أحلام اليقظة
عادت سارة إلى منزلها وهي تفكر بهذا الشاب الوسيم المهذب الخلوق المتدين.. وأخذت تقارن بينه وبين ابن عمها عثمان الجزار الذي يريد عمها أن يزوجها إياه.. لقد كانت المقارنة شبه مستحيلة والفارق كبيراً جداً .. فمن ناحية العمر فقد كان هشام يكبرها بسنة أو سنتين .. بينما ابن عمها أصغر منها بخمسة أعوام فهو كالطفل الغرير لا يملك من مقومات الرجولة أو المسؤولية الحد الأدنى .. من ناحية الثقافة هشام إنسان مثقف وعلى أبواب التخرج من كلية الهندسة رجل نشيط مجد متفوق على جميع الطلاب من أقرانه في كل سنين الدراسة.. أما عثمان المسكين فلا يملك من مقومات العلم والثقافة أي شيء سوى ثقافته عن الخراف والبقر والجمال واللحم والشحم.. فهو في هذا المجال ربما ثقافته تفوق ثقافة هشام.. الشكل والقيافة فهشام يمتلك أناقة وجاذبية ورجولة قل نظيرها أما ابن عمها عثمان فهو كتلة متدحرجة من الشحم واللحم لا يعتني بلباسه ولا يهتم بمظهره ولا يراعي في نفسه الحد الأدنى من النظافة والقيافة.. في أية نقطة من النقاط لا يمكن بحال من الأحوال أن تقارن هشام بابن عمها عثمان.. وهنا تنهدت وقال بصوت عال..
سارة: أين الثريا من الثرى.. وهنا سمعت صوت جرس الباب يقرع فهرع سليمان ليفتح الباب..
سليمان: أيوه.. جاي..
أبو عثمان: افتح يا سليمان..
سليمان: أهلاً بك يا عمي.. أهلاً بك يا عثمان الجزار..
أبو عثمان: أهلا يا ابن أخي الحبيب..
سليمان: تفضلوا .. تفضلوا يا عمي..
يدخل عثمان وأبوه .. يقف سليمان لينظر إلى ابن عمه بشيء من الدهشة حيث لبس بذلة واسعة بلون أحمر وقميصاً بلون أصفر وربطة عنق بلون أزرق مخطط بالأسود وجورب بلون أخضر وحذاء بلون سماوي فاتح.. بحيث يبدو وكأنه لوحة ملطخة بالألوان المتنافرة.. جلس أبو عثمان في غرفة الضيوف وبجانبه عريس الغفلة..
أبو عثمان: والدتك الحجة موجودة يا سليمان؟
سليمان: طبعا يا عمي.. وأين ستذهب وحدها في الليل..
أبو عثمان: أخبرها بأننا موجودون هنا..
سليمان: بالتأكيد قد عرفت وستحضر بعد قليل..
وما هي إلا لحظات حتى حضرت أم سليمان وهي متلفعة بحجابها متسترة بخمارها..
أم سليمان: أهلا بك يا حاج..
أبو عثمان: بلهجته البلدية.. أهلاً يا ست الحاجة .. تفضلي..
أم سليمان: تقف أمام عثمان بدهشة من شكله ولباسه.. أهلاً بك يا عثمان.. كيف حال والدتك؟
عثمان: بخير يا مرات عمي.. ثم يضحك بصوت عال مكشراً عن أسنانه.. وكرشه يعلو وينخفض من كثرة الضحك..
أم سليمان: ولماذا لم تحضر أم عثمان معكم.
عثمان: وهو يضحك بصوت عال.. لا أدري مشاغل.. يمكن أن تأتي في المرة القادمة..
أبو عثمان: أبشرك يا حاجة لقد اشتريت أكبر محل في البلد..
أم سليمان: ألف مبروك.. أغناك الله من فضله با أبا عثمان.. فأنت رجل تستحق كل خير..
أبو عثمان: وسجلت هذا المحل باسم عثمان..
عثمان: يقهقه بصوت مرتفع دون أن يتكلم..
