مرّيخي على كوكب الأرض
ذات ليلة هب إعصار قوي على كوكب المريخ؛ فأودى بحياة كل من على الكوكب، إلا مريخيا واحدا نجا بأعجوبة؛ حيث حط على كوكب الأرض في ليلة باردة حالكة الظلمة غاب قمرها والتفت بالضباب الكثيف. بدأ المريخي يتفحص الأرض بقدميه ويمعن النظر بكل ما حوله، أيقن أن الإعصار حمله إلى ثرىََ غير ثراه، وأنه في مكان غريب لايشبهه في شيء، لكن القدر حكم ولا راد لقضاء الله.
الضباب كثيف وظلام الليل مطبق، فكيف له أن يتعرف الأمكنة والوجوه في هذا الغموض، كان يلمح نظرات تلمع وسط الظلام ترصده بدهشة، سمع همسات وتمتمات بلغة لا يفهمها، لكنه كان مؤمنا أن الله لن يضيعه، حاول التواصل بلغة الإشارة والإيماءات مع هؤلاء البشر، متأملا أن يجد ملجأ عند أحدهم، ووسط حلكة الليل لم يميز بين وجه سمحٍ وآخر كالح؛ خاطب إنسانية البشر وفطرتهم التي خلقهم الله عليها؛ ظاناً أنهم مثله لا زالوا على الفطرة، لكن أحدهم لم يُجِره ولم يأبه لحاله.
جرّ الليل أذياله بثقلٍ شديد، وأخيرا لاح أول خيط من خيوط الفجر، وبدأت جيوش الظلمة تندحر أمام إقدام الفجر، ورويدا رويدا امتد الضياء في كل مكان ليسحق العتمة، وانزاحت معها آخر أغطية الضباب، وبدأ الوضوح يدب في الأرجاء، وصار للنهار أعين تساعد هذا المستضعف الغريب على تمييز الوجوه، وتقرأ معنى النظرات، وفجأة وقع نظره على أعين فتاة بريئة كانت تتدفق حبا وحنانا، وكانت قادرة على فهم المعنى العميق لقيمة الحب، كانت متقبلة للمختلف، ولا تزال على فطرتها نقيةََ طاهرة، اقتربت منه، وعلى الرغم من اختلاف اللغات كانت قادرةََ على إيصال معنى كل كلمة قالتها له؛ قالت بقوة للمريخي : دع يقينك بطاقاتك الكامنة ورحمة الخالق بك تنجيك، كن على يقينٍ أن الله منجيك، وأن باستطاعتك النهوض من جديد بإرادتك القوية وبإيمانك بقدراتك، فتوكل على الله وانهض بمفردك، وتجنب طلب المساعدة من بشرٍ تلوثت فطرتهم بالمعاصي، ولا يغرّنك المظهر، فهو لا ينبئ عن المخبر، كن حذرا فانقشاع الضباب يساعدك على رؤية الأشياء لا الأشخاص، فقلوب أكثرهم مغلفة برانٍ من الكره والحقد، إلا من رحم ربي....
ووسط حالة من الارتباك والذهول، عادت الحوامة التي حطت بالمريخي على أرض البشر، وبسرعة اختفى وسطها، فدارت وحملته معها وبشكل سريع حلقت به وارتفعت وغابت فوق السحب.
وسوم: العدد 869