شمطاء القرية
عاد للتَّو أهلُ القرية من المقبرة ، يزجُّون خُطاهم الوئيدة ، بعد أن واروا الشيخَ عبدَالوهابِ عالمُ القريةِ وفقيهها ، وجلسَ مؤذنُ القرية عبدالحميد يتضرَّع إلى الله سبحانه أن يكلأَ الشيخَ برحمته ، ويسكنه فسيحَ جنَّاتِه ، ويلهمَ أهلَه وسكانَ القرية الصَّبرَ والسلوان . بينما راح الناسُ يتهامسون ويشيرون بأصابع الاتهام إلى الشمطاءِ التي تسكنُ غربَ القرية ، وأنَّ عمَّالها الذين يعملون في بعض مؤسساتها هم الذين دبَّروا الحريق الذي اشتعل في دار الشيخ ، وكان الشيخُ يرحمه الله الضَّحيَّةَ ... ولا يجرؤُ أحدٌ على الإفصاح ، فشمطاء القرية ذات طول ونفوذ ، تملك الأموال والرجال وأدوات السهرات العصرية من موسيقا وراقصات وموائد فاخرة ، حتى العمدة استكان لها ، وهو الذي منع عبدالحميد من أن يرفع صوت الأذان بمكبرات الصوت ، إرضاء لتلك الفاجرة المتسلطة ، والعمدة لايستطيع أن يتناسى نفوذها ، فبواسطتها مُدَّت أعمدة الكهرباء إلى القرية ، وغيرها من المرافق حتى باتت القرية وكأنها قطعة أوروبية أو مقاطعة أمريكية ، لِما تضمُّه من مظاهر حضارية رغم قذارة استعمالها في بعض الحالات !! ولا ينسى المؤذن توبيخ العمدة وتهديده له إن هو رفع صوتَ الأذان ، وخصوصا أذان الفجر ، فالشَّمطاء في هذا الوقت بدأت نومها بعد سهرة صاخبة ، ولايجوز أن يُنغِّصَ عليها نومها ، وتلك عادتها فأضواء المرح والغناء تستمر يوميا إلى الثُّلث الأخير من الليل . وربما كان العمدة ـ في أكثر الليالي ـ من المشاركين في حفلاتها الماجنة .
وكما يُقال : إنَّ الأخبار السَّيئة تحملها الريح ، ففي الوقت الذي لم يجد الناسُ مَن يعزُّونه في فقْدِ الشيخ ، لِصِغر ولديه اللذين كانا معه في القرية ، كانت أجهزة التقنيات الحديثة تردد في أُذُنِ ولدِه الأكبر خالد نبأ موتِ والدِه ، وقد كان يدرس في العاصمة ، وهذا عامُه الأخير في جامعتها كي ينال الشهادة ، ويعود بها ليعانق والده فرحا ، ويتماسك الفتى نفسَه ، ويردد لسانُ قلبِه ماتعلمه من أبيه عند نزول المصائب ، ويخفُّ إلى القرية ، ليجد قسمَها الشَّرقيَّ مازال في حالة حداد على وفاة والده . وليرى بأمِّ عينيه جانبَها الغربي مازال غارقا في موسيقاه الصَّاخبة ، وليلته الحمراء . ويعزِّي أُمَّه ، ويذكرُها بثواب الله لأهل الصَّبر ، ويقبل على أخويه الصَّغيرين يضمُّهما إلى صدرِه ، محاولا أن يسلَّ وطأة الألم ومرارة المصاب عليهما من قلبيْهما . ولينفضَ عن براءتهما قسوة المجرمين ، وضراوة مالحقهما من مشاهد الحريق الذي أودى بحياة والدهم . وأجلسهما بين يديه وسألهما : مَنْ أضرم النار في بيتنا ؟ ألم تريا أحدا قبل حدوث الحريق حول البيت ؟ أجاب أكبرُ الولدين ، وشعاع غروب شمس ذاك النهار مازال يتجلَّى في صفحة وجهه البريء حزنا منسابا بكلِّ ألوان المأساة : أنا رأيتُ (الحازق الأعور ) ومعه اثنان من عمال مزرعة الشمطاء يسرعان من هنا ـ ويشير إلى الطريق المؤدي إلى قسم القرية الغربي ـ ثم وقفا على تلك التَّلة ، في حين كانت النار تأكل البيت قبل أن يحضر والدي من سوق القرية ، ودمعت عينا الصغير ، وأجهش في البكاء ، وخالد يربِّتُ على كتفه ... ويبصر في صمتِ وذهول أخيه الآخر شدةَ الهلع وفداحة المصيبة . ويجلس خالد القرفصاء ، وهو يتأمل الطريق الذي أشار إليه أخوه ، وهو يشاهد المجرمين ينظرون إلى البيت المحترق ، ليتأكدوا من نجاح خطتهم ... إنهم المرتزقة ، كلاب الشمطاء ، عبيد الدرهم والدولار ، وأراق من تنهداته الحرَّى على حلوق القرية التي باتت أكثر أوديتها ، ومجاري مياهها لتلك الشَّمطاء .
