية يصبح سمة غالبة حتى أنه يجب التنبيه على الجمهور بأن يصطحب معه معجما ليفتش فيه عن معانى كثير من الكلمات.
خامسا: الحاجة الشديدة للدراماتورج أو المستشار الأدبى والفنى للنص وهو حلقة وصل فنية أدبية فاعلة لا تذلل فقط بعض العقبات من ناحية الفنية و لغة النص الأدبى وإكسابها صفة العصرية وفى نفس الوقت تراعى رغبات الجمهور وذائقته الآنية.