أبو عثمان: لقد أصبح عثمان أغنى من أبيه..
عثمان: يضحك ضحكة بلهاء.. نعم لقد أصبحت أغنى من أبي..
الوالدة: مبروك ألف مبروك يا عثمان يا ابني..
عثمان: شكراً يا ست الحاجة..
الوالدة: تلتفت إلى أبي عثمان .. صدقني يا حاج معزة عثمان عندي مثل معزة سليمان ابني.. وأنا أتمنى له كل خير..
أبو عثمان: شكراً يا حاجة.. هذا عشمنا فيكم يا مرات أخي.. ولكن أين عروستنا الحلوة..
الوالدة: سارة؟ّ
أبو عثمان: أجل سارة.. ومن غيرها؟!
الوالدة: أظنها تدرس في غرفتها .. واجبات الجامعة كثيرة..
أبو عثمان: والله لا أدري ماذا ستجني من هذه الدراسة ومن هذه الجامعة يا أم سليمان..
عثمان: والله يا أبي إذا شاركتني في محل جزارة أربح لها من كل سنين الدراسة.. ثم يضحك ضحكة بلهاء بصوت مرتفع..
أبو عثمان: حاول معها.. ربما تحن وتلين وتوافق..
سارة: تدخل تسلم على عمها ثم تقف أمام عثمان وهي تضحك ضحكة طويلة.. إيه.. يا ابن عمي.. إيه اللي عامله بنفسك..
عثمان: يتفقد نفسه.. ثم ينظر يمنة ويسرة.. تقصدي إيه يا بنت عمي..
سارة: إيه اللباس اللي أنت لابسه يا عثمان.. أسود مع أحمر مع أصفر مع أزرق مع أخضر..
عثمان: يضحك ضحكة بلهاء.. جميل أليس كذلك..؟ لقد انتقيت كل شيء بنفسي.. إن شاء الله يكون عجبك ذوقي؟!
سارة: إيه.. أعجبني ذوقك؟! أنت شكلك مضحك يا عثمان.. وبعيد عن الذوق السليم خالص..
عثمان: مضحك شكلي.. طيب بالله عليك تضحكي..
نظرت سارة إلى ابن عمها نظرة استخفاف واحتقار.. لا لأنه رجل جزار غير مثقف .. ولكن لهذا التبذل وهذه الخلاعة التي تغض من رجولة الرجال.. أما أبو عثمان الذي كان يعارض ابنه في ارتداء مثل هذه الألبسة فإنه أحس بخيبة أمل كبيرة.. ذلك لأنه حضر مع ابنه عثمان ليعرض بضاعته.. عسى ولعل أن تلقى القبول من ابنة أخيه سارة أو من أمها على الأقل..
ولكن هذه المحاولة قد باءت بالفشل.. بل بالاشمئزاز والاحتقار والاستهزاء من سارة وأمها.. لقد كان أبو عثمان يريد أن يفاتح زوجة أخيه بخطبة سارة لابنه عثمان.. ولكن كلمات سارة القاسية حول ابنه قد ألجمته عن الكلام.. فما إن انتهت قهوة أبي عثمان حتى همَّ بالقيام..
أبو عثمان: رأيناكم بخير.. هل تحتاجون شيئاً يا حاجة..
الوالدة: شكراً لك يا حاج.. الخير كثير والنعم عميمة وفضلكم مغرقنا يا حاج..
عثمان: وهو يضحك، طيب لحم خروف، ماعز، بقر، يا مرات عمي.
الوالدة: عندما نحتاج الهاتف موجود.. يا بني..
سارة: بالتأكيد لن نشتري اللحم من محل آخر..
عثمان: أنتم تأمرون وأنا أنفذ فوراً..
الوالدة: بارك الله فيك يا عثمان.. طيب وابن حلال..
أبو عثمان: يسير نحو الباب.. نستودعكم الله..
الوالدة: مع ألف سلامة يا حاج..
أبو عثمان: تصبحون على خير..
الوالدة: تحياتي إلى الحاجة أم عثمان...
وسوم: العدد 773