ويُنادَى لصلاة العصر ، ويجتهدُ عبدُ الحميد المؤذن في رفع صوتِه ، لعله يصلُ إلى ماشاء اللهُ من أطراف القرية المترامية ، شرقيِّها وغربيِّها ، ويهرع خالدٌ مع أخويه إلى المسجد ، فيتوضأ ويصلِّي الفريضة مع مَن حضرَ ، وينصرف الناسُ ، ويجلس خالد مع عبدالحميد فهو أخوه في الدعوة إلى الله وصديقُه الحميم لسنوات عديدة منذ أن أنشأ المحسن الفاضل الحاج محمد العطار هذا المسجد بمشورة من الشيخ يرحمه الله . ويسأله المؤذن عن أحواله ودراسته ، فيجيب خالد : الحمد لله ماهي إلا أيام قليلة ، وأعود مدرسا لمادة اللغة العربية في قريتنا إن شاء الله . ردَّ عبدُالحميد : إن شاء الله ... وعلى ذكر اللغة العربية ياخالد لغة القرآن الكريم : ماذا يقصدون بكلمة ( الحازق ) التي يطلقونها على عمال الشَّمطاء ، حتى أنَّ أحدهم غلب عليه هذا اللقب فصار وكأنه اسمه الحقيقي ؟ تبسَّم خالد وقال : الأصلُ فيها الحذاء إذا ضاق على رجل صاحبه ـ أكرمك الله ـ ولكن الأمر هنا يختلف عند هذه الشمطاء ، حيثُ أصبح المعنى ربط خيوط الحذاء بقوة على القدم ، ليكون عاملا على سرعة الحركة ، وتنفيذ المهمات الخطيرة . هـزَّ عبدالحميد رأسَه وقال : الآن فهمتُ ياخالد !! كما فهمتُ معنى شدِّ يدي بقوة من قِبَلِ العمدة وهويقول لي : أذِّنْ بدون ( ميكروفونات ) . قال خالد : أحسنتَ يا أخي وفهمتَ . فهذا زمان المعازف والقيان والعجائب ، زمان تصَدَّرَ فيه السُّفهاءُ والجهلاء للقول بأمر عامة الناس . زمان لايبالي فيه الناس بالحلال ولا بالحرام ، وفيه يُكرمُ الأشرارُ مخافة شرِّهم ، كما ترى في هذه القرية . أين الفضل والكرامة والقيام بالواجب عند عمدة القرية ؟ أو عند تلك الشمطاء الفاسقة ؟ قال عبدالحميد : والله ماعندهم إلا الترف ، وحياة الدعة والبغي بغير الحق ، نحن نناديهم إلى أداء حقِّ الله من صلاة ومن فعل الخير ، وهم يلهون ويلعبون ، وكأنهم يعبدون غير الله ، استدرك خالد وقال : بل إنهم يعبدون أهواءَهم ( أرأيت من اتخذ إلهه هواه ... ) . قال عبدالحميد : صدقتَ والله ياخالد إنهم يعبدون آلهةً أخرى ، ولاحول ولا قوة إلا بالله . آهِ لو تذكَّرَ الناسُ سببَ هلاك عاد وثمود وقوم لوط وفرعون وهامان وقارون ، لنجوا من عذاب الله في الدنيا والآخرة . إنه الكفر والاستكبار بغير الحق ، لقد بادت أممٌ وزالت شعوبٌ كانت على جانب من القوة والهيمنة ، ولا رادَّ لقضاء الله . أقبل الأخ الأصغر لخالد ليخبره بأن الوالدة تناديه . ودَّع خالدٌ صاحبَه وانصرف إلى بيته مجيبا دعوة أمه الثَّكلى .
