ومن مثل خديجة؟
(1)
نهرٌ جارٍ
يا قوم: عظَّم الله أجركم، وغفر لميتكم، أفلا أدلكم على كنز جارٍ، وباب من أبواب الصدقة لا ينطفىء؟
قولي يا خديجة.
يا قوم: تتبرعون بقرنيتيْ فقيدكم؛ فيفيد منها مريضان، ليريا النور من جديد، والله خير الرازقين.
وكيف لقرنية ميتة أن تفيد حيَّاً؟
لا، يا إخوتا، فالله جعل موت القرنية تتأخر عن موت صاحبها أربعا وعشرين ساعة.
ولكن المريض لم يوصِ بذلكم؟!
يا قوم: أنتم إخوته: ورثته الآن-إذ لا أولاد ولا زوج له- يمكنكم أن تتداولوا الأمر، وتقررون بنهر جارٍ من الحسنات لكم، وللمرحوم إن شاء الله. وأنت يا أبا محمد؛ أقنع أخويك ؛ فأنت طبيب، وتعلم ضروريات مثل هذا الأمر.
أنا من جهتي موافق؛ فوافقا يا أخويَّ.
دعينا نختلي بأنفسنا نصف دقيقة
... وبعد ثوان معدودات: موافقون
فزغردت بجانب الجثَّة المسجاة على النقَّالة، وجرت العربة التي تقلُّ المتصدَّق عنه بعجلات سريعة إلى مشرحة مشفى السلط........................
وبعد نصف ساعة خرج الطاقم الطبي متجهمين!!
مالكم باسرون؟
لقد تعذر النقل؛ لأن سرطان المريض الميْت كان منتشرا لعينيه!
فزغردت!!!
وعلامَ تزغردين، قالوا بصوت واحد؟!
على نهر جارٍ، فالله يحاسب على النوايا............
من مثل خديجة
(2)
شفاعة
يا سيدتي: أنت مديرة المدرسة وبإمكانك أن تغلقي الملف.
كيف أغلقه يا خديجة، والموضوع جنائي؟
الموضوع ليس جناية ، ولا جنحة، وإنما هو مجرد عبث طفولي، والله ربك.
والمدرسة التي كانت يمكن أن تحترق؟
إنما هي ولدنة مراهقين.
أنت تسطحين الموضوع.
لا ، وربي، وإنما أضع نفسي مكان أمهاتهم.
لو لم ينالوا الجزاء الرادع، فلربما تجرأوا على حرق مدرسة أخرى.
لم تكُ سوى ألعاب نارية، وبدل أن يلعبوها في ساحة المدرسة ، أشعلوها في المسرح، ألم أقل لك مجرد ولدنة؟
هذه الولدنة قد تكون مدمرة، وبجب أن ينالوا عقابهم.
ممكن أن يُسجنوا عشر سنوات، وفي السجن قد يلتقون مع مجرمين؛ فيصبحوا مثلهم!
ليكن.
أكبَّت المدرِّسة خديجة على يدي المديرة تقبِّلهما، وتستشفع للطلاب في الصف التاسع.
سحبت المديرة يديها، وقد اعترتها الدهشة من غرابة ما تصنع خديجة، وصرخت بأعلى صوتها: البارحة كان عندي أولياء أمورهم، ولم يفعلوا مثل ما تفعلين؟!
ألم أقل لك إني أمٌّ لهم جميعاً؟؟؟.............
خلص .... خلص: اذهبي الآن، وسأخفف العقوبة، ولن نستدعي الشرطة،؛ ثم انفجرتا بالعويل.........
(3)
أنا أريد أن أكتنه ما علاقتك بالطفل الذي تريدين أن تدفعي له كفالة وتخرجينه من سجن الأحداث، قال مدير السجن بنزق شديد، وهو ينفث لفافة تبغه التي اصطنعت غيمة حجبت الأفق بينهما؟!
قالت: هو ابن جيراننا، فحسب...
ولمَ لمْ يأتِ والداه ليكفلانه؟؟!!
لأن والده فقير، وقد أُصيب بصدمة نفسية عندما علم بسجن ابنه القاصر.
هل تعرفين أنه يترتب عليك أن تكفلينه أيضا بتقرير مكتوب على عدم فعلها ثانية؟
أجل أعرف!!
..........وفي الطريق كانت سيارتها تطوي الأرض لكي توصله إلى بيت أبويه، وقُبيل أن ينتشل جسمه النحيل من السيارة أكبَّ على يديها يقبلانهما، وعيونه تقطر جُمانا: لقد أضحى لي أبوان .. وأمَّان!!!
وسوم: العدد 944