فيلم (بوكوحرام)

فيلم (بوكوحرام)

عبده حقي

[email protected]

ليست هي المرة الأولى ولن تكون من دون شك الأخيرة التي يتدافع فيها المجتمع للدخول إلى حمام النقد الذاتي لكي يتبادل نظرات التلصص إلى عوراته وأعطابه السوسيونفسية والجنسية التي تلبست منذ قرون بأعشاب الخز والخيضورالمزمن والحشومة المخادعة...

مرة أخرى تندلع حربنا التعصبية الصغيرة مثل مفرقعات عاشوراء في معركة تدورحول الجسد الأنثوي وإغراءاته الشبقية حيث تنكمن في تورمات زواياه الظليلة جيوش من كتائب المسكوت عنه وهي تتربص بانفلاتات إبداعية على غرار(الزين اللي فيك) وهلم جرا.

إذا كنا لم نخترالمجتمع الذي ولدنا فيه فهذا لايعني أن الله عزوجل لم يمتعنا بأسمى فضائله ألا وهي كرامة الإنسان ومن بين مقوامات هذه الكرامة بل وأقدسها على الإطلاق ، الحرية الفردية التي زكاها قول الصحابي عمربن الخطاب رضي الله عنه حين قال : متى إستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا. وأولى هذه الحريات مايتعلق بالميولات والرغبات الحسية والمعنوية والفكرية وبالتالي حق الأفراد في الإختلاف لأن التعدد هو من دون شك ضمان الإستمرارية تحت سقف مجتمعي واحد ...

قبل (الزين اللي فيك) كان فيلم (حب في الدارالبيضاء) وعشنا وشفنا الزلزال المفتعل بعد عرض مسرحية (ديالي) ثم قبل ذلك تمرغت لطيفة أحرار بجسدها الجبني الشبه عارعلى الركح في مسرحية (كفرناعوم) ثم توجهت سهام المحافظين المنافقين إلى فيلم (ماروك) و(عيون جافة) و(كازانيغرا ) حيث قامت الدنيا ولم تقعد على ساحة داحس والغبراء لسبب تافه يتعلق أساسا بلغة هذه الأفلام الواردة أعلاه وهي لغة دارجة صاعدة من قعر قاموس الغضب اليومي .. لغة جريئة تغترف من مستنقع (قلة الحيا) الذي نحيا فيه كل يوم.

إن أزمتنا الإبداعية بشكل عام تشتعل في الغالب على الحدود الشائكة بين الواقع والخيال .. الواقع باعتباره منظومة معقدة يتشابك فيها الدين والأخلاق والتقاليد والموروثات المترسخة في قعرسلوكاتنا الفردية والجماعية ... الواقع الذي تستلهم منه جميع أجناس الإبداع مادتها الخام من صوروخطاب شفاهي والرموزالإنتربولوجية .

إن الإبداع بمختلف تجلياته يعتبر جزءا من هذا الواقع بل إنعكاسا مرآتيا له حسب نظرية جورج لوكاتش مهما بلغت درجة الإبداعية وفذلكات الرمزية والإلتفاف على سطوة الواقع بهدف التحايل على حراس برج الطابوهات الإجتماعية ..إلخ

تتكرر إذن نفس الحكاية في حلقة المحظور.. وتدورمرة أخرى نفس الأسطوانة بسبب نفس الخدش التقليدي المحفورمثل صياح من تحت القبر... حتى لكأننا نخال أحيانا أن بلادنا برغم من (طوب) العري في مهرجان موازين فهي لاتقطع المسافات بحزم إلى الأمام حيث التقدم والخلاص من أصفاد الماضي المتخلف وإنما هووطن يعدو بحذاء رياضي أوسع من قدميه وعلى بساط رياضي آلي متحرك يوهمنا أننا نتقدم إلى الأمام لكننا في واقع الحال نجري في نفس الرقعة التي حددتها منظومة التقاليد والفكر الرجعي ...

من منا لاتصدمه يوميا عناوين الجرائد والمواقع الإلكترونية الإخبارية ومواقع التواصل الإجتماعي بأخبار يهتزلها عرش الرحمان ... وقائع تجعلني أحيانا أتساءل إن كان في مجتمعنا بشرمازالوا يعيشون في عصور المشاع الجنسي البدائية ؟

العشرات من الأخبارتتساقط في آذاننا يوميا وتنزل بحريقها مثل الشهب الحارقة على صفحة أحاسيسنا المرهفة ... عشرات الوقائع الجنسية التي تطفح على جسد مجتمعنا مثل البثوروالدمل ... لافرق في هذا المستنقع الفاحش بين دكتورجامعي يخنق طالبته حتى الموت بعد الفضيحة ..وبين إمام يمارس شذوذه على أطفال أبرياء في خلوته (الصوفية) بالمسيد وبين أب يغتصب إبنتيه تباعا ويمارس عليهما ماحلله الله عليه أن يمارسه فقط مع زوجته أم بنتيه وبين شاب مقرقب يغتصب أمه تحت تأثير(البولا الحمرا) ولم تجد المسكينة من خلاص لفك عقدة أديب سوى بالتبليغ عن معصية إبنها في أقرب كوميسارية وبين أب يقدم إبنيه لسائح فرنسي بيدوفيل ليعبث ويفعل في مؤخرتيهما ما لم يجرؤ على فعله في مؤخرة الأطفال الفرنسيين لأنهم ليسوا في حاجة إلى مال دنس ونجس ولأن في بلده سلطة القانون لاتعلو عليها سلطة شخص آخر كيفما كان رتبته في سلم السلطة في الدولة وبين أخ يغتصب شقيقته في حمام الداروهما في خلوتهما في غياب والديهما لينتفخ البطن بعد شهور قليلة وتتورم الفضيحة ويصرخ الحرامي في الأحشاء الشقيقة ..إلخ

حكايات وحكايات وما خفي أعظم وأمر ، يخشى الكثيرون تفجيره لأن المجتمع من دون شك سيدفع المتهمين تحت وشوشات التنباروالنميمة والتلصص والسخرية إلى الإنتحارأوالجنون أوالقتل باسم حماية الأصول والدين ...

على مجتمعنا أن يتعلم كيف يعلن حربه الحقيقية على سرطان النفاق بين مانخفيه وما نعلنه بين (الزين اللي فيك) وبين (الزيف اللي فينا )

ودعوني أختم بهذه القصة الواقعية : فقد ضبط سكان أحد الأحياء لصا يجري فوق السطوح لعله يضفر بسرقة ملابس على حبال الغسيل ومن سوء حظ اللص أن السكان حاصروه من كل الأبواب وبعد دقائق حلت فرقة من الشرطة لإلقاء القبض عليه وكان أحد الحشود في الدرب يصرخ ويفتخربأنه هو من ضبط اللص لكن قبل أن تلقي الشرطة القبض على اللص ألقت القبض على صاحبنا البطل لأنه نسي أنه كان من المبحوث عنهم وأنه لص أيضا و مسجل خطر..!