وجد خالدٌ خالَه في البيت بانتظاره ، وجلسا يحددان طريقة إعادة الأرض التي استولت عليها الشمطاء منذ سنوات بالمكر والرشوة . وتفيضُ عينا أمِّ خالد بالدموع ، وهي تتذكر أيام المعاناة ، وقالت : تريد هذه الشمطاء المتسلطة أن تملك القرية وأهلها ، وتستولي على خيراتها ، وإن جاع الناسُ أو خافوا ، فهي لاتبالي إذا حازت على أطيب الثمار ، وحصد أهل القرية الأشواك والأذيات والمصائب ، وغنموا لفحَ الحـرِّ وبرد الشتاء . قال أخوها وقد نالته من الشمطاء جراحاتٌ لمَّـا تندمل: أجل ياأمَّ خالد إنها لم تدرك بعدُ ولم تشعر بأنَّات المظلومين ، ولم تعرف عاقبة الظلم عند جبَّار السماوات والأرض ، ولا عاقبة سدِّ طريق الخير أمام حاجات الناس ، ولا نتيجة خنق الحريات التي منحها الله للإنسان ، بل حتى للحيوانات التي ترفض الأقفاص ولو كانت من ذهب . قال : خالد : لحاها الله من مجرمة ماكرة ، وما كانت لتبالي بما يصيب الناس من لامبالاتها ، وفي تحويل أسئلة المنكوبين الاستنكارية إلى مواسم للكبت والقهر والحرمان ... ثمَّ تبسم خالد ساخرا حنقا ، وأتمَّ كلامه : إنها شريعة الغاب ياخالي تعيد قانونها المتعثر في زمن مايسمَّى نبلاء العصر الحديث ، الأقوياء ، السفهاء ، الأغنياء ، المكر ، المكر ، الكيد ، الكيد، الحقد ، الحقد الأسود ... وكأنها مستلزمات القوانين الجائرة ، لأن مايُسمَّى بالنبلاء هم أصحاب الحل والعقد ، وهم أسياد الماء والكلأ والهواء ، وغضب الضعفاء المغلوبين على أمرهم ـ اليوم !! ـ ماهو إلا انفعالات يتمتع بمشاهدها ( ذات التَّوهُّج ) الأكابرُ ، أقصد مايسمَّى بنبلاء العولمة التائهة .
سبحان الله ، تذكرني هذه المزايا باليهود ـ لعنهم الله ـ وراح الخال ومن خلال صمته الكئيب ، يقلب أسفار الغابرين ، ويقلب كلتا يديه ، ليترجم هذا التَّذكُّرَ عن استفساره حول بروتوكولات سفهاء الصهاينة ، أصحيحة هي أم هي مجرد بالونات استحواذية للفت انتباه الآخرين ؟! أم أنَ مايجري فوق المعمورة اليوم نتيجة طبيعية لحياة مخالفي الفطرة الإلهية ، استغلها الصَّهاينة ليقدموا أنفسهم ، ويستغلوا قوة مَنْ أعانوهم ، وليؤكدوا مقولتهم الظالمة : ( إنَّ قانون الطبيعة هو أن الحقَّ يكمن في القوة ) بل إنَّ أحد قادتهم يقول : لاأرى كيف يمكن أن نقيم دولة يهودية دون أن ندوس على المحاصيل !! قال خالد : لاشكَّ أنها أقوال السفهاء أصحاب لعنة السماء ، وإلا فالخلق كلهم عباد الله وأحبُّهم إلى الله أنفعهم للعباد ، وأكرمهم عنده أتقاهم له جلَّ وعلا . ألقى أحد الصغيرين ببراءته قائلا : ما أظنُّ هذه الشَّمطاء إلا يهودية ياخالي . تبسم الخال وقال : بارك الله فيك أنطقتْكَ فطرتُك بما قلته ، فإن أخطر الناس على ديننا وقيمنا و وجودنا هم أؤلئك الذين يلبسون ثيابنا ويخفون تحتها مكرَهم ، صدقتَ يابنيَّ ، ولكنَّ اللهَ أشدُّ مكرا وبطشا ولكنهم لايعلمون .
