النزول إلى القاع: سيد درويش، لؤي كيالي
استمعت إلى أغنية "سيّد درويش":
طلعتْ، يا محلى نورها * شمس الشمّوسه
ياللا بنا نملا ونحلب * لبن الجاموسه
فقلت في نفسي: كم هو جميلٌ أن يُعبّر الفنان، وهو في حالة الإبداع، عن الناس المتعَبين، يستيقظون، مع طلوع الشمس البهيّة، يعملون، يقدمون اللبن الحليب للصغار والكبار ولكلّ البشر!
وخطر لي الفنان الراحل "لؤي كيالي"، الذي نزل، فور عودته من دراسة الفن في روما، إلى قاع المجتمع، يرسم الصغارَ الذين ألجأتهم الحاجة للنداء على الجرائد يحملونها، وعلى أوراق اليانصيب.
إنها أصالة الفنان، بها يتماهى مع الفلاح متوجّهًا إلى الحقل ليحلب الجاموسة، ومع صبيّ ينتظر، وراء صندوقه، مارًّا يريد أن "يمسح حذاءه" وهو في طريقه إلى لقاء المحبوبة!
ولكني لن أُغفل الإشارة إلى موسيقار الجيل محمد عبد الوهاب، الذي تسامى في "أغنيته - السنفونية" قصيدة "الجندول"، التي ورد فيها هذا الشعر الترف لـ علي محمود طه:
ذهبيُّ الشعر، شرقيُّ السمات * مرحُ الأعطاف حلوُ اللفتات
كلما قلت له: خذ، قال: هات * يا حبيب الروح يا حلم الخيال
وعلى ذكر عبد الوهاب أستحضر ما وقع له، وقد كان لحّن وأدّى أغنيته المعروفة "محلاها عيشة الفلاح"، من أنه تلقّى، بعد ثورة يوليو 52، قدرًا من النقد "الايديولوجي" من كتّاب كانوا يستظلّون جريدة "المصري" (لسان حال حزب الوفد يومذاك) ويملؤون صفحتها الأخيرة بإبداعاتهم الصحفية والأدبية، على رأسهم "محمود أمين العالم"، متّّهمين الموسيقار عبد الوهاب برقّة هذا اللحن ورخاوته وبقصور الكلمات في التعبير عن حالة الفلاح في الريف المصري. وأذكر - وكنت يومئذ طالبًا بجامعة القاهرة - أنهم قسوا عليه في النقد، وهو الذي كان في خشية وقلق من النظام الجديد، ومثله كانت "أمّ كلثوم"، لما سلف منهما من الغناء والإشادة بالملك الذاهب حكمُه!