النهد العسلي.. وصاحب القرار! (مقطع من عمل سردي)
كُورُونا 2020
6
عادت من دار بنتها بِهَرْهُورَة، إلى دارها بالرباط، بعد أن انخفض عدد الإصابات والوفيَّات وفُتِحت الطرقات، لكنها ما زالت تفرك يديها بالصَّابون والماء إحدى عشرة دقيقة، وقبل غسلهما ترفع أصابعها متشابكة. تنعكس على جدار المرآة لوحة تضامن:
- أْمَّة واحدة!
تغسل يديها ثانيةً وهي تتذكر لوحةً بدار ولدها بمونتريال، لم تكن برسم زهر ياسمين أبيض، بل كانت برسم صرخة امرأة بِبَشرة سوداء. تبحث داخل اللوحة عن فجوات التاريخ، لِبَشرةٍ مُلَوَّنَةٍ بِلَونِ خَالِها (عَبَّاس)! تفرك يديها وتضمهما ضمَّةً واحدة. ترفعهما متشابكتين أمام المرآة، تهمس:
- أْمَّة واحدة!
تفتحهما، ترى فجوات التاريخ. البَشرَة المُلَوَّنَة بمونتريال. ترى لوحةً لم تكن برسم زهر ياسمين أبيض، بل كانت برسم امرأة بلَوْن عسلٍ قاتم:
- أُمّة واحدة!
رأت قبل انتشار فيروس كُورُونا، لوحة مُسْتَنْسَخَة عن الأصل، تُزَيِّن جدار غرفة الاستقبال بدار ولدها، غيَّرت مكانها من حائط الاستقبال إلى حائط المبكَى!.. ليست لوحةً زيتية برسم زهر ياسمين أبيض. خاصمها ولدها وقال لها:
- ابحثي في تاريخ البَشرَةِ المُلَوَّنَة بلَوْن عسل قاتم. هذه اللوحة التي غيَّرتِ مكانها دَلِيلٌ دامغٌ على انتهاء تاريخ العبودية بمدينة مونتريال!
تتذكر اللوحة وتسترجع كتاب (سيبويه)، لتكتشف الاستغلال "الهَنَوِي"! (هنو): من الأسماء الستة حُذِف حياءً، واكتفى النحاة المتأخرون بالأسماء الخمسة.
- من خلال فضح نَهْدِ المرأة المكشوف اكتشفتْ هويَّةَ صاحبته. إنها لوحة لِأَمَةٍ من بلد (هَايْتِي)، رسمها رسَّام كندي من أصل فرنسي، (فَرَانْسوا بُوكُور)، 1786.
لوحة امرأة بلون عسلٍ قاتم، صَدْرها عارٍ تمامًا. غَيَّرَتْ مكانها من حائط إلى آخر.
امرأة كندية من البلد هايتي، لون بَشرتها بلون خالها (عباس)، عسل قاتم، يختلف عن لون جَدِّها الذي بَشرَته بلون ثَلج مونتريال، وعيناه بلون نهر سان لوران.
أُعْلِن سنة 1912 عن انتهاء العبودية بمدينة (فاس) المغربيَّة، وتوقف سوق النِّخَاسَة، كما توقَّف بأفريقيا وآسيا، بعد قرون من الرقِّ، وبإقرار سماوي! لم يعد جَدُّها لأُمِّها يشتري امرأةً مُلوَّنة بلون العَسَلِ، وخطَّ بحرفٍ مغربيٍّ اسم ابنه (عبَّاس) بِكُنَّاش العائلة...
تُقلِّب الفضائيات:
- قتلوا (جورج فَلويد) 25- مايو- 2020، زمن كُورُونا، لَوْنُ بَشرَته عسل قاتم، بلون خالها (عَبَّاس). رئيسة المجلس البلدي لمدينة مينيابوليس التي وقع فيها الحادث، وَرَدَ في خِطابها:
- "نحن ملتزمون بتفكيك أجهزة الشرطة!"...
تنقر على الشاشة حروفًا وهي خائفة، تخاف وهي تبحث في قوقل عن قراءة مقال أعجب صديقتها الدكتورة (لميس)،كتبه الصحفي (ك. ر).
الحروف انْتَثَرَتْ، لا تهتدي إلى لَمِّها.
تُجَمِّع قُواها العقليَّة، تقرأ مقال الصحفي، وتَلعَن صاحب القطار!
وسوم: العدد 1026