الكلاب.. والجلادون
عبد الرحيم عبد الرحمن منصور
في ليلة ليلاء من كانون الثاني الأصم السماء تبرق وترعد المطر ينهمر غزيرا والبرد يستولي على الغرفة الصغيرة التي آثرت أن أنام فيها ظنا مني أنها أكثر دفئا لصغرها لا أجرؤ على الحركة لأن أسراب البرد القارس تلاحقني وتهاجمني .
النور الباهت الضعيف ينبعث من مصباح أخضر لا يقوى شعاعه على الصمود أمام سوط البرق المقتحم من النافذة الصغيرة..صوت الريح مفزع كأنه صفير الجن كما في الحكايات القديمة .
قلقت ولم أستطع إغماضا قلت في نفسي ما أتعس هذه الغرفة إنها أقسى من الزنزانة... ضحكت بسخرية ... زنزانة ؟ وهل يوجد ما يشبه الزنزانة .. حتى ولا القبر
ولكن ... فعلا ..ما أشبه هذه الغرفة في هذه الليلة بالزنزانة الضيقة التي لا تكاد تسع جسمي الناحل رطبة معتمة يعشش فيها البرد والعفن .
اشتد صوت الرعد حتى غطى على صوت الكلاب القريبة.
علا صوت رجل يستغيث ولسع سياط الجلادين تقرع الآذان وكلما اشتد الضرب علا صوت الاستغاثة الجلادون يسبون ويشتمون. صوت الرعد يختفي يقوى نباح الكلاب ويبين .
صوت الضحية يخفت يا الله ...يا الله.. الجلادون يسبون ويشتمون .
الكلاب تنبح بقوة أكثر صوتها يقترب ما زالت سياط البرق تسيطر على السماء.
سياط الجلادين بلهب جسد الرجل يعلو صراخه يستمر الأنين والنحيب يا الله ... يا الله...
نسيت آلامي وأنا في الزنزانة "الفزع يطير الوجع "
هدأ المطر .. سكت صوت الرعد .. ولم يبق سوى صوت المزا ريب تفرغ ما تبقى من ماء المطر بتحد وزهو
سكت المستغيث ولم يبق سوى أنات خافتة ..صوت السلاسل والأغلال في الدهليز وعلى أبواب الزنازين .
علا نباح الكلاب وصارت قرب الدار .
صوت أقدام في الدهليز .. هناك قادم ..اقترب الصوت من زنزانتي .. لعب المتاح في القفل .
نبحت الكلاب بعنا د .. لمع البرق قصف الرعد .
فتح باب الزنزانة ..وقفت فزعا .. تلعثم لساني .. تجمدت كلمات الدعاء في فمي .. جاء دوري .
" اللهم إنا تجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم" جذبني الجلاد إليه بقوة تعثرت بطرف البطانية النتنة تبللت قدماي.
في نفس اللحظة اصطدمت رجلي بشيء وسط الظلام تحسسته لقد تعثرت بإبريق الماء الذي كان على مسافة قريبة بجانب الفراش اندلق الماء فوق الفراش " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " كيف أنام في فراش مبلل ؟ نظرت في الساعة لقد حان وقت صلاة الفجر .