الأسرة الطيبة
عاشت (سارة) مع أخيها ووالدتها في المنزل الفسيح الذي خلفه لهم والدهما المرحوم إن شاء الله (أبو سليمان) .. لقد كان الحزن يخيم على العائلة الكريمة منذ وفاة السيد الوالد إثر أزمة قلبية حادة لم يستطع الأطباء إنقاذه منها رغم بذلهم كل طاقاتهم في عملية جراحية سريعة.. فقد جاء الأجل وحل قضاء الله الذي لا تنفع معه جهود البشر.. مات أبو سليمان وخلف وراءه (سارة) وهي في الثالثة عشرة من عمرها.. وسليمان وهو في الثامنة من عمره.. عاش الولدان تحت السيدة الوالدة التي ضحت بشبابها وأنوثتها وعمرها في سبيل تربية ولديها اليتيمين (سارة).. و(سليمان).. والاستعانة بالخير الوفير الذي خلفه لهم السيد الوالد..
كانت أم سليمان تقية ورعة مثابرة على صلواتها في مواعيدها وعلى عباداتها وقرآنها اليومي حيث فرضت لنفسها كل يوم عدداً من الركعات من السنن الرواتب والنوافل وجزءاً واحداً من القرآن الكريم في كل يوم على أقل تقدير.. وكانت تحث ولديها على طاعة الرحمن وقراءة القرآن وتنفيذ تعاليم الإسلام لأن ذلك سيكسبهم رضاء الخالق المنان.. لأن كل عمل في الدنيا سيكتب لهم في ميزان أعمالهم يوم القيامة إن خيراً فخير.. وإن شراً فشر.. أما أخلاق هذه الأسرة الكريمة فكانت مثالاً للطيبة والأخلاق الإسلامية الحسنة .. لقد أحبهم كل من عرفهم من الأقارب والأصحاب والجيران.. فكانوا عند الجميع مضرب المثل في الخلق والدين والتقى والورع..
وبما أن سليمان ولد قاصر لا يستطيع تأمين شؤون الأسرة فقد كان عم الأولاد (أبو عثمان) الذي كان يعمل جزاراً في الحي الثري من المدينة هو الكفيل والراعي لأسرة أخيه المتوفى أبو سليمان.. اتجه (أبو عثمان) إلى هذه الحرفة منذ صغره عندما لم يستطع إكمال تعليمه.. ولقد استطاع خلال عدة سنوات أن يمتلك أكبر محل لبيع اللحوم في هذه المدينة.. وذلك لما يمتلكه من أخلاق حسنة وصدق وأمانة عزَّ نظيرها في هذه الأيام.. وبما بذله من جهود في هذه المهنة.. لقد أحبه الناس في هذه المدينة الطيبة لإخلاصه وصدقه وكرمه فكانت هذه الصفات هي رأسماله الذي انطلق من خلاله في هذه الحياة..
وفي إحدى الليالي الباردة من ليالي الشتاء كان أفراد الأسرة الصغيرة يسمرون بجانب المدفأة .. إذ سمعت الأم من داخل المنزل صوت الجرس يقرع ثم تبعه صوت العم (أبي عثمان).
أبو عثمان: """بصوت مرتفع"" يا الله.. يا الله..
الوالدة: "تحكم حجابها" وتقول لوالدها سليمان: هيا يا سليمان افتح لعمك أبي عثمان". سليمان: حاضر يا أماه.. "ويهرع ليفتح الباب لعمه".
أبو عثمان: كيف حالك يا حبيبي؟
سليمان: الحمد لله يا عمي.. مستورة بفضل من الله.
أبو عثمان: "يهرع إلى ابن أخيه ويقبله" كلامك زي العسل يا ولد يا سليمان..
سليمان: كلامك زي اللحم يا عمي الجزار..
أبو عثمان: "وهو يضحك" تقصد إيه يا سليمان؟
الوالدة: في حجابها ولباسها المحتشم.. أهلاً بك يا حاج.. ثم تلتفت إلى ولدها سليمان.. ما هذا الكلام يا سليمان.. عيب هذا الكلام مع عمك.
أبو عثمان: اتركيه.. كلامه زي العسل.. كيف حالكم يا حجة؟
الوالدة: النعم كثيرة والحمد لله.