كان صوتُ الأجهزة العملاقة لحفر الآبار يرعد في سماء القرية لاستخراج الماء ، فالماء هو عصب الحياة . وقد جاءت الشمطاءُ بهذه الأجهزة لتحويل الكثير من مجاري السيول إلى حيثُ مزارعها الفينانة ، وبساتينها الوارفة . وهي تحلم بتحويل كل منابع الآبار إلى غرب القرية ، إلى مغاني سكناها ، ومراح هواها . واعتدل الخال في جلسته ، ومسح على جبينه كأنه يتذكر أمرا ما ، ثم قال : ما أظنُّ هذه الشمطاء إلا حفيدة صاحبة الرواية المشهورة ( طوران الجديدة ) ذات الصِّلة الحميمة بجمال باشا السَّفاح أحد قادة حركة الاتحاد والترقي المشهورين . وكان حاكما لسوريا بعد إزاحة الخلافة الإسلامية عن مكانتها . ردَّتْ أُمُّ خالد : كلُّ شيءٍ جائزٌ في هذا الزمان يا أخي .
وتمرُّ الأيامُ مسرعةً ، لاتجفل ممَّا في طريقِها الوعرة ، ولا تنتظر القاعدين على أرصفة التخاذل رحمةً بهم . فمشاوير التَّجاوزات إضافةٌ حضاريةٌ لاتحمل أوزار المسحوقين تحت عجلات عدم التراحم والتَّواد . وتسرعُ الأيامُ أكثر فأكثر ... ويتزوج خالد وينجب ، ويكبر أخواه الصَّغيران حذيفة وعمار ، وينال المرضُ من خالهم الودود ، حتى آخى فراش الرضا بقضاء الله غير يائس ولا ساخط . وتزدهي القرية بما جلبتْه أيدي الحضارة ، رغم فحيح أفاعيها ، ونوح ثكالاها ، فالنفوس جُبلت على حبِّ القريب العاجل ، ربما لحلاوته وبريق آفاقه ، وما أسرع أن تتغير أنواع وتقليعات الألبسة والشعور ، وطعم الوجبات السريعة ، ففي القرية تتقارب مسافات العداوة في بعض الأحيان ، وتلتحم مسافات التَّفاهم في أحيان أخرى ، ويبقى معسكر الشَّمطاء هو الأقوى ، وصاحبُ النفوذ الأعلى ، فاستكبارُه منقطع النَّظير ، وريش زهوه يتمايل منفوشا مختالا ، يمنح التَّقدم الأرعن رعونة أكثر من نوع آخر ، ويغدق من كفَّيْ حضارته الخائرة أجود أنواع المُتع والمسليات ، وهاهي ( كفتريا) وجباتها المميزة تُصَّدرُ ما لـذَّ وطاب من طعام وموسيقا وشراب . ومن نفائس الحرية العارية من القيم والحياء ، وذلك لامتيازاتها التي لاحدود لها .
وفي حين يستقبل مؤذن القرية الذي مازالت روح الشباب تحرك جسده وقد جاوز الستين من عُمُرِه ... شهر شعبان ، ويبشر الوافدين إلى المسجد بقدوم شهر رمضان المبارك ، كان القسم الغربي من القرية غارقا في التَّراشق والتواصل بالضحكات الفارهة .
