المواويل الحلبية
بمناسبة سهرة ليلة الغد عن المواويل السبعاوية ... أحببت أن أشارككم مقال للأستاذ فيصل خرتش عن "موسوعة المواويل الحلبية " لمؤلفها المرحوم حسن خياطة - والمنشور في جريدة البيان بتاريخ 28-11-2009 :
تبحث «موسوعة المواويل الحلبية» لمؤلفها حسن خياطة في لون من ألوان الأدب الشعبي في حلب، ويعرف باسم «المواويل» التي لها أصول مرعية في مدينة حلب، وتقاليد متبعة، تعكس الوجه الفني للإبداع الشعبي بما ينطوي عليه من مهارات لغوية فائقة وتصوير تخييلي أخاذ، كما تعكس الوجه الاجتماعي لهذا الإبداع لما فيها من أصداء معتقدات المجتمع وهمومه النفسية والفكرية، مما يجعل الموّال لا يقل مكانة عن الشعر الرسمي للفصيح.
لقد وفّر المؤلف كل أسباب التتبع والاستقصاء والإحاطة والشمول، فرجع إلى المصادر الشفاهية والمدونة، واتصل بشعراء هذه المواويل، أو بمن يتناقلها بالرواية السماعية، أو بمن يتغنى بها في مجالس الأفراح والأحزان، حتى تمّت له مواد البحث الأولية، فسلط عليها عين الدارس المحقق والباحث المتذوق. كان الحلبيون يقيمون السهرات وحفلات الأفراح وكذلك الاحتفالات بالختان وعودة الحجاج من بيت الله الحرام، وفي سهرات البيوت والاحتفالات بالولادة والنجاح والمناسبات الدينية وفي الزاويا والتكايا وعند أهل الطرق واحتفالات ما يسمّى بـ «الخلاصة» في نهاية مواسم البيادر عند الفلاحين. تلك الحياة شاع فيها المرح والطرب ورقص السماح والأغاني الشعبية عند الحلبيين.
يذكر بعض الباحثين أن تاريخ ظهور الموال يعود إلى بداية ظهور الإسلام، في فترة تقهقر دولة الأنباط ويحتجون على ذلك بأن أهالي منطقة الخليج ما يزالون يسمون شعرهم حتى اليوم «الشعر النبطي».
ويذكر آخرون أن ظهور الموال كان في العراق، وقد تعلمه العبيد الذين يعملون في البساتين، وكانوا يغنون به أثناء العمل، وربما كانت نسبته إلى العراق ترتبط بالشاعر العراقي صفي الدين الحلي الذي ساهم في نظم المواويل. كذلك الشاعر الشعبي الحلبي (أبو بكر بن العطار، المتوفى سنة 968 هـ الذي نظم على منوال الحلي مواويل كثيرة غير معربة).
وأول شكل يطالعنا: هو الموال الأربعاوي، وكانت خاناته الأربع ذات قافية واحدة، فهو يختلف عن العتابا في الوزن كما يختلف عنها في أنّ الخانة الرابعة لا تكون كقافية الخانات الثلاث الأولى، وهو يلتزم قافية واحدة، ومنه ما ينسب لإحدى السيدات في أوائل القرن العشرين :
«رايح تسافر لمين بعدك تخليني
لا أمك حنونة ولا أختك تسليني
فإن غبت يومين عالفراش ترميني
وإن غبت أكتر تجي وما تلاقيني»
أمّا الموال الخمساوي فقد جاءت فيه الخانات الثلاث الأولى بقافية واحدة، ثم تغيّرت في الرابعة، وعادت إلى التطابق في الخامسة، وهو أشهر أنواع المواويل وألطفها وأرقها مبنى ومعنى. وقد برع الحلبيون في نظمه، ساد في مصر بشكل خاص، وتكاد المواويل التي غناها المطربون: صالح عبد الحي، محمد عبد الوهاب، ومحمد عبد المطلب، تكون كلها منه. ومن المواويل الخمساوية لأحد الحلبيين :
«وحقّ يا بدر من أنزل أناجيلك
إن لم تجيني لحد البيت أناجيلك
كم بت سهران طول الليل أناجيلك
يا بدر يكفي جفا، شمَت عذالي
وان رمت جيلاً على قدك أناجيلك. ..»
وتشكل المواويل السبعاوية في حلب معظم المواويل الحلبية، وهو يشتمل على سبع خانات تنتهي الثلاث الأوليات منها بكلمة واحدة وتنتهي الثلاث التاليات بكلمة واحدة غيرها، وتنتهي الخانة السابقة بالكلمة التي انتهت بها الثلاث الأوليات.
والموال السبعاوي سمّي أيضاً بالبغدادي، لأن أكثر الباحثين يردونه إلى بغداد، ويؤكدون أنّهم هم الذين أوجده ونشروه وسمّوه بالبغدادي، ويطلق عليه أيضاً (الزهيري، والنعماني، والسبعاوي والشرقاوي). ومهما يكن فيه من آراء، ومهما تعددت التسميات والأقوال، فإن السبعاوي استقر في مدينة حلب واكتمل نضجه فيها وبلغ ذروة ما وصل إليه الموّال.
كذلك صيغ الموال الثماني والتساعي والعشاري وما فوقها وتبقى نادرة الشواهد لا تستحق الدراسة. لقد قال الناظم مواويل في الغزل والوصف والمديح والفخر والهجاء والعتاب والشكوى، وهناك مواويل في الحكم والنصائح والأخوانيات والسياسيات والدينيات والتهاني والمراثي وغيرها. إننا نقف إمام نصوص رائعة يزينها الجناس اللفظي الجميل وتحليها المعاني الطريفة القريبة التناول من الناس على اختلاف درجاتهم، وتفاوت ثروتهم الثقافية.
المؤلف في سطور
حسن بن أحمد خياطة هو أستاذ اللغة العربية في ثانويات حلب، يحمل إجازة في الآداب وعلوم اللغة العربية، جمع في كتابه هذه ذخيرة كبيرة من المواويل الحلبية وأعمل فيها قلم العالم الخبير ونسقها ودرسها وقوّمها وفرزها إلى المعاني التي دارت عليها.
الكتاب: موسوعة المواويل الحلبية
تأليف: حسن أحمد خياطة
الناشر: الجمعية السورية لتاريخ العلوم ودار القلم العربي 2009
الصفحات : 924 صفحة
القطع : الكبير
فيصل خرتش