في الطريق إلى حماة !!
كنا ثلاثة معلمين في إحدى القرى بريف حماة ، سليمان (علوي) وحنا (مسيحي) وأنا (مسلم سني) نتردد على المدينة بين الفينة والأخرى لقبض الرواتب وشراء الحاجيات .. وكانت السيارة التي استأجرناها من أوائل السيارات التي تشق الطريق إلى حماة بعد ما حلّ بها من تدمير وبعدما سمح بالتجول فيها لمدة ساعات ، عند إحدى نقط التفتيش توقفت السيارة وأشار أحد الجنود لنا بالنزول ـ وتقدم آخر فبدأ يفتشنا واحداً واحداً وقال في لهجة قاسية وهو ينظر في هوياتنا :
ـ هل معكم شيء في السيارة ؟
وقبل أن نجيبه بأننا لا نحمل شيئاً ! قال :
ـ سلاح ؟ آلة تصوير ؟ ذخيرة ؟ !
سكتنا جميعاً وتولى السائق الإجابة ، فأشار الجندي له بمتابعة السير ..
أحسسنا بالامتعاض للطريقة التي جرى بها تفتيشنا .
خفف السائق عنا وهو يتكلم بصوت منخفض قائلاً :
ـ احمدوا ربكم أنهم اكتفوا بذلك .
قال حنا :
ـ وماذا يمكن ان يفعلوا ؟
أجاب السائق وكأنه حقق إنجازاً :
ـ كان يمكن أن يحجزوكم لساعات ريثما يتأكدون أنكم غير مطلوبين ، ولكني أفهمته بأنكم معلمون في قريتنا ومعروفون لدينا ..
عندما اقتربت السيارة من المدينة هممت أن أصرخ بالسائق :
ـ إلى أين تمضي بنا ؟ نحن متفقون معك لإيصالنا إلى حماة ..
ولكن سليمان صفر صفرة طويلة وصاح :
ـ غير معقول ؟! أين المنازل والدكاكين التي كانت هنا ؟ أين المسجد الذي كان قرب محطة الوقود ؟ أين ....
ثم تلعثمت الكلمات في فمه ، بينما كان وجه حنا ممتقعاً وقد علته سحابة من الحزن والكآبة وهو يردد :
ـ لم أكن أتصور هذا ، الحقيقة أكبر من الوصف .
تباطأت السيارة ، وخفف السائق من السرعة فقد كانت الحفر أكبر من عجلات سيارته ..
همهم سليمان بكلمات وهو يحدق النظر في المباني المهدمة من خلال النافذة وهو يقول :
ـ الحمد لله ! أخي علي لم يكن في اللواء الذي اقتحم ودمر المدينة ؟!
قال حنا :
ـ هل هو مسافر ؟
قال سليمان :
ـ لا ، ولكنه سرّح قبل شهرين من الخدمة الإلزامية وعاد إلى وظيفته في طرطوس .
كان السائق يدير مؤشر الصوت في المذياع ليرتفع صوت أحد المقرئين : " كل نفس بما كسبت رهينة " .
نظرت إلى وجه حنا وسليمان اللذين كانا ينظران إليّ في اللحظة نفسها ، هززت رأسي وأنا أردد :
ـ أجل .. صدق الله العظيم : كل نفس بما كسبت رهينة .
فأحسست أن كليهما يؤمِّن على ما أقول ..
وسوم: العدد 827