أبو عثمان: أين الأمورة الحلوة سارة؟ فأنا في أشد الشوق إليها.
سارة: تقفز خلف عمها بهدوء وتضع كفيها على عينيه وتقول.. احذر من أنا يا عماه..
أبو عثمان: أكيد الحبيبة الغالية سارة لقد عرفتك من نعومة يديك.. فهل في البيت فتاة أخرى غيرك يا حبيبتي..
سارة: صح يا أغلى عم في الدنيا.. لا شك أنك ذكي مثل المرحوم بابا رحمه الله.
أبو عثمان: بشي من الحزن والأسى.. رحمه الله.. لقد كان رجلاً طيباً يحبه كل من يعرفه.
الوالدة: تعيش يا حاج.. هذا من أصلك وطيبك.. يا الله يا سارة.. اعملي فنجان قهوة لعمك.
سارة: حاضر يا أماه.
أبو عثمان: ما شاء الله.. تبارك الله.. لقد أصبحت سارة شابة بكل معنى الكلمة.
الوالدة: الله يسعدها.. ويبعث لها ابن الحلال اللي يسعدها.
أبو عثمان: آمين يارب..
سارة: "تقدم القهوة لعمها" تفضل يا عماه.
أبو عثمان: من يد ما نعدمها يا حبيبتي.
سارة: تتوجه إلى والدتها تفضلي يا أماه.. ماذا كنت تقولين يا أمي الحبيبة؟.
الوالدة: شكراً يا حبيبتي.. لا شيء .. كلام عابر يا بنيتي.
سارة: اسمعي يا ماما.. أنا أريد أن أكمل دراستي وأحصل على الشهادة الجامعية.. ولا أريد الكلام في هذا الموضوع في الوقت الحاضر أبداً..
أبو عثمان، لا يا بنيتي.. ماذا ستفعلين بالشهادة الجامعية.. الزواج سترة للبنت في هذه الأيام..
سارة: والجامعة والعمل أيضاً سترة وعز للبنت يا عمي..
أبو عثمان: هذا صحيح يا بنيتي.. تحصلي على الشهادة الثانوية وكفى.. أنت لست بحاجة إلى شهادة جامعية والله منعم عليكي يا بنتي..
سارة: العلم والثقافة ضرورية للفتاة كما هي ضرورية للشاب .. والإسلام يأمر المسلمين بالعلم والثقافة والمعرفة لا فرق في ذلك بين الفتاة والشاب.
الوالدة: لا ندري يا بنتي.. يوم تحصل القسمة والنصيب يسكت الجميع.
سارة: بل أنا مصرة على إكمال دراستي الجامعية.. تفضل يا عمي اشرب قهوتك.. تفضلي يا ماما اشربي قهوتك.. ولا أريد كلاماً في هذا الموضوع.
سليمان: أختي معها حق.. ماذا وراء الزواج غير التعب والحمل والولادة.. يوجه كلامه إلى أخته سارة بكير عليكي يا أختي..
سارة: شكراً يا سليمان.
أبو عثمان: ولكننا نخاف عليك يا بنيتي .. فالجامعة بعيدة..
سليمان: سأوصلها بيدي إلى الجامعة.. وأعود بها مساءً إلى البيت.. لا تخف يا عمي يا "أبو عثمان".
الوالدة: كل يوم يا سليمان؟
سليمان: أجل كل يوم يا أمي، بعد سنوات أكبر وأكون رجل العيلة..
(يضحك الجميع من كلام الولد سليمان)..
أبو عثمان: ألم أقل لك يا حجة.. كلامه زي العسل..
سليمان: شكراً يا عمي الجزار.. أنا أعتز بهذه الشهادة..
أبو عثمان: "يقف استعداداً للخروج" إذا احتجتم إلى أي شيء اتصلوا بي بالهاتف.
الوالدة: شكراً يا حاج وجزاك الله كل خير.. دائماً تعبان معانا..
أبو عثمان: لا شكر على واجب يا حاجة.. أولاد المرحوم إن شاء الله مثل أولادي..
سليمان: شكراً يا عمي الحاج..
وسوم: العدد 773