وتمرُّ الفصول مسرعةً ، ويقبل الشتاء ببرده القارس ، وأمطاره المتدفقة ، كانت أيامه غير مشمسة ، ولياليه غير مقمرة ، فالسُّحب المدلهمة ماكانت تفارق وجه السماء في ليل ولا نهار . وأما سماء القرية فهي الأخرى ملبدة بالغيوم الدكناء ، وآماق آفاقها الثكلى مغرورقة بفيض من الدموع التي يخيَّل للناظر إليها أنها ستغمر خـدَّ الزمن الخجول ، بل حتى آكامه التي طال رزؤُها ، ولم تزل تمدُّ يـدَ الضَّراعةِ إلى الله العليِّ القدير ، وذات ليلة من تلك الليالي تثور الأعاصير ، ويلمع البرقُ ، وتُسمع أصوات الصَّواعق ترعب القلوب ، ويتناثر شررها على غرب القرية ، وترتفع أصوات الدَّاعين والمكبرين يسألون الله اللطف بالعباد ، وتعود الصَّواعق شديدة ، فتصيب ما شاء اللهُ لها أن تصيب ، وتهتز جنبات القرية تحت هول الرعود المجلجلة ، وتنهمر الأمطار ، وتجتاح السيول الجارفة الدور والقصور ، وإذا بألسنة النيران تندلع حمراء سوداء من طرف القرية الغربي ، وإذا بالعمدة يتعثر مذعورا والنار تأكل ثيابه ، وتأتي على جسده الذي نبت على السحت ، ويحاول بعض الناس إنقاذه منها ولكنْ !! ويقف على رأسه عامله ( مجحم ) الذي طرده ذات يوم ظلما وعدوانا ، وراح ينظر إلى عينيه المطفأتين ويقول : هذه نهاية الظالمين ،وهذا وقت انهيار صرح الاستكبار ، وتَسَاقُطِ أوسمة الزيف والغرور لبهرج إفكهم على مساحب غروب أسطورتهم المزعومة ، وكان ( مجحم ) عاملا مثقفا ، يجيد حفظ الأمثال والأشعار ، فجعل يردد :
غضبُ الجرحِ تلظَّى نقمـةً ربما فيــها سيُجتاحُ الألـمْ
ليعود الجــرح من محنته ألقا قد شــعَّ من نور ودمْ
ويقبلُ ( حازق ) من قبل قصر الشمطاء يهرول ويولول ، وهو في حالة من الذُّعر والهلع لايحسد عليها كما يُقال ، وقد نجا من تزاحُم وتلاطُم ألسنة النيران التي أكلت الشمطاء ، وأتت على قصرها المنيف ، وأحرقت النيران أدوات التجميل المميزة التي تخص وجه الشمطاء وشعرها ... كما التهمت النيران أجهزة التقنيات الحديثة والأدوات الموسيقية . لقد استكملت الشمطاء ومَن معها رزقَهم وأعمارهم ، ولكنهم لم يجملوا في الطلب ، ولم يرعوا حقَّ الله في عباده ، فلا الإيمان وقر في قلوبهم ، ولا كان عملهم مناسبا لفضل الله عليهم وعلى الناس . وتهامس الناس ـ كعادتهم ـ يسألون عمَّن أضرم النار في قصر الماكرة الفاجرة ؟ وكأن بعضهم يشير إلى أولاد الشيخ عبدالوهاب ـ يرحمه الله ـ الذي مات متأثرا بحروق من الدرجة الأولى ، لحقته وهو يحاول إطفار النار التي أضرمها كلاب الشمطاء ، ومنهم الحازق الأعور . ولكن صوتُ المؤذن الصّالح أخرسهم حين رفع صوته قائلا : اتقوا الله في أقوالكم ، وفي اتهاماتكم الباطلة ، واسألوا أنفسكم عمَّن أغرق الدور والقصور ، ومن أرسل الصواعق ، ومن أرسل هذه السيول الجارفات ؟؟ وتفرق الناس ، وما أسرع أن يتجمعوا ويتفرقوا . وعاد مؤذن القرية ليعيد وصل أسلاك الكهرباء بمكبرات الصَّوت ، وعاد صوتُه الشجيُّ النَّديُّ يجلجل في رحاب القرية مع أول فجر جديد بعد انهيار صرح الظلم والفجور ، وتوافد الناسُ إلى المسجد مهللين مكبرين ليؤمهم الشيخ خالد بن عبدالوهاب في صلاة الفجر ، وفي ركعتيها كان يتلو من قوله تبارك وتعالى : ( فهل ينتظرون إلا مثلَ أيام الذين خلوا من قبلهم . قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين 102/ ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا . كذلك حقا علينا ننجي المؤمنين 103/ يونس.
وسوم: العدد 827