بكاء الكبار

لطفي بن إبراهيم حتيرة

لطفي بن إبراهيم حتيرة

[email protected]

رأيت الدموع في عيني الرّجل.. دموعا كالغدران تهيم على أديم شاحب متغضّن.. منكسر الجناح لكنّه لا يستسلم.. يمشي وهنا على وهن فعرّش الألم حولي وكبلّني وكبر همّي وعظم.. فسرت محزونا و مكلوما..

الصّمت..

السكون..

الوجوم..

والغرق في بحار الألم.. وسمعت الرجل يردّد بصوت كئيب..

 "خبزة.. خبزة مرّة..

 يا حليل اللّي ما قرا وضيّع الجرّة..

خبزة مرّة..

يا حليل اللّي تاه  و الحظّ ما وتاه..

خبزة مرّة..

ما أمرّ منها كان الغربة و القهر و فراق الأحبّة..

المرا  تستنّى.. و لمّيمة تتمنّى وليدها يرجع لأمّة.

الخبزة مرّة..مرّة..".

 مسكين كان طول الطّريق يردّد كلمات بصوت مكسوّ بالسواد.. محشوّ بالخيبة..

وعندما بدأنا نشتمّ نسيم الوطن.. تشنّج وبكى.. وتألّم كثيرا حتّى إذا هدأ.. راح يهذي بكلمات عن الوطن.. يقول..ويقول..

  "باعني وطني..

فقأ عيني وقادني..

وجعل في فمّي لجاما وساقني..

وكتب على ظهري..

حمار لا يقرأ و لا يكتب..

وطني كبّلني..

لا جزر.. قال..

إلاّ العصا ..

ثمّ أرسلني إلى الهاوية..

وقال لي ..

أنت فارس العرب..

أنت قائد القافلة..

أنت حمار داهية..

أنت جميل..

وشعرك ينساب..

كشعر سلوى وشادية..

وطني باعني بالفول..

و قنّينة بيرّة..

وزجاجة خمر فارغة..

وطني يصطاد الطّيور..

ويذبح العصافير..

ويكره ذكر السّماء..

والنجوم الزّاهرة..

وطني

دفعني إلى الهاوية.."

فلمّا سكن وهدأ قلت له..

  - ياعمّي.. همومك همومي.. وها أنا كما تراني.. أحمل حقيبتي على كتفي منذ سنين.. لا أدري.. لماذا؟.. قتلوني بجرّة قلم.. قتلوني بفكر مريض  قالوا عنه قانون.. بل هو طاعون.. طاعون..

ونزلنا في المحطّة وافترقنا ولم أدري من يكون الرجل ولماذا هو يبكي